ها أنا من جديد أكتب لكم من طائرة. يقال إن بعض الناس يولدون وفي أفواههم ملعقة من ذهب، أي أنهم يرثون ثروة طائلة. من طرفي أظن أنني ولدت وفي فمي بطاقة طائرة. ها أنا أرحل من جديد إلى أرض الوطن كأي مدمن لا شفاء له. أغادر باريس الكهرباء الدائمة ذاهبة إلى مدينة ما زالت تعاني من انقطاع الكهرباء منذ سنوات طويلة، وثمة من ينشغل بقص قطعة كبيرة من «جبنة الوطن» بدلاً من تقديم الخدمات للمواطن، ويحدث دائماً أن أصل إلى بيتي والكهرباء مغمى عليها، وتلك حكاية أخرى تطول.
أصابع أم متفجرات؟
قبل الصعود إلى الطائرة مررت بما يمر به كل مسافر، أي للتفتيش الدقيق، وقد حفظت مراسيمها لكثرة ما أرحل.. ولكن جديداً طرأ في هذه الرحلة، إذ تقدم مني رجل أمن وطلب مني أن أمد يدي فدهشت وأذعنت، ومرر آلة صغيرة فوق يدي على الجانبين. ولم أستطع إسكات فضولي فسألت رجل الأمن: ما هذه الآلة التي مررتها على بعد ثلاثة سنتيمترات من يدي؟ قال بلطف: هذه آلة ترن مدوية إذا كانت في أصابع أحدهم آثار مواد متفجرة كان (يركّب) قنبلة أو ما شابه.. واستمعت إليه ومضيت وأنا أشعر بالدهشة من الآلة الغبية! أم تلحظ أن أصابع كل كاتب عاشق للحرية هي أصابع ديناميت؟ وأصابعي قد تنفجر في أي لحظة حين أكتب مزدحمة بالغضب أمام أي قمع يهين إنسانيتي. ألم يتم اغتيال كامل مروة ورياض طه وسليم اللوزي وسواهم كثير بسبب (أصابعهم)، بل ألم يحرقوا أصابع سليم اللوزي وهو حي قبل إطلاق رصاصة على رأسه؟ في المقابل، تستحيل أصابعنا شموعاً حين نكتب عن الحبيب، ثم ترق وتذوب!
متسول سوري «كسر» قلبي!
وهناك أيضاً قبل الصعود إلى الطائرة وأنا في طريقي للدخول إلى القسم الخاص بالمسافرين، وكنت على وشك وداع صديقتي الفرنسية التي أوصلتني إلى المطار حين تقدم منا شاب وحدثنا بالفرنسية قائلاً: هل لديكما 70 يورو. أرجوكما أن تعطياني ذلك، فأنا في حاجة ماسة إلى هذا المبلغ!
ذهلنا. للمرة الأولى نلتقي متسولاً اختار مطار باريس (شارل ديغول ـ رواسي) للتسول. في البداية ظننتها (الكاميرا الخفية) فقد كان عادي الملبس على حافة الأناقة، وسألته بالفرنسية: هل تتكلم العربية؟ أجابني بالعربية: نعم. سألته من أين؟ قال: أنا سوري.
وانكسر قلبي. ما الذي قذف بهذا الشاب السوري إلى التسول في مطار باريس؟ ولو لم يكن موعد سفري قد حان ولا أريد أن تقلع الطائرة بدوني لاستفسرت منه عن حكايته ولكتبتها. هكذا أصابع ديناميت الكاتب، إنها تتصف بالفضول وتريد أن تعرف الحقيقة قبل أن تنفجر بالمتسول الكاذب أو بأعداء الصادق الذين شردوه.
مأساة على قدمين: المتسول الطفل
أول ما فعلته حين وصلت إلى بيروت مغازلة البحر من شرفتي. لكنه لم يسمعني ولم أسمع موجه، فقررت الذهاب إليه لأبوح بحبي ولأقول له إن نهر السين مقابل نافذتي في باريس تعويض بائس عن غيابه.
وهكذا قطعت الشارع من بيتي، حيث الكهرباء مغمى عليها، إلى رصيف البحر. وهنا اقترب مني طفل متسولاً، وشاهدت على بعد أمتار امرأة ورجلين يرقبون المشهد، ومن الواضح أنهم (الريموت كونترول) الذين يستغلون هذا الطفل المسكين. لم يفاجئني المشهد. ففي الطائرة حين وزعوا علينا الصحف اللبنانية شاهدت صورة ليلية لمتسولة/متسول صغير، أما الذين يستخدمونه فقد غطوا وجوههم في الصورة على نحو ما .
ويقول التعليق في جريدة «النهار»: «مشهد يتكرر في بيروت والمناطق. أولاد يتسولون في الليل كما في النهار تحت أنظار عصابات من ذويهم يراقبونهم من بعيد ثم ينقلونهم إلى منازلهم بعد منتصف الليل».
وها أنا أعايش المشهد، أنا التي هبطت لمغازلة البحر وجدتني أمام مأساة أليمة. مأساة شاسعة من فروعها مطاردة تجار المخدرات كما الأطفال، والصغيرات الفقيرات في الحانات، وغير ذلك من مآسي هذا الوطن الممنوع من الاستقرار، وحتى من تشكيل وزارة ولو من 32 وزيراً!
