هل اصابت لعنة سورية تركيا؟

حجم الخط
48

لا بد ان الرئيس السوري بشار الاسد والدائرة الضيقة المحيطة به هم اكثر الناس سعادة بانفجار المظاهرات واحداث العنف التي سادت العاصمة التركية انقرة وعدة مدن اخرى بينها اسطنبول وازمير وبدروم طوال الايام الثلاثة الماضية.
ما يسعد الرئيس السوري على وجه الخصوص هو اتهام السيد رجب طيب اردوغان رئيس الوزراء التركي جهات داخلية وخارجية بالوقوف خلف اعمال الشغب هذه، لانه، اي الرئيس السوري استخدم العبارة نفسها، والتوصيف نفسه لتبرير استخدام الحلول الامنية في مواجهة اضطرابات مماثلة استهدفت حكمه انطلاقا من مدينة درعا في بداية الازمة السورية.
المقارنة بين النظامين السوري ـ التركي في غير محلها على الاطلاق، فالنظام التركي نظام ديمقراطي برلماني، محكوم بفصل كامل بين السلطات الثلاث، ومدعوم بحريات تعبير واحترام حقوق الانسان، ومحم بقضاء مستقل، وهذه المواصفات جميعا غير متوفرة في النظام السوري في الوقت الراهن، وتشكل المطالب الاساسية للمعارضة المطالبة بالتغيير الديمقراطي.
التدخل الخارجي الذي تحدث عنه السيد اردوغان ومن قبله الرئيس الاسد غامض في البلد الاول وواضح في الثاني، فدول عديدة تقاتل حاليا على الارض السورية، بشكل مباشر او غير مباشر، ومن بينها قطعا وللمفارقة الحكومة التركية نفسها التي تدعم المعارضة السورية، وتسهل وصول الاسلحة والاموال الى مقاتليها في العمق السوري، وتفتح ابواب اسطنبول لاستضافة مؤتمراتها واجتماعاتها القيادية.
السيد اردوغان لا بد انه كان يضع النظام السوري نصب عينيه وهو يشير باصبع الاتهام الى اطراف خارجية تتدخل في بلاده وتصب الزيت على نار المظاهرات الاحتجاجية، وربما يكون مصيبا، جزئيا او كليا، في هذه الاتهامات، فقد اكد ان السيارات المفخخة التي انفجرت مؤخرا وادت الى سقوط العشرات، قتلى وجرحى، في مدينة الريحانية جنوب تركيا هي من فعل جماعات تحظى بدعم هذا النظام. وهي اتهامات نفتها دمشق رسميا.
صحيح ان الاحتجاجات بدأت في اسطنبول بسبب عزم السلطات التركية اقامة مجمع تجاري وبناء مسجد في وسط حديقة عامة قرب ميدان تقسيم نقطة الجذب الرئيسية للسياح الاجانب في المدينة التاريخية، ولكن حجم الاحتجاجات وعنفها، وامتدادها الى مدن اخرى يشير الى وجود حالة احتقان سياسي جاءت خطة بناء المجمع التجاري المفجر له.
الرئيس التركي عبدالله غل طالب المحتجين بالهدوء واحترام القانون واللجوء الى القنوات الشرعية، اي البرلمان والصحف والمحاكم للتعبير عن مطالبهم، ولكن هذا الصوت العاقل لم يجد الصدى المطلوب حتى هذه اللحظة رغم حدوث هدوء نسبي في بعض المدن.
المعارضة التركية التي يتزعمها حزب الشعب الجمهوري الخصم الاكبر للسيد اردوغان وحزب العدالة والتنمية الاسلامي الذي يتزعمه، بدأت تزداد مع ظهور نوايا السيد اردوغان لتعديل النظام الحاكم في انقرة من نظام برلماني دستوري الى نظام رئاسي يتمتع فيه رئيس الجمهورية بصلاحيات واسعة على غرار النظام الامريكي او الفرنسي بمعنى اصح. فالولاية الحالية هي الاخيرة بالنسبة الى السيد اردوغان كرئيس للوزراء، ولهذا يريد تعديل الدستور وبما يمهد له الطريق دستوريا لكي يصبح رئيسا لتركيا بعد بضع سنوات.
ما يقلق المعارضة ايضا، انه وبعد فوز حزب العدالة والتنمية بثلاث دورات انتخابية، والحصول على اغلبية في البرلمان اهلته لتقليص دور العسكر، وتقزيم دور المحكمة الدستورية وتعديل بعض بنودها التي تسمح بالانقلابات العسكرية تحت عنوان حماية الجمهورية، ومنع الاسلام المتشدد من الوصول الى الحكم، بدأ السيد اردوغان يطبق مبادئ الشريعة تدريجيا مثل اصدار قانون يحظر بيع الخمور في البارات، والقيام باجراءات لفرض بعض القيود على الحريات الاعلامية.
السيد اردوغان حقق انجازات كبرى لتركيا يحق له ان يتباهى بها، فقد جعلها القوة الاقتصادية رقم 17 في العالم، وسدد جميع ديونها الخارجية التي وصلت الى 34 مليار دولار عندما تولى حزبه الحكم، ورفع مستوى الدخل الفردي من ثلاثة آلاف الى 11 الف دولار، وحقق الاقتصاد التركي في عهده نسبة نمو تزيد عن سبعة في المئة سنويا، ولكن بعض جوانب سياسته الخارجية، وبالتحديد في الجوار السوري، خلقت ثغرات استغلتها المعارضة ودول خارجية ضده، فهناك روسيا، وهناك سورية، وهناك ايران، وهناك بعض الدول الاوروبية التي ما زالت تشعر بالغيرة من هذه الدولة المسلمة الصاعدة في الفناء الاوروبي.
حذرنا اكثر من مرة من ان الازمة السورية ستنزلق الى دول الجوار ان آجلا او عاجلا، فها هو لبنان على حافة الحرب الاهلية ان لم يكن في صلبها، وها هي تركيا الدولة الاكثر تحصينا تصلها ألسنة اللهب السوري بطريقة او باخرى، وها هي البحرين تعيش بعض التفجيرات التي اوقعت بسبعة من رجال الامن جرحى، ولا نعتقد ان دول الخليج الاخرى ستكون في مأمن. والشيء نفسه يمكن ان يقال عن الاردن، وربما ايران نفسها.
لعنة العراق حلت على امريكا، ولعنة افغانستان اودت بحياة بنازير بوتو واضعفت باكستان، فهل يمكن ان نقول ان لعنة سورية حلت على تركيا ايضا وستحل على دول اخرى في الطريق؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Hassan:

    الثورة العلمانية ضد “الإسلاميين” الأتراك الذين جنوا الكثير فكان حثو المال من الحرب على سوريا وما قبلها. طفح الكيل عند الإذن بالبناء على أنقاض ما بنى كمال أتاترك . الصهاينة قد لا تجد أخبر وأعلم منهم بتركيا وبشعبها وقد يكون من
    دهائهم ما دفع بأردوغان وجماعته والإيقاع بهم من خلال الأزمة تلك وذلك لتصدير
    جزء مما هو في سوريا من اقتتال حتى لا تتأذى الصهاينة بما يجري من أحداث هناك. وقد قعت تركيا في الفخ. ورغم ذلك فالعدو الصهيوني ليس بمنأى عما يجري
    في المنطقة.

  2. يقول علي حسين:

    لعنة سوريا سوف تحل على اردوغان لانه احد الاسباب الرئيسة في مواصلة سفك الدم السوري , كان كل يومين يخرج علينا السيد اردوغان بنصيحة للرئيس بشار الاسد بالاستقالة لان شعبه ثار عليه فهل يستجيب للنصيحة التي كان ينصحها للاسد ؟ ام ان كلامه فقط للغير ؟ دماء السوريين لن تذهب سدا ولعنة سوريا سوف تسقط كراسي كثيرة في المنطقة وخصوصا تلك التي تعتقد انها في امان وبعيدة جغرافيا عن سوريا .

  3. يقول عامر محمد:

    اولا :- يكفي اردوغان فخرا ان من تظاهر ضده لم يطالب بحرية لو تنمية ..فقد حققها لهم اردوغان وبجدارة .. الحزب الجمهوري من الطائفة العلوية وانجازات اردوغان السني واهتزاز عرش بشار العلوي اصبح يسبب كابوسا لهم ولم يجدوا الا حادثة نقل الاشجار ليتخذوها عذرا للاطاحة باردوغان .
    ثانيا :- اردوغان فعل الصواب بالوقوف الى جانب الحق السوري … عند الحرب العراقية الايرانية ..قامت ايران بنقل تفجيراتها وارهابها للخليج كرد على وقوفه مع صدام … ولكن للعلم ايران لاتصدر ارهابها الا عند قرب هزيمتها

  4. يقول ayham:

    اوردوغان اعتمد خطاب طائفي تحريضي ادى الى تعزيز الشرخ الاجتماعي
    في مجتمعه و الدول المجاورة و ساهم في قتل الالاف من السوريين عن طريق التدريب و التمويل و التسليح و تمرير الجهاديين التكفيريين من اجل
    نشر الديمقراطية و العدالة و طبعا مقالكم يشيد بفكره الديمقراطي و دعم سوريا بالجهاديين القاعديين و السلاح و حربه ضد سوريا خسرت و بدأت نتائج الهزيمة تنعكس عليه و على سياسة الاخوانية المنافقة و طبعا عندما نريد تعميه الشيء الواضح ننسبه للحظ و للاقدار و للعنات و لا يوجد شيء اسمه لعنة سوريا بل يوجد من يزرع الحقدو الفتنة لن يحصد سوى تقسيم

  5. يقول مليك الجزائري:

    نحن كذلك سعداء لما يحدث لأردوغان

  6. يقول Nermin.Algeria:

