واحدة من أبرز سمات الدولة الحديثة، مقارنة بسابقتها التقليدية، أنها استولت، في حقبة التحديث، على حق التقنين، وجعلته حكراً خالصاً لها، وأداتها الرئيسية للسيطرة وإضفاء شرعية على نظام الحكم. القانون هو ركيزة الدولة الحديثة، هو سلوكها، وخطابها في الآن نفسه. تلجأ الدولة إلى القانون وتعمل على سيادته وتطبيقه؛ ولا يصح أو يجوز أن تتحدث الدولة عن ثأر ما، ولا يتصور أن تشجع عليه. إن فعلت، تتحول من دولة إلى مجرد عصابة. وهذا تماماً ما يهدد الدولة المصرية وجماعتها الوطنية اليوم.
ليس ثمة شك أن شبه جزيرة سيناء شهدت يوم الخميس، 29 كانون ثاني/يناير الماضي، عدداً من أكبر الهجمات على مراكز الجيش والأمن المصريين، التي أوقعت خسائر فادحة برجال الجيش والشرطة. أصبحت سيناء، كما هو معروف، ميداناً لنشاطات المجموعات الإرهابية منذ التسعينات من القرن الماضي، ولكن وتيرة هذه النشاطات تغيرت من وقت إلى آخر. ما لم يتغير، إلى حد كبير، كان سياسة أجهزة الدولة في التعامل مع هذه النشاطات، ومع أهالي شمالي سيناء، وأبناء القبائل البدوية منهم على وجه الخصوص. الحقيقة، أن سياسة الدولة اتسمت بقدر كبير من التخبط، مسفرة عن جهل الأجهزة العسكرية والأمنية الفادح بالمجتمع السيناوي، بقيمه وحاجاته ومشاكله. وانتهى هذا التخبط والجهل إلى وضع أجهزة الدولة في مواجهة متفاقمة مع الأهالي، وليس فقط مع الجماعات المسلحة. بدأت الأزمة بفقدان الثقة والعداء المتصاعد بين أبناء القبائل السيناوية وجهاز أمن الدولة (أو الأمن الوطني، كما أصبح يسمى)، ثم انتقلت حالة فقدان الثقة والعداء إلى الجيش، بعد أن أوكل نظام 3 تموز/يوليو ملف سيناء الأمني للقوات المسلحة. ولأن سيناء تخضع أصلاً لنظام عسكري، لم يعد ثمة جسر أو قناة اتصال لإعادة بناء العلاقة بين الدولة وشعبها. تصاعد الهجمات المسلحة على قوات الجيش والأمن ليس سوى نتيجة طبيعية لعقود طويلة من التدهور المتواصل في هذه العلاقة.
ولا يوحي رد فعل نظام الحكم، من الرئيس وكبار رجال الدولة، إلى الدوائر الإعلامية المؤيدة للنظام، على هجمات 29 يناير/ كانون ثاني، بأن شيئاً سيغير في هذه العلاقة المرضية. إن كان هناك من شيء يمكن استخلاصه من رد الفعل هذا فإن النظام لم يعد يبالي بدفع البلاد إلى الحرب الأهلية. تحدث رئيس الجمهورية، بوضوح يحسد عليه، في تعليقه على الأحداث، بلغة لا تخاطب بها الدول شعبها، مشيراً إلى أنه لن يكبل يد المصريين عن الثأر لضحايا الهجمات الإرهابية. وفي مثال على الخطاب الذي يستخدمه جيش الحكم الإعلامي في تعامله مع الهجمات، كتب أحد المعلقين المؤيدين للنظام داعياً إلى إحراق سيناء بأكملها وإلى أن لا تبقي الدولة فيها من كائن حي. والمدهش، بالرغم من أن الجهة التي تعهدت الهجمات الأخيرة، وكل ما سبقها منذ 3 يوليو/ تموز 2013، على الأقل، تعلن عن نفسها بصراحة، وأن عقيدة هذه الجهة وموقفها من الدولة المصرية وأجهزتها معلنة، تجاهل النظام، من رأسه إلى أدواته الإعلامية، جماعة أنصار بيت المقدس وحاول جاهداً أن يقيم صلة ما بين الصراع المحتدم في شمالي سيناء والانقسام السياسي الذي يثقل كاهل مصر منذ انقلاب 3 تموز/يوليو 2013. بكلمة أخرى، وبالرغم من الخسائر الفادحة التي تتعرض لها الدولة المصرية وجيشها وقواتها الأمنية وشعبها في شمالي سيناء، فإن أولوية النظام ليست مواجهة الإرهاب المسلح في شبه الجزيرة، بل المعارضة السياسية والشعبية، التي لم تتراجع قيد أنملة منذ أكثر من عام ونصف العام. بدلاً من محاولة التعرف على جذور الأزمة ومعالجة القصور العسكري والأمني الفادح، يعمل النظام وأنصاره على إشعال حرب أهلية في كافة أنحاء البلاد.
