قبل أن نتحدث عن صفقة القرن يجب أن نتحدث عن توقيتها. لماذا جاءت الآن وليس من قبل، مع أنها مطبوخة منذ أكثر من عشرين سنة حسب خبر أوردته صحيفة «القدس العربي» قبل عقدين من الزمان، ففي ذلك الوقت نشرت الصحيفة ما أسمته «النص الحرفي لوثيقة بيلين- أبو مازن حول الحل النهائي». وبموجبها تكون «القدس في أبو ديس والعيزرية، والأماكن المقدسة تحت السيادة الإسرائيلية في إطار صيغة الفاتيكان…المستوطنات الكبرى باقية…فترة اختبار نوايا لعشرين عاماً…والدولة المستقلة منزوعة السلاح…إلغاء الأونروا واستبدالها بهيئة جديدة لاستيعاب النازحين وتوطين اللاجئين في مكان إقامتهم ودون صخب». تصوروا أن الكثير من بنود الصفقة التي أعلنها ترامب ونتنياهو موضوعة منذ أمد بعيد، وكل ما فعلته الإدارة الأمريكية الترامبية أنها اختارت الوقت المناسب للإعلان عنها. لماذا الآن إذاً؟
لا يمكن تمرير تلك الصفقات التاريخية الكبرى قبل الآن، فلا بد من توفير الظروف السياسية والتاريخية قبل تمريرها. وقبل أن نصل إلى صفقة القرن علينا أن نعود إلى الوراء عشرين عاماً كي نرى الأحداث التي مهدت للصفقة وجعلتها الآن تبدو ناضجة لتبينها والمصادقة عليها. عندما بدأ يوسي بيلين أحد كبار رجال الدولة في إسرائيل في ذلك الوقت يتفاوض مع محمود عباس مهندس اتفاقية أوسلو والشخص الثاني بعد الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، كانت أمريكا قد بدأت بتنفيذ مخطط كبير في الشرق الأوسط تمهيداً للوصول إلى صفقة القرن. قبل ثلاثين عاماً تم توريط النظام العراقي بقيادة صدام حسين في غزو الكويت ثم محاصرة العراق تمهيداً لغزوه لاحقاً وتجريده من سلاحه وقوته وتفكيك جيشه وتحويله إلى مستعمرة إيرانية بضوء أخضر أمريكي. لقد غدا العراق بعد الغزو في عام 2003 بلا حول ولا قوة وصار مضرباً للمثل في الفقر والضياع والفوضى، بعد أن كان يشكل قوة لا يستهان بها في مواجهة إسرائيل. ويذكر الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن الذي قاد عملية غزو العراق وقتها أنه اتصل برئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الحين آرييل شارون وقال له حرفياً»: أبشرك بأن الخطر العراقي على إسرائيل قد انتهى بعد أن دخلت القوات الأمريكية إلى منطقة الأنبار غرب العراق». قد يقول البعض إن العراق لم يكن يشكل أي خطر على إسرائيل في أي وقت. وهذا طبعاً نوع من التحليل الصبياني، فلا شك أن الجيوش العربية لم تفكر يوماً بتهديد إسرائيل في ظل قيادة صدام حسين أو حافظ الأسد أو غيرهما، لكنها كانت بكل الأحوال جيوشاً يمكن استخدامها ذات يوم لخوض المعارك، بغض النظر عن تقاعسها في تلك الفترة عن مواجهة إسرائيل. صحيح أن معظم الزعماء العرب في تلك الفترة كانوا في الجيبين الأمريكي والإسرائيلي، لكن هذا لا ينفي أنه كان هناك جيش عراقي خاض حرباً ضد إيران لثمان سنوات ولم ينهزم فيها. وهذا بحد ذاته يشكل أكبر تهديد بعيد المدى لإسرائيل، وبالتالي كان لا بد من تدميره والتخلص من خطره المستقبلي حتى لو لم يظهر خطره إلا بعد خمسين أو حتى مائة عام.
