هل اقتربت ساعة المواجهة بين الكاظمي والميليشيات الشيعية؟

مصطفى العبيدي
حجم الخط
0

الأجهزة الحكومية، لديها معلومات عن الجهات التي تقف وراء إطلاق الصواريخ على المعسكرات والسفارات والمطارات، وقدرات لمواجهة الميليشيات إلا أن ما ينقصها هو القرار السياسي.

 

بغداد-“القدس العربي”: فيما يتواصل انهمار صواريخ الكاتيوشا على المنطقة الخضراء في العاصمة العراقية والمطار والمعسكرات الحكومية التي تضم جنودا أمريكان، تلوح في الأفق القريب مؤشرات صدام كان مؤجلا منذ سنوات، بين حكومة بغداد وميليشيات منفلتة موالية لإيران، تصر على إفشال خطط رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي لإجراء الحوار العراقي الأمريكي، كأحد الحلول الحتمية لتحسين الأوضاع الاقتصادية المنهارة في البلد.

ولم تفلح الاجتماعات الموسعة التي أجراها رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي مع قيادات فصائل الحشد الشعبي، في إقناعها لمنح الحكومة فرصة الاتفاق بين العراق والولايات المتحدة حول وجود القوات الأمريكية الآن ومستقبلا، حيث تكررت في الأيام الأخيرة سلسلة هجمات بصواريخ الكاتيوشا على السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء ومطار بغداد وعلى القواعد العسكرية العراقية التي يتواجد فيها جنود أمريكان، في تحد خطير للحكومة وإحراج لها في وقت تسعى فيه لكسب ثقة الشارع والمجتمع الدولي.

وردا على الهجمات الصاروخية، ترأس الكاظمي اجتماعا طارئا لمجلس الأمن الوطني، واتخذ سلسلة إجراءات لضبط الملف الأمني والحد من القصف المتكرر لمؤسسات أمنية ودبلوماسية أجنبية في العراق، ووجه المجلس بـ”قيام الأجهزة الأمنية بتكثيف جهدها الاستخباري، واتخاذ الإجراءات اللازمة لمحاسبة وملاحقة مرتكبي هذه الأعمال”. وقد أكد المتحدث باسم القائد العام العميد يحيى رسول، أن الكاظمي بدأ بإجراء سلسلة إصلاحات في المنظومة الأمنية، فيما صرح الناطق باسم وزارة الداخلية اللواء خالد المحنا، بأن “الحكومة عازمة على إنهاء ملف قصف المؤسسات الحكومية وكشف الجهات التي تقف وراءه” مشيرا إلى إلقاء القبض على بعض المتهمين بهذا الشأن.

وليس سرا بالنسبة للعراقيين، أن الفصائل الشيعية التي تتعمد قصف المواقع الحكومية والأمريكية في العراق بين آونة وأخرى، معروفة للحكومة، ولكنها لا تستطيع أن تردعها، لأنها تتمتع بدعم قوى سياسية شيعية نافذة في السلطة، ولأنها تشكل ذراع إيران الضارب في العراق. ورغم أن الفصائل الشيعية تنكر صلتها بالهجمات الصاروخية، إلا أن مواقفها تثبت العكس، حيث أنها لم تعلن ادانتها لتلك الهجمات ولو مرة واحدة، بل أن الفصائل والأحزاب الشيعية تقدم دائما، المبررات لتلك الهجمات بانها تدخل في إطار “المقاومة المشروعة للوجود الأمريكي في العراق” مع اغفال أن وجود تلك القوات جاء بطلب من حكومات بغداد بعد 2014 وفق اتفاقية صادق عليها مجلس النواب.

