سواء كانت تلك لعنة أم بركة، فإن نبوءة بلعام في التوراة عن “شعب يسكن بمفرده ولا يأخذ الغرباء بالاعتبار” قد تحققت بالكامل بكل ما يتعلق بدونالد ترامب. دول معدودة في العالم تفضل ترامب على بايدن، مثل الجمهور في إسرائيل، ومن بينها روسيا، والعراق واليمن. وحتى هذا بنسب لا تقترب من كاحل قدم الإسرائيليين. بين الدول الديمقراطية الغربية، تعد إسرائيل نادياً للمعجبين بدولة واحدة ومختلفة في رؤيتها ورغبتها عن كل الباقين، دون استثناء.
استطلاع للقناة 13 نشر هذا الأسبوع أظهر أن 68% من الجمهور في إسرائيل يعتقدون أن ترامب سيكون رئيساً أفضل لإسرائيل، و12% فضلوا بايدن. استطلاع سابق من معهد “متافيم” أظهر أن الجمهور الإسرائيلي -بخصم المترددين- يفضل ترامب على بايدن بفجوة ضخمة تبلغ 79% مقابل 30%. في أوساط اليهود فقط، كانت النتيجة 77% مقابل 23%. حتى عندما نشمل الولايات المتحدة نفسها، فإن إسرائيل هي الدولة الأكثر احمراراً في العالم، التي تبقي أوكلاهوما وأيداهو، وأركينسون، خلفها أيضاً.
في الدانمارك، جاءت النتيجة لصالح بايدن 80% – 6% حسب استطلاع حديث لمعهد yougov. وفي ألمانيا 71%-11%، وفي إسبانيا 65%-18%، وفي إيطاليا المعتدلة نسبياً 58%-20%، لصالح بايدن. وثمة استطلاع منفصل لمعهد “افسوس” أجري داخل 25 دولة، قد كشف عن بيانات مشابهة. الدولة الوحيدة التي وجدت لترامب داعمين أفضل من بايدن هي روسيا، وحتى النتيجة فيها جاءت 27%- 13%، وأجاب الباقون بأنه أمر غير مهم. وفي هنجاريا الاستبدادية والهند ذات القومية المتطرفة، وتركيا الأردوغانية يفضلون بايدن، إسرائيل وحدها تريد ترامب للأبد.
التفسير الدارج هو أن ترامب -خلافاً لسابقه المجرم أوباما- أغدق على إسرائيل هدايا وخيرات ولم يطلب شيئاً بالمقابل. لقد حافظ البيت الأبيض في عهده على حق الصمت ولم ينتقد إسرائيل، في حين أن ترامب أهان الفلسطينيين ودفعهم للهوامش “ليتعلموا كيف يتصرفون”، كما يحب الإسرائيليون. أحرق ترامب الجسور مع أوروبا، وابتعد عن المؤسسات الدولية ونشطاء حقوق الإنسان الذين يعتبرون لاساميين ما لم يثبت العكس، وتصاحب -ويا للدهشة- مع أصدقاء نتنياهو الجيدين، ومن بينهم فرسان الحرية والديمقراطية فلاديمير بوتين، وفيكتور أوربان، وجائير بولسونارو، ومحمد بن سلمان.
أغلبية العالم ترى في ترامب عنصرياً كاذباً، تاجراً، متهوراً، وبالأساس رئيساً خطيراً على الولايات المتحدة وعلى العالم. ومؤيدو ترامب المتحمسون جداً لا يستطيعون إنكار الاستقطاب الخطير الذي تسبب به في الولايات المتحدة، وبالكراهية والعنف التي تفشت طوال فترة ولايته، ولا أكاذيبه التي لا تتوقف، ولا الأضرار التي تسبب بها لسلطة القانون وللديمقراطية وللمكانة الولايات المتحدة الدولية، هذا دون الحديث عن مكافحته الفاشلة لكورونا التي تسببت بعشرات الآلاف من الوفيات الزائدة.
إما أن الإسرائيليين لم يسمعوا بهذا، أو أن هذا لا يهمهم، أو أنهم يعتقدون بأن الأمر يتعلق بـ “أنباء زائفة” من اختراع يساريين. إسرائيليون عديدون لا يعرفون شيئاً عن ترامب سوى أقوال الثناء والاستخذاء التي يغدقها عليه نتنياهو. وهنالك العديدون والعديدون جداً الذين يعجبون بترامب لسلوكه المقسّم والمستفز والفظ بدرجة لا تقل عن إعجابهم بالهدايا التي وزعها على إسرائيل. فعلياً، عندما نفحص قائمة الخطوات وبوادر حسن النية التي قدمها ترامب أثناء ولايته، نستنتج أنه كان أفضل بكثير لنتنياهو منه لإسرائيل. مع كل الاحترام لرفرفة أجنحة التاريخ ودقات أجراس المسيح التي تباهى بها نتنياهو، فإن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، كانا ولا يزالان إجراءات بيانية ورمزية لم تغيّر شيئاً في وضع أي مواطن إسرائيلي.
