هكذا بدت “خطة السلام” خيبة أمل مشتركة لإشعال الساحة الفلسطينية

حجم الخط
0

الأيام الأخيرة كانت مليئة بالنشاطات العسكرية في عدة ساحات: في القدس حدثت عملية دهس أصيب فيها 12 جندياً من غولاني؛ وثمة إطلاق نار في البلدة القديمة أدى إلى إصابة شرطي وقتل مطلق النار؛ وفي جنين قتل فلسطينيان أثناء تبادل لإطلاق النار؛ وغرب رام الله أصيب جندي إصابة طفيفة؛ وفي قطاع غزة هاجم سلاح الجو أنفاقاً لحماس بعد ليلة أخرى أطلقت فيها الصواريخ على بلدات غلاف غزة؛ وفي دمشق أبلغوا عن قصف إسرائيلي وجه كما يبدو لإرسالية سلاح ايرانية. الهجوم الذي نسب إلى إسرائيل في سوريا يبدو خطوة أخرى في الصراع المتواصل ضد تهريب السلاح وضد الوجود العسكري الايراني في المنطقة الشمالية. مع ذلك، يوجد في الساحة الفلسطينية خيط يربط بين كل الأحداث الأخيرة: مبادرة السلام الأمريكية التي تم الرد عليها بخط أكثر تصلباً من التنظيمات المتنافسة، وبصورة غير مباشرة تقلل احتمالية التوصل إلى تهدئة بعيدة المدى في القطاع.

في عملية الدهس في القدس ليلة الأربعاء – الخميس، نجح السائق بشكل نادر في الهرب من ساحة الحدث قبل اعتقاله. الجنود الذين أصيبوا كانوا أغراراً من مجندي دورة تشرين الثاني 2019 وشاركوا في دورية تعرف على التراث في منشأة المحطة التي تقع في غرب المدينة، وكانوا في طريقهم إلى احتفال أداء اليمين للجيش في حائط المبكى. في حادثة مشابهة في العام 1986 حدثت قرب حائط المبكى، قتل والد جندي عندما ألقيت قنبلة على القادمين لأداء اليمين من لواء جفعاتي. والآن سيكون على الجيش فحص لماذا لم يتمكن أحد قادة هؤلاء الجنود الأغرار المدربين من إطلاق النار على السائق.

في جنين أيضاً سيكون هناك ما يمكن فحصه، وعلى مستويات أعلى: خلال الأسبوع الماضي ظهر تسخين تدريجي في أرجاء الضفة في أعقاب عرض صفقة ترامب وتصريحات إسرائيل عن نية الضم. أول أمس، ألقيت زجاجات حارقة كثيرة على قوات الجيش الإسرائيلي التي عملت في بيرزيت قرب رام الله، وفي الخليل قتل شاب ابن 17 سنة. وحسب أقوال الجنود، هذا الشاب ألقى زجاجة حارقة. ومع ذلك، كان ملحاً على الجيش أن يهدم فجر أمس بيتاً لمخرب عضو في خلية قتلت الحاخام رزئيل شيفح. عملية هدم البيت (الذي هدم في السابق) لم تتوقف رغم أن مئات الفلسطينيين ظهروا في صور الطائرة بدون طيار وهم يستعدون للمواجهة قرب البيت، في الوقت الذي تحركت فيه القوات نحو المدينة.

البيت هدم، لكن تطورت في المكان أحداث إطلاق نار. في أحد هذه الأحداث، قال المتحدث بلسان الجيش بأنهم أصابوا قناصة في خلية أطلقت النار على قواتنا. في هذه الأحداث قتل فلسطينيان وشرطيان. هذه نتيجة نادرة، وبالتأكيد ستزيد من قتامة الجو مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية.

من الصعب تجاهل الخلفية السياسية للتمسك بتنفيذ عملية الهدم، خاصة في الوقت الذي ارتفعت فيه الحرارة في الضفة بصورة ثابتة في الأسبوع الماضي. وأعلن وزير الدفاع نفتالي بينيت، الشهر الماضي، عن تشديد سياسة هدم البيوت التي تتضمن بيوت المساعدين لخلايا الإرهاب. منظمات يمينية ومستوطنون يستخدمون الضغط على المستوى السياسي والجيش بصورة دائمة من أجل تسريع وتيرة هدم البيوت. التواصل الحالي قد يدل على بداية موجة عمليات تقليدية بعد نجاح إصابة جنود غولاني. يتوقع أن يزداد التوتر بعد صلاة الجمعة اليوم في الضفة الغربية ومنطقة الحرم. أمس قرر الجيش القيام بتعزيز القوات في الضفة على خلفية الأحداث.