في دول مستقرة، تتمتع بشرعية راسخة، لا يتأثر نظام الحكم كثيراً بالأزمات السياسية أو الأمنية أو الاقتصادية؛ وعادة ما تتكفل الآلية الديمقراطية بالتغيير الضروري عندما تفقد حكومة ما الدعم الشعبي ويصبح من الصعب عليها الاستمرار. في الدول التي تعاني عجزاً في الشرعية، أو تفتقد الشرعية كلية، تعتبر الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية قوى تهديد بالغ الخطورة. أما إذا اجتمعت أزمات الركائز الثلاث معاً، يواجه النظام تحدياً وجودياً، قد ينسحب أيضاً على وجود الدولة واستقرارها في حال اختفت المسافة الضرورية الفاصلة بين نظام الحكم ومؤسسة الدولة. وما تعيشه مصر اليوم أقرب إلى حافة الهاوية الوجودية للدولة ونظام الحكم على السواء.
يشير حرص النظام على نقل أزمة ققدان السيطرة والعنف المسلح في سيناء إلى ساحة الانقسام السياسي الذي تعيشه البلاد إلى عمق التحدي السياسي الذي يواجهه النظام. ثمة حركة شعبية، تستند إلى قوى سياسية عميقة الجذور، لا تقتصر على الإخوان المسلمين وحسب، تقف بصلابة لا يمكن تجاهلها في مواجهة النظام وسياساته. وما إن اتضحت حقيقة الثمن الذي دفعته البلاد عندما وقعت التضحية بالمسار الديمقراطي القلق لصالح حكم عسكري سافر، حتى بدأ حلفاء 30 حزيران/يونيو 2013 بالانفضاض عن النظام. أغلب الجماعات والشخصيات التي أيدت التمرد على حكم الرئيس محمد مرسي، كراهية بالإخوان وتصفية لحسابات إيديولوجية، تصور، بقصر نظر بالغ، أن إطاحة الرئيس ستفضي إلى انتقال ديمقراطي جديد، يمنحها السلطة ومقاليد الحكم. ولكن إطاحة مرسي انتهت إلى إجهاض المسار الديمقراطي كله، وإخضاع البلاد لنظام من القمع ومصادرة الحريات والسيطرة بأدوات الخوف والعنف. ما قدم في البداية باعتباره شرعية جديدة، مهما كان مفهوم هذه الشرعية وحجمها، تستند إلى مظاهرات 30 حزيران/يونيو، تحول إلى تآكل حثيث في الشرعية.
ويواجه النظام أزمة اقتصادية طاحنة، ليس ثمة ما يدل على وجود خطة جادة لمعالجتها. خلال العام ونصف العام الماضيين، تصور قادة النظام أن رفع الدعم عن السلع الضرورية، تنشيط السياحة، عودة رجال الأعمال المؤيدين للنظام إلى الاستثمار والفعالية الاقتصادية، ودعم دول الخليج المالي، كفيلة بوضع مصر على طريق التعافي المالي – الاقتصادي. ولكن الواضح الآن أن حلم التعافي لم يزل بعيداً، وبعيداً جداً. هدف رفع الدعم محاولة احتواء التفاقم المتزايد في عجز الميزانية، ولكنه في حد ذاته غير كاف لصناعة انعطافة مالية واقتصادية. من جهة أخرى، ليس ثمة ما يشير، في ظل حالة فقدان الاستقرار والانقسام السياسي، أن طبقة رجال الأعمال الموالية على استعداد للمخاطرة بالعودة إلى السوق. وإلى جانب العجز عن النهوض بالسياحة، سيما بعد تفاقم الأزمة الروسية الاقتصادية وتراجع معدلات النمو في أوروبا الغربية، تتزايد الأدلة على أن الضخ المالي من دول الخليج في طريقه إلى التوقف، أو التراجع بصورة فادحة. خلال الأسابيع القليلة الماضية، وفي مؤشر واضح على حافة الهاوية المالية – الاقتصادية التي تقف عندها البلاد، توقف البنك المركزي كلية عن دعم قيمة الجنيه المصري، بعد أن هبط الاحتياطي النقدي الأجنبي إلى مستوى بالغ الخطورة، وترك الجنيه للتدهور التدريجي في مقابل الدولار، مهدداً بتفاقم أزمة التضخم التي تضرب اقتصاد البلاد منذ عقود.
الأمن هو ركيزة النظام الثالثة الكبرى؛ وهذا ما يجعل الأزمة في سيناء وردود فعل النظام مسألة بالغة الأهمية. ليس ثمة ما هو جديد في عدم قانونية مجمل السياسات المتبعة للتعامل مع أزمة سيناء، من الاعتداء على الأهالي، الاعتقالات العشوائية، وممارسات التعذيب، وتفجير المنازل، ومسح المدن عن الوجود. الجديد أن يستخدم النظام سيناء غطاء، ومسوغاً، للإصرار على سياسات القمع والاضطهاد والإلغاء التي يمارسها ضد قطاعات كبرى من الشعب ومن القوى السياسية منذ عام ونصف العام. لن تسقط الهجمات المسلحة نظاماً تسنده أجهزة الدولة العسكرية والأمنية، تماماً كما إن سياسات القمع والخوف والقتل لن تقضي على المعارضة السياسية، ولن تحل أزمة تآكل شرعية النظام. أما الحرب الأهلية، التي يستبطنها خطاب النظام التهديدي، فستضع نهاية للدولة المصرية كما نعرفها.
٭ كاتب وباحث عربي في التاريخ الحديث
د. بشير موسى نافع
عنوان وفحوى رائع يا د. بشير موسى نافع وأضيف:
في أيام الرئيس محمد مرسي حصلت مشكلتين في سيناء، في الأولى قام بتغيير القيادات وفي الثانية استطاع استرجاع المخطوفين دون دماء لا من أهل سيناء ولا من الأجهزة الأمنية والعسكرية، قارن ذلك بإنجازات المشير عبدالفتاح السيسي؟
هل هناك طريقة أكثر إهانة للجنسية المصرية كما حصل مع صحفيي قناة الجزيرة من قبل النظام؟ أن يتم اطلاق سراح الأول بحجة أنّه غير مصري، والطلب من الثاني الذي يحمل جنسية أخرى أن يُهين الجنسية المصرية، من خلال التوقيع على التنازل عنها، من أجل اطلاق سراحه، ثم الثالث يبقى في السجن بسبب أنّه يحمل الجنسية المصرية، فهل هؤلاء القضاة والأجهزة الأمنية لهم أي علاقة بالوطن والوطنية في تلك الحالة؟ عندما يتم اهانة العدالة والضحك عليها بالورق، أي قانون وأي هيبة أو سلطة هذه يا أيها الأغبياء، ملعون أبو هكذا عقول دنست أبسط بديهية من بديهيات الكرامة والإنسانية والعدالة، وملعون هكذا ثقافة وهكذا إعلام يطبل لمثل هكذا سلطة تعمل على إهانة كل ما هو مصري، ومن ثم عربي بل وحتى إسلامي، الله يخزي هكذا جيش وأجهزة أمنية وقضائية.
في مصر من أعلن الحرب من شارك في 30/6/2013 لضرب القانون والدستور ونتائج الانتخابات عرض الحائط بسجن الرئيس، متى سيفيق أهل العقل في مصر وإيقاف هذه المهزلة التي ستحرق الأخضر واليابس في مصر على لا شيء، كفى عند، فعلى مدى التاريخ لم يستطع جيش الانتصار على شعبه، فالجيوش من أجل محاربة غير الشعب، ومن لا يفقه ذلك غبي، ويجب سحب الصلاحيات منه، لتقليل الخسائر، والشرطة يجب أن تكون في خدمة الشعب، لا أن تكون هي من تقود البلطجيّة التي تعمل على كسر كبرياء المواطن وسلب حقوقه وأملاكه، على أهل العقل والحكمة في مصر، أن يقولوا لأمثال مصطفى بكري والحسيني وبقية أزرار جهاز الريموت كونترول لمدير مكتب السيسي كما أوضحتها التسريبات الإعلامية كفاكم مسخرة وتهريج، يجب أن يكون هناك قانون وإلاّ مصر تتوجه نحو الإفلاس والإنهيار
ما رأيكم دام فضلكم؟