عواجيز ماباي وشيوخهم كانوا سيهزون رؤوسهم بسبب إدمان اليمين على الطقوس والرموز والكلمات على حساب دونم آخر، وماعز آخر، أو أي خطوة ملموسة قد تسهم بشيء ما لأمن إسرائيل.
كان بإمكان ترامب أن يهدد بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، ويحاول الحصول على تنازلات إيرانية تغلق الثغرات الكبيرة التي يدّعيها نتنياهو، ولكن هذا الثنائي الجميل لم يكن ليرضى بأقل من تدمير كل إرث أوباما. إن الانسحاب من الاتفاق، بالمقابل، رسم صورة للولايات المتحدة في عهد ترامب وكأنها لا تلتزم بالاتفاقات التي وقعت عليها، ودق إسفيناً ما بين الولايات المتحدة وحلفائها وحول إيران ضحية في نظر الرأي العام الغربي. بالميزان العام، من غير الواضح تماماً هل قل الخطر على إسرائيل أم زاد.
أقنع نتنياهو الرأي العام بأن إسرائيل قد أُنقذت من الدمار بفضل ترامب، واستغل الاتفاق النووي لتشويه وجه أوباما والديمقراطيين وشيطنتهم باعتبارهم كارهين لإسرائيل ويريدون لها الشر. في عالم مجنون، يمكن لبايدن أن يعتبر كمن به نقطة واحدة من اللا-إسرائيلية. في الـ47 عاماً من وجوده في مجلس الشيوخ، كان بايدن هو الطالب المتميز في كل ما يتعلق بدعم إسرائيل. وهكذا أيضاً قدّر في إسرائيل نفسها، بيد أن نتنياهو ومساعديه غيروا تعريف المناوأة لإسرائيل، بحيث تشمل من يحب إسرائيل كما يحب نفسه، ولكنه يعارض الضم والمستوطنات ويؤيد الاستقلال الفلسطيني. سرت هذه الرسالة في اليمين وتبنتها وسائل الإعلان وتحولت إلى حقيقة مقدسة لدى الجمهور. بايدن هو أقل خيراً لإسرائيل، هكذا حكموا. لماذا؟ لأنه ضد الاحتلال.
اتفاقات التطبيع مع البحرين والإمارات والسودان، التي أعلن عنها ترامب قبيل نهاية ولايته هي الإنجاز الوحيد الذي يحق له أن يتباهى به. بيد أن هذا الإنجاز غُلف بمناورات وأوهام. الاتفاقات هي صرف للأنظار وجائزة ترضية نظمها ترامب وصهره جاريد كوشنر لتمهيد الطريق لبيع طائرات “إف 35” للإمارات أولاً ثم لقطر والسعودية ودول أخرى. لم يجلب نتنياهو هذا للمناقشة لمعرفته بأن العديدين في القيادة الأمنية سيرون في موافقة إسرائيل على الصفقة خطوة خاطئة قد تعرض أمنها للخطر في المستقبل، ولكن نتنياهول يسير في وضع يستطيع فيه أن يقول لترامب “لا”، وهذا أيضاً لسبب ما اعتبر جيداً لإسرائيل.
لم يضعف ترامب فقط المناعة الداخلية للولايات المتحدة، أساس وجودنا، وزرع انقسام بينها وبين دول ديمقراطية أخرى، داعمتنا الأساسية، بل هو ذلك الذي دعم بإلهامه ورعايته تدهور الديموقراطية في إسرائيل، وساهم بالمس بسلطة القانون والتنكر المتزايد للأقليات، والكراهية الخبيثة للمعارضين والتحريض الخطير ضد الصحافيين. فالفلسطينيين ليسوا على سلم اهتماماته، وأما سلامة مواطني إسرائيل وحريتهم وأمنهم فلا تهمه إلا كقشرة ثوم. بسبب هذا، يستحق جائزة إسرائيل.
كان ترامب بدون شك جيداً لنتنياهو. لقد بنى صورته كسياسي-رفيع المستوى، وعزز مكانته في اليمين، بل هبّ غير مرة لمساعدته في الحملات الانتخابية الأخيرة، وساهم في استمرار بقائه في الحكم. ربما أنه كان رئيساً جيداً لليمين، وللمستوطنين والمسيحانيين من كلا جانبي المحيط. مساهمته الحقيقية في مناعة إسرائيل ووحدتها وصحتها النفسية وأمنها الوطني تقترب من الصفر. بفضله وبفضل قدرات نتنياهو على تشكيل الرأي العام كما يريد، ها هو الجمهور الإسرائيلي يحمل ترامب على أكتافه وتحول بهذا إلى استثنائي ومعزول، كما أراد اليهود دائماً.
بقلم: حيمي شاليف
هآرتس 4/11/2020
لا الفلسطينين ولا العرب ولا المسلمين ولا السود ولا الملونين ولاغير الملونين فى سلم اولاوياته ايلى فى سلم اولاوياته فقط اسرائيل اكثر رئيس موظفى ادارته يهود ..