لا يمكن تمرير تلك الصفقات التاريخية الكبرى قبل الآن، فلا بد من توفير الظروف السياسية والتاريخية قبل تمريرها. وقبل أن نصل إلى صفقة القرن علينا أن نعود إلى الوراء عشرين عاماً كي نرى الأحداث التي مهدت للصفقة وجعلتها الآن تبدو ناضجة لتبينها والمصادقة عليها
راح العراق، وبعد ذلك كان لا بد من تدمير بلد عربي آخر مجاور لإسرائيل ونزع قوته وإنهاك جيشه وتدمير مقدراته وتهجير شعبه وإعادته كما العراق خمسين عاماً إلى الوراء وربما أكثر. لا نقول هنا إن الثورة السورية التي اندلعت عام 2011 كانت مؤامرة على سوريا، بل كان هناك وقتها ألف سبب وسبب يدفع السوريين للثورة على النظام الفاشي الذي كان يحرم الشعب من أبسط حقوقه الإنسانية. لكن ضباع العالم أجهضوا ثورة الشعب بعد أشهر قليلة على اندلاعها وحولوها إلى أكبر عملية تدمير وتهجير في القرن الحادي والعشرين. بدل أن يدعم ضباع العالم الثورة استغلوها لتحقيق مخططاتهم القديمة، فحولوا سوريا إلى ساحة حرب للقاصي والداني، مما أدى إلى تهجير نصف الشعب السوري، وتدمير البنية التحتية لسوريا، واستنزاف الجيش السوري الذي استخدموه بطريقة خبيثة وقذرة في عملية التدمير والتهجير، فخسر معظم قوته البشرية، واستنزف ترسانته العسكرية التي ساهمت إسرائيل في تدميرها وما زالت.
لا شك أن البعض سيتساءل: ومتى كان جيش الأسد يشكل خطراً على إسرائيل؟ ألم يكن مجرد كلب حراسة للحدود الإسرائيلية منذ حرب تشرين التحريكية؟ الجواب نعم. لم يكن هذا الجيش يشكل أي خطر على إسرائيل خلال تلك الفترة، لكنه كالجيش العراقي كان جيشاً كامل الأوصاف، وكان يمكن استغلاله بشكل فعال ووطني في ظل أي نظام وطني لاحقاً، ولهذا كان لا بد من تدميره واستنزافه بأيدي النظام ذاته. وهذا ما حصل، فلم يدمر هذا الجيش سوريا ويشرد شعبها فحسب، بل عمل أيضاً على تدمير نفسه بنفسه. وهل تريد إسرائيل أكثر من ذلك حتى لو كان خطر هذا الجيش عليها مؤجلاً لمائة عام قادمة؟
أما لبنان فقد تحول إلى مستعمرة إيرانية هدفها الأساسي حماية حدود إسرائيل. وقد كانت حرب 2006 بين إسرائيل وحزب الله مجرد بروفة لتثبيت حزب الله حامياً للحدود الإسرائيلية. وقد انتهى الدعم اللبناني الحزب اللاتي للفصائل الفلسطينية منذ 2006. أما الشعارات الإعلامية للحزب في دعم المقاومة الفلسطينية فهي للاستهلاك اللفظي لا أكثر ولا أقل، بدليل أن حسن نصر الله قال عام 2008 بعد أن اتهموه بدعم فصائل فلسطينية قصفت الحدود الإسرائيلية بصواريخ من لبنان، قال: «هذه اتهامات شيطانية، ولا علاقة لنا بهذا الحادث لا من قريب ولا من بعيد». بعبارة أخرى تبرأ نصر الله تماماً منذ ذلك الحين من أي محاولة لتهديد الحدود الإسرائيلية.
هذا على صعيد دول الطوق المجاورة لإسرائيل. أما الدول العربية الأخرى، وخاصة دول الخليج فقد أصبحت تتوسل التطبيع مع إسرائيل، لا بل إن بعضها صار يتباهى بالتقرب من تل أبيب، بحيث أعلنت إسرائيل قبل أيام أنه صار بإمكان أي إسرائيلي أن يزور السعودية بدون أي موافقات. وفيما يخص مصر فهي خارج المواجهة أصلاً بفعل معاهدة السلام مع إسرائيل. أما الدول العربية الأخرى فقد صار لديها قضايا أكثر خطورة من القضية الفلسطينية كالقضية السورية والعراقية واللبنانية والليبية واليمنية والسودانية والحبل على الجرار. لقد باتت القضية الفلسطينية بالنسبة للقضايا الأخرى مجرد لعب عيال. فقط قارنوا بين الجحيم السوري واليمني والليبي والعراقي بالوضع الفلسطيني، وستجدون أن العرب أصبحوا يترحمون على القضية الفلسطينية مقارنة بكوارثهم الجديدة. ولا ننسى أن روسيا ترعى الآن من وراء الكواليس اتفاق سلام بين النظام السوري وإسرائيل.
هل هناك وقت أفضل من هذا الوقت للإعلان الأمريكي والإسرائيلي عن صفقة القرن؟
كاتب واعلامي سوري
[email protected]
Sehr gut, ??
اين تكن الأمور والكوارث العربية التي حدثت في بلادنا العربية نتيجة أخطاء قد ارتكبتها نحن العرب في حق دولنا دعك من بلين وعباس ومخطتهم لكنك نسيت يا سيدي العزيز أن هناك شعب فلسطيني لا يمكن أن يتنازل عن حقه في الأرض فارضه ستبقى كما هي من البحر الي النهر ومهما ظغط علية الغرب والشرق مستحيل أن يتخلى عن حقه قد يتأخر الحل لكنه لا يضيع فما ضاع حق وراءه مطالب مع التحيه
اللوبي اليهودي انتقى خائنا يروض ويشق الصف ثم يعلن بعد إعلان الصفقه أن وطنا ليس للبيع.
*صفقة العار ولدت ميتة ولن تمر ولن ترى النور ولن يقبل بها فلسطيني واحد.
*الشعب (الفلسطيني) الصامد الابي
قادر على اسقاط الصفقة حتى لو
قبل بها بعض حكام العرب الساقطين المستبدين..
حسبنا الله ونعم الوكيل .
لا فائدة تُرجى من المفاوضات! لا سبيل لإرجاع فلسطين بغير السلاح!! ولا حول ولا قوة الا بالله
لولا السيسي ما تجرأ ترامب على الفلسطينيين! لتحرير فلسطين يجب أن تتحرر مصر!! ولا حول ولا قوة الا بالله
أخي الكروي هذا ماقاله عبد الناصر (ليس حرفياً لكن مايشبه ذلك) عندما كان يقاتل على حدود فلسطين (أعتقد) في عام ١٩٤٨.
صباح الخير دكتور و شكرا جزيلا على هذا الكوب الصباحي الجميل. بسيط واضح جيد.
كيف تم توريط صدام حسين بغزو الكويت ؟ ألم يكن جيش العراقي منتهيا من حرب دامت سنين مع ايران؟ ، فلماذا غزا الكويت ودمر جيشه بنفسه ؟ ألم يُطلب منه الخروج من الكويت قبل بداية حرب تحرير الكويت حفاظا على هيبة وقوة الجيش العراقي ؟ والله لما رأيت الكثير من أفراد الجيش العراقي وهم ( يسرقون ) الكثير من الممتلكات الكويتية وغير الكويتية ( خاصة قبل الخروج من الكويت ) ، وايضاً شاهدت المظاهرات في منطقة حولي ( المعروفة كويتيا بأنها تجمع العائلات الفلسطينية ) تأييدا لضم الكويت الى العراق
والذي كان يتظاهر أساسا عراقيون موالون النظام وكانوا ينزلون من حافلات عراقية ويحملون اعلاما فلسطينية ، حتى يثيرون الفتنة بين الفلسطينيين والكويتيين
والله لما رأيناهم لم نعجب بقدر كان جوابا للذين كانوا يحلمون بان الجيش العراقي وغيره من الجيوش العربية تفكر للحظة في خدمة القضية الفلسطينية .
نظام الشهيد صدام حسين كان يهدّد الصهاينة، وكان الشهيد القائد العربي الوحيد الصادق في مقاومة الصهاينة. في غير ذلك أتفق معك تماما
ان لا تقوم للشرق قائمة هي استراتيجية دائمة للغرب خاصة بعد انتصارهم الحاسم باسقاط الدولة العثمانية و تقسيم المنطقة الى كيانات هزيلة لا يستطيع ان تقوم بذاتها ثم زرعوا هذا الكيان الدخيل من الصهاينة كقاعدة متقدمة للغرب لا يمكن ان يستمر الا بحمايتهم. وهم يقظون دائما لاجهاض اي بادرة تقدم في الشرق و افسادها قبل ان تكتمل.. حتى لو كان البادرة غير اسلامية مستفيدين من درس نظام الشاه الذي ساعدوه و سلحوه الا ان امكانيته وقعت اخيرا بيد من يتناقض معهم. و هذا ما يتردد دائما في الغرب عند صفقات اسلحة من الانظمة الصديقة او العميلة لهم خوفا من وقوع هذه الاسلحة بيد الخصوم.
الشرق هو الاسلام بل هو الدين و الفكر الذي يتناقض مع الحضارة الغربية. و قد رأينا مثالا كيف حرص الغرب على ان لاتقوم للشيوعية قائمة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي بعد اقل من قرن من التناقض معها فما بالك بالحرص على ان لا تقوم للاسلام قائمة بعد سقوط الدولة الاسلامية بعد اربعة عشر قرنا من الصراع.
هذا يعني ان تدمير البلاد العربية لم يكن من اجل صفقة القرن انما هو جهد مستمر> و ان صفقة القرن ما هي الا دعاية انتخابية و لا تغير شيئا في الاستراتيجية الغربية التي تقودها امريكا. و الدليل هو هل رأينا غير ذلك من اي ادارة امريكية بعد 1948؟