وزارة في فرنسا: ثلاثة أيام!
تشكيل وزارة في بلدان العالم الأول التي لا تعاني من «الميليشيات السياسية» يتم في ثلاثة أيام. ولو حدث هناك أن تم تشكيلها (مع التعطيل) طوال أشهر وجاءت من 32 وزيراً، كما في لبنان، لتساءل الشعب الفرنسي عن راتب الوزير وكم تكلف وزارة كهذه من مال الضرائب التي يدفعها المواطنون. فالمواطن هناك له قيمته وليس جزءاً من حجارة شطرنج اللاعبين بأرواح الناس وأرزاقهم. ولا يمكن المتاجرة هناك بالأطفال وتوظيفهم في حقل التسول، ولو حدث ذلك لسجن المسؤول ونقل الطفل إلى مكان خاص بالمشردين زاخر بالعلم، بعد عقاب أسرته إذا كانت متورطة في العصابة… وهكذا لم أتابع المشي على شاطئ البحر ولم أغازله، بل عدت إلى بيتي وقد غمرني الغم، ولم أستمع إلى صوت الموج في رحلته الأزلية بين الشاطئ وعرض البحر، بل رحلت مع أحزان وطن أحببته من زمان اسمه لبنان.
عدت والكهرباء مقطوعة في قلبي أيضاً، لا في المبنى الذي أقيم فيه فحسب. ولم أحاول إشعال شمعة؛ لأنني شعرت أن أصابعي الديناميتية بدأت تشتعل غضباً منذ ليلتي الأولى في بيروت!
حين أذهب للحج يعطيني الناس أموالاً أوزعها على فقراء الحرم, شاهدت الكثير من الأطفال (المقطعي) الأطراف! لكن قلبي لم يطمئن!! سألت الحارس عند باب الحرم عن الفقراء؟ فأجاب أن أعطي الصدقات لعمال النظافة من بنغلادش فهم أولى من الممثلين!!! ولا حول ولا قوة الا بالله
في بعض الدول العربية كنت أراقب حاويات الزبالة لأن بعض الفقراء يفتش فيها عن خبز يابس! وحين هممت بإعطاء أحد الفقراء رأيته يدخن سيجارة فغيرت رأيي!! كيف لا يملك ثمن الخبز ويشتري سجائر؟ ولا حول ولا قوة الا بالله
كنت أشتري دواء من صيدلية بإحدى الدول العربية حين رفض البائع بيع سيدة الدواء لأنها لا تمتلك نقود ولا هوية! إستحيت أن أقول للصيدلي أعطها على حسابي!! إتفقت مع الصيدلي بأن أعطيه زكاة أموالي ليعطي المرضى الفقراء الدواء والطعام بالمجان, ووافق على خصم 10% من قيمة الدواء!!! حين ذكرت ذلك لأصدقائي حملني بعضهم زكاة أموالهم وفعل البعض الآخر ما فعلت ببلادهم. ولا حول ولا قوة الا بالله
شيءجميل بالفعل أخي الكروي.
السيدة الجليلة غادة
مساء الخير
الحمد لله على السلامة
نبهني أحد المعلقين الكرام الى وجود التخاطر بيني وبين الجواهري في الشطر الثاني من البيت الاول وقد عدلته الى النحو التالي
شكرا لغادة قد نطقت جميلا
وأضأت بين المشرقين عقولا
في قدسناالعربي لحن قد شدا
لحن العروبة وارتضاك:هديلا!
وقد شكرت تنبيهه على النحو التالي
أ.محمد شهاب أحمد:
شهاب قد تلألأ من محمد°
فكيف وقد دعيت شهاب أحمد°!
يتبع لطفا
لا بحر في بيروت للذين لا بحر في نفوسهم
يوم نجد جميعاً بحرنا يعود اليكِ بحرك.
اما الشاب السوري في المطار ذكرني بتلك الياسمينة التي شاهدتها في مطار ستوكهولم مرمية على الأرض وقد داستها الأقدام وانفطر قلبك حزنا وتسألتي ترى أية ريح غادرة قذفت بها إلى بلاد الصقيع و التشرد بعد عز الدفء و الحنان؟ أية أصابع حملتها من دمشق أو بيروت و قذفت بها فوق أرض الغربة الموسخة؟
وانا اقرا شاهدت شخصيات عائدة إلى بيروت في جلسة تشبه تلك التي في رواية ( سهرة تنكرية للموتى ) وتضم اوجاع اللبنانين والسوريين وكل واحد منهم يحمل معه قصته وهمه
بيروت رغم كل الأحزان والتناقضات تبقى مدينة الحرية والحلم الأنثى الشقية الشهية
مدينة قادرة على الاحتضان.
السلام عليكم
تحية طيبة مباركة لك أستاذة غادة ولجميع قرّاء ومعلقي القدس وطاقمها الفاضل
“إنّ السفر يجلو عن القلب الهم”هكذا حدثونا عبر صفحات الحكمة من خلال نصوص الادب…وبالذات من خلال ما يسمى “أدب الرحلات”أو هكذا يسمى المهم ليس العبرة بالأسماء وإنّما بالمحتوى…كل مرة تنقل لنا سيدة الأدب رحلة إلاّ ونجد فيها ما يجعلك تتمتع وتستمتع بالسفرية حينا وحينا تعيش لحظات معها في كنف الغبن والغصة تفتك بك من جرّاء ما يحدث هنا أوهناك في البلاد العربية وحتى خارجها بأبطال عرب ولكن لم يقوموا بهذا العمل كأبطال وهميين أو ممثلين أدوار اللعبة أو من باب غرر الأخرين ولكن مدفوعين لهذا العمل(التسول مثلا) دفعا…أمّا قتل كل ممن ذكرتيهم كان السبب هو (السببة والإبهام والوسطى)و (بسبب غطرة الحاكم) وممّا زاد الجرم قبحا لمّا يقطع المتهم المفترض بالمنشار ومحو أثاره بصب عليه “حامض الأصيد”على أنغام موسيقا السامبا وفي مكان من المفروض يكون مأوي للحماية به “القنصليات”…ربما سيصدر مرسوما حكوميا من بعض الحكّام(..)أن تقطع (السببة والإبهام والوسطى)لكل إبن أبوه مشتبه به
ولله في خلقه شؤون
وسبحان الله
السلام عليكم
تحية طيبة للجميع
تصويب فبدل العبارة:(بسبب غطرة الحاكم) الصواب :(بسبب غطرسةالحاكم)
شكرا على التفهم وتعتذر من طاقم الجريدة على الإزعاج
ولله في خلقه شؤون
وسبحان الله
بإنتظار كتاب ( الصورة الثرثارة ) في معرض بيروت الدولي للكتاب وكنت اتمنى الحصول على نسخة موقعة حتى لو كان التوقيع على ورقة خارجية.. واذا لم يحدث ذلك فالتواصل الإنساني أهم من التواقيع
كل امنياتي لك بالتوفيق وعقبال المئة كتاب
صباح الخير سيدتي الايقونة
صباح الخير اصدقائي الكرام ..
سيدتي النبيلة سررت كثيرا حين علمت بزيارتك الى لبنان ( عاصمة الثقافة العربية ) ، ومهما كانت الاحزان فأن وجودك في بيروت له ميزة خاصة ، والعلاقة بين بيروت الانثى والايقونة المتمردة عمرها الف عام .
وهي التي دائما ما تردد ( دوماً أعود إلى الوطن لتعبئة بطارياتي الروحية والأبجدية ) .
كذلك الود بين غادة وبحر بيروت لاينقطع حتى وان لم تغازله في هذه الزيارة .. حتى وان كتم عنها صوت امواجه .. هنا تذكرت نص من كتاب لابحر في بيروت ص 134 :
( تخفت الانوار فجأة ، ينسكب شلال نور شاحب على وجه غانية محلولة الشعر ، تغني بلغة لاتعرفها انشودة مثقلة باللوعة والترقب ، كأنها شهقة ذعر في موكب يبحث عن البحر ويكتشف ان البحر قد مات ، قد جف ، وان الشراع الابيض اسطورة .. اني انا هذه المرأة الضالة الباحثة عن البحر القديم بينما رماح النور الشاحبة تدقها على شاشة العيون اللاهية ) .
– ماذا تحبين ان تري في بحر بيروت ؟ ما بالك ياشاردة
– أريد ان ارى البحر ..
سيدتي تريد ان ترى البحر في زمن لحظة حرية
تحياتي
نجم الدراجي . بغداد
واستمعت إليه ومضيت وأنا أشعر بالدهشة من الآلة الغبية! أم تلحظ أن أصابع كل كاتب عاشق للحرية هي أصابع ديناميت؟ وأصابعي قد تنفجر في أي لحظة حين أكتب مزدحمة بالغضب أمام أي قمع يهين إنسانيتي.
أتساءل هل المعني فهم هذ الكلام لو كان ينطق بالعربي حقا ؟ فما بالك أنه ينطق بالأجنبي ولا يفهم العربي ؟؟
لقد حدثني ممن عاش فترة الحصار الاقتصادي في العراق كيف اضطر الناس من الطبقة المتوسطة الى بيع مقتنياتهم الشخصية الواحدة بعد الاخرى وصلت الى حد بيع الأثاث والسجاد وحتى الكتب القيمة و الثمينة منها ، كله من اجل لقمة العيش والحفاظ على الكرامة وماء الوجه . أما الطبقة الفقيرة فقد اضطر اولادهم ان يتركوا الدراسة وأن ينزلوا الى الشارع للتسول ، وتم تزويج الفتيات الصغيرات بزيجات غير متجانسة من أجل التخلص من عبئ المصاريف . أما الآن فالوضع ليس بأفضل في أرض الرافدين الذي يطفوا على بحيرات من البترول ، فقد استجدت امور اخرى مع كل الحروب التي مروا بها اضافة الى الفساد المالي والأداري الذي هو حكاية اخرى !
أفانين كبة – كندا