وبهذا السياق، جددت كتائب “حزب الله” العراقي، تهديدها باستهداف القوات الأمريكية داخل الأراضي العراقية إذا لم تنسحب من البلاد. وقالت في بيان إن “العراقيين كانوا ينتظرون من المعنيين تنفيذ قرار إجلاء القوات خلال مدة محددة، ولم يتوقعوا الرضوخ لرغبات الإدارة الأمريكية بإجراء الحوار وفق توقيتات وآليات وشروط وُضعت وفُرضت تحت وقع التهديد، وما قبولها إلا إصرار على الاستمرار في هتك السيادة العراقية والخنوع لإرادة العدو” حسب تعبيرها. وكانت كتائب حزب الله وجهت اتهامات للكاظمي، بالتورط في اغتيال قاسم سليماني بالتعاون مع الأمريكان. وبدوره، برر النائب الشيعي أحمد الأسدي، القصف بالكاتيوشا، بأن القائمين به لديهم وجهة نظر بمحاربة الاحتلال الأمريكي، داعيا للاستماع إليهم، ومدعيا أن منظمات مجهولة تحمل اسماء مثل “ثوار العشرين، عصبة الثائرين، وسرايا المهندس” هي التي تنفذ الهجمات. فيما يرى المراقبون أن هذه الجماعات تحمل أسماء وهمية للتمويه على الفصائل المعروفة المرتبطة بها. كما عمدت القوى الشيعية إلى خلق العديد من الأزمات لحكومة الكاظمي في هذه المرحلة، ضمن ضغوطها لإفشالها وإجبارها على التعامل مع الواقع العراقي من دون محاولة تغييره أو إجراء إصلاحات جذرية، تمس مصالح أحزاب السلطة وميليشياتها ومافيات الفساد.

وقد شن الكاظمي في مؤتمره الصحافي الأخير، هجوما عنيفا على الحكومات التي سبقته، واصفا اياها بانها “السبب الحقيقي وراء الهزيمة والخراب الذي شهده العراق” متهما “أطرافا سياسية بخداع الشعب العراقي بهدف إسقاط حكومته التي لم يمض على تشكيلها سوى أيام” كاشفا عن تعرضه للتهديد بالاغتيال.

ويتفق المحللون والمراقبون للوضع العراقي على أن الأجهزة الأمنية الحكومية، لديها معلومات كاملة عن الجهات التي تقف وراء إطلاق الصواريخ على المعسكرات والسفارات والمطارات، وأن الحكومة لديها قدرات عسكرية واستخباراتية لمواجهة الميليشيات المتمردة وملاحقتها، والانتصار عليها بسهولة، إلا أن ما ينقصها هو القرار السياسي للمواجهة، وذلك لوجود جهات سياسية متنفذة في الحكومة تعمل بشكل واضح للتغطية على هذه الجماعات خدمة لأجندات داخلية وخارجية.

ويرى المطلعون أن الكاظمي يحاول تجنب الدخول في نزاع مع الفصائل عبر محاولة التفاهم معها للتوقف عن القصف المتكرر، إلا أن هذه السياسة أثبتت فشلها، جراء عدم احترام تلك الفصائل للحكومة العراقية وتجاهل التزاماتها بحماية المنشآت الرسمية والقوات الأجنبية في المعسكرات العراقية، بل أن المليشيات صعدت من وتيرة تحديها لسلطة الحكومة، لاظهارها بمظهر الضعيف وعرقلة إصلاحاتها وإفشال حوارها مع واشنطن، لإجبار الأخيرة على سحب قواتها بما يعزز النفوذ الإيراني، حتى وان أدى ذلك إلى أضرار اقتصادية وأمنية وفرض عقوبات أمريكية على العراق. وازاء هذا الواقع فان الكاظمي، وبتشجيع أمريكي، مجبر في النهاية على اتخاذ قرار المواجهة مع الميليشيات لاستعادة سلطة الدولة والقانون وللحفاظ على سمعة حكومته شعبيا ودوليا، ولذا فالتوقعات ان يعمد الكاظمي قريبا إلى الإعلان عن بعض الجهات المتورطة بعمليات القصف وإلقاء القبض على عناصرها لإظهار جديته في التعامل مع هذا الملف الحساس، الذي في حالة فتحه سيكون القرار الأخطر لحكومته وسيعزز