فرصة حماس

مبادرة ترامب والأحداث في الضفة الغربية تؤثر أيضاً على ما يحدث في القطاع. منذ بضعة أسابيع وجهود التسوية في القطاع تراوح مكانها. بعد جولة القتال الأخيرة في تشرين الثاني، التي بدأت عند اغتيال قائد الجهاد الإسلامي بهاء أبو العطا، قدرت الاستخبارات الإسرائيلية بأن ثمة فرصة حقيقية للتوصل إلى تهدئة بعيدة المدى. اختارت حماس في حينه عدم المشاركة في المواجهات بين إسرائيل والجهاد الإسلامي في أعقاب عملية الاغتيال. وبعد ذلك أعلنت عن وقف مظاهرات أيام الجمع على حدود القطاع، على الأقل حتى نهاية آذار المقبل. واعتبر جهاز الاستخبارات ذلك خياراً استراتيجياً لحماس لتحسين ظروف الحياة في القطاع، حتى على حساب التخلي بشكل مؤقت عن راية النضال ضد إسرائيل (المقاومة).

في هذه الأثناء، حدثت ثلاثة أمور: الأول، أن التسهيلات الاقتصادية التي تقدمها إسرائيل للقطاع لم تتقدم بالوتيرة التي توقعتها حماس، أما مصر فغضبت على قيادة حماس بسبب تصميم إسماعيل هنية على زيارة إيران، ثم التهام ترامب للأوراق عندما طرح مبادرة السلام التي رافقتها تصريحات (لا أساس لها حالياً) حول نية إسرائيل ضم غور الأردن والمستوطنات التي في الضفة الغربية. الربط بين هذه التطورات هو الذي يقف من وراء التغيير البارز في سلوك حماس.

قبل بضعة أسابيع، بدأ الذراع العسكري في حماس بإطلاق البالونات المتفجرة نحو إسرائيل. وبالتدريج، فهم الجهاد الإسلامي بأن قواعد اللعب قد تغيرت، فزاد إطلاق القذائف والصواريخ. جزء من الإطلاق نسب لأصدقاء أبو العطا، الذين شعروا بأنهم لم ينتقموا لموته بشكل كاف. والذين أطلقوا الصواريخ كانوا نشطاء في تنظيمات أصغر، تسميها إسرائيل بـ”المارقة”. وخلافاً لفترات متوترة سابقة في السنة الماضية، لا يتطوع الجيش الإسرائيلي لتقديم تفسيرات متسامحة على أفعال حماس. فهذه سياسة تملى من الأعلى، من رئيس المنظمة في القطاع يحيى السنوار.

حماس خائبة الأمل لأنها -حسب رأيها- ضحت بورقتها الأساسية وهي المظاهرات، التي وباستخدامها المستمر أجبرت إسرائيل على الموافقة على التسهيلات، لكن المقابل لم يكن كافياً. من هنا، قرار السنوار إطلاق العنان لاستئناف أعمال العنف ما زال في حجم محدود. وفي هذه الأثناء ازدادت الأزمة الداخلية في القطاع بسبب الخلافات مع مصر أيضاً. عقدت القاهرة دورة تعليمية لإسماعيل هنية، الذي لم يرجع حتى الآن إلى القطاع بل ويفحص البقاء في دول الخليج لبضعة أشهر. وهي أيضاً تصعب على إدخال الغاز السائل، مصدر التدفئة الأساسي في غزة، ويضاف إلى ذلك صفقة القرن. الخط المتشدد الذي تبناه رئيس السلطة محمود عباس أثر أيضاً على منافسيه في الداخل. وإذا قادت السلطة النضال مرة أخرى فلا يمكن لحماس أن تبقى مكتوفة الأيدي، وذلك لسببين: الأول هو أنها لا تريد أن تظهر للجمهور الفلسطيني مثل المتصالحة مع إسرائيل مقابل التسهيلات، في الوقت الذي يتمسك فيه محمود عباس بالرفض. والثاني هو نشوء الفرصة أمام حماس. عباس تحدث هاتفياً بصورة استثنائية مع هنية، وهو مستعد للتحدث عن تنسيق النضال المشترك الذي يمكن في المستقبل أن يؤدي أيضاً إلى محادثات حول إجراء الانتخابات. هذه فرصة أمام حماس لعودة إلى الضفة الغربية من البوابة الخلفية. وفي الوقت نفسه، إغلاق الدائرة نهائياً على قناة المفاوضات السياسية مع إسرائيل، وهي القناة التي قادها ياسر عرفات و”م.ت.ف” منذ اتفاقات أوسلو في 1993 التي عارضتها حماس.