    تحليل منطقي و كلام رائع صحيـــــــــــــخ لعنة سوريا تحل على تركيا و الواضح ان سياسة حكومة ارذوغان الخارجية و خصوصا حول سوريا لم تكن حكيمة و لهذا يمكن القول ان السحر انقلب على الساحر

  7. يقول محمد بن باسو:

    عن أي لعنة تتحدثون. بعيدا عن الطائفية نقول المسألة في سوريا عليها ان تكون بين نقطتين لا ثالث لها: نظام قتال وفاجر من جهة ، وشعب انتفض سلميا أكثر من سنة يريد حرية و كرامة وديمقراطية من جهة ثانية. انا شخصيا مع الشعب لينال كرامته و أردوغان ايضا، فاي لعنة ستصيب من يناصر الحق. أما مسألة ذريعة المقاومة والممانعة فهذه مسرحية مضحكة، يا إخوان لو سقط بشار منذ الشهر الاول و اجريت انتخابات فلن يصعد سوى الاسلاميين، و الاسلاميين مع خط الممانعة، لكن المسألة لديهم مسألة استغلال لهذا الشعار داخليا من أجل الكرسي، واستغلاله من طرف ايران روسيا من اجل ضمان قرار سيادة سورييا.

  8. يقول جهاد صالح من فلسطين:

    ان اول سؤال يتبادر إلى ذهني عند الحكم على أي نظام سياسي هو كيف وصل هذا النظام إلى الحكم ؟ هل جاء بإرادة الشعب وعبر انتخابات نزيهة؟ إذا كانت الإجابة بنعم ، عندها انظر إلى الذي حققه هذا النظام من رخاء اجتماعي واقتصادي ، عدالة اجتماعية او حتى ممانعة ومقاومة ، فأين النظام السوري من كل هذا ؟
    ان ميزة النظم الديمقراطية هي الإصلاح والتغيير والتجديد عبر الممارسة الديمقراطية أما في النظم ذات الحزب والواحد كما في سوريا فلا إصلاح ولا تجديد ، بل مزيد من القمع والاستبداد.
    لا مجال للمقارنة بين النظامين التركي و السوري سواء في المنهج او الممارسة اوالنتائج، لقد جاءت نصيحة السلطات السورية لمواطنيها بعدم السفر الى تركيا خلال الفترة الحالية حفاظا على سلامتهم وأمنهم وذلك بسبب تردي الأوضاع الأمنية في بعض المدن التركية .. والعنف الذي مارسته حكومة اردوغان بحق المتظاهرين السلميين كأجمل لقطة كوميدية ، كوميديا سوداء ولكن هذا تفتق عليه ذهن حكماء النظام السوري ، حقاً شر البلية ما يضحك

  9. يقول Z Hasssan Jafer:

    ويا سيدي ان هذا النمو الاقتصادي الذي تتحدث عنه قد تم براسمال يهودي وشركات اسرائيلية تنتج وتصدر للبلدان العربية لالتفاف حول ما يسمى المقاطعة العربية واذا اردت الامثلة فما عليك الا ان تبحث عن اي منتوج تركي لترى اصله

  10. يقول محمد سعيد:

    عندما تورط اردوغان بالازمه السوريه كتبت تعليقا على صفحات القدس العربي
    تنبأت فيه بأنه سيكون هو الآخر مستهدفا من الغرب وبشكل خاص من الولايات المتحده.طموحات اردوغان في الهيمنه على المنطقه العربيه تحت شعار الاسلام
    والتي غذتها انجازاته الاقتصاديه لابد انها سببت قلقا عميقا للغرب كونها تجعل
    من تركيا منافسا قويا لهذا الغرب في الهيمنه على ثروات المنطقه خاصة انه
    نصب نفسه مدافعا عن القضيه الفلسطينيه ومنتقدا لاسرائيل من أجل استمالة
    الجماهير العربيه التي تعتبر القضيه الفلسطينيه محور اهتمامها. بدأ اردوغان
    مشروعه في المنطقه بداية طيبه من خلال توقيع اتفاقيات تعاون اقتصادي
    مع ايران والعراق وسوريا الى ان وقعت الاضطرابات في سوريا فناصب النظام السوري العداء ودعم معارضيه ظنا منه ان هذا النظام سيسقط خلال بضعة أشهر ومن ثم سيكون له النصيب الاوفر من الكعكه السوريه منطلق دولة الخلافه
    المرتقبه.سجل اردوغان نجاحا اقتصاديا بارزا ولكنه بالمقابل فشل سياسيا وهاهي
    الاداره الامريكيه تنتقد الاستخدام المفرط للفوه في مواجهة المتظاهرين-كما
    فعلت مع حليفها السابق “مبارك” فهل تشهد تركيا قريبا انقلابا عسكريا بحجة حماية العلمانيه ام تدخلاعسكريا لحماية المتظاهرين السلميين كما حصل في مصر لحين
    سقوط اردوغان كما حصل في مصر؟

1 2 3 5

إشترك في قائمتنا البريدية