يحافظون على الصمت

ما زالت الخطوات التي تتبعها إسرائيل رداً على إطلاق الصواريخ والبالونات محدودة في حجمها. ومن الأفضل عدم الانفعال أكثر من اللازم من الهجمات العقابية للجيش الإسرائيلي، والتي تقسم إلى نوعين من الأهداف: الضرر الفوري بعد الأحداث، على الأغلب بواسطة الدبابات، لمواقع حماس القريبة من الجدار، ومهاجمة انتقائية لأهداف بنى تحتية (أنفاق ومخازن سلاح وما أشبه) التي لا يتوقع من إصابتها أن تؤدي إلى تدهور حقيقي. في الوقت نفسه، فرضت عقوبات اقتصادية محدودة: وقف إدخال الإسمنت إلى القطاع وإلغاء تصاريح الدخول إلى إسرائيل لـ500 شخص من رجال الأعمال والعمال، والخطوة المؤلمة أكثر هي التقليص الجزئي لمنطقة الصيد على شواطئ القطاع، من 15 إلى 10 أميال.

اعتبارات الحكومة واضحة. لقد بقيت ثلاثة أسابيع ونصف على موعد الانتخابات، وفي هذه الأثناء، طالما لا يوجد هناك مصابون كثر في الطرف الإسرائيلي، فإن عملية عسكرية في القطاع يكتنفها خطر أكبر من الفائدة المتوقعة منها. بلغة الاقتصاد، التفضيل الظاهر لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو معروف منذ سنوات، فهو حذر في كل ما يتعلق بالقطاع، ولا يسارع إلى التورط في حرب ليس لها هدف واضح بالنسبة له، بل لها ثمن كبير معروف مسبقاً.

المشكلة هي أن كل ذلك على الأغلب لا يتم قوله بشكل علني أمام الجمهور، وأقل من ذلك، لسكان بلدات غلاف غزة المكشوفين للتنكيل النفسي المتواصل، وعلى الأغلب يوجد تهديد على حياتهم. نتنياهو يقلل من تصريحاته مؤخراً عن الوضع في غزة. ووزير الدفاع نفتالي بينيت الذي وعد بتغيير السياسة تجاه القطاع عند تسلمه لمنصبه، كان منشغلاً هذا الأسبوع بزيارة عمل أولى، مهمة بحد ذاتها، في البنتاغون.

صمت الحكومة اعتبر تجاهلاً واضحاً لمشكلات المواطنين. وفي بداية الأسبوع، استغل رئيس الحكومة حساباته عبر الشبكات الاجتماعية لإرسال التهنئة للفائزة في مسابقة “النجم القادم لليروفيجين”، والتشاجر مع أعضاء “أزرق أبيض”، وإحياء الذكرى الـ23 على موت 73 جندياً إسرائيلياً في تحطم المروحيات، ونشر توجيهاته للمحققين في المعهد البيولوجي للمساعدة على إيجاد طعم لفيروس كورونا. وبشكل علني، كرس وقته للانشغال بغزة، مساء الأربعاء، في لقاء مع رؤساء المجالس المحلية في الجنوب. وحسب التقارير، تم استدعاء الممثلين المتماهين مع الليكود وليس رؤساء المجالس الإقليمية في غلاف غزة، التي معظم مصوتيها يميلون بشكل تقليدي إلى الوسط واليسار.

سياسة نتنياهو في القطاع بقيت على حالها: الاحتواء بكل ثمن، الذي يغطي على هذه السياسة بتصريحات قتالية، وصمت مدو أو خطوات جُرّب معظمها في السابق. وهذا الأمر لم يزعج لينون ميغال، من أتباع رئيس الحكومة البارزين في الإعلام، من مهاجمة المربيات في روضات الأطفال اللواتي لم يظهرن -حسب رأيه- الصمود الوطني الكافي، لأنهن ظهرن في الفيلم الذي نشر عبر الشبكات الاجتماعية وهن يصرخن على الأطفال في الروضات كي يغادروا الساحة بسرعة بسبب باقة بالونات ظهرت في السماء.

بقلم: عاموس هرئيل

هآرتس 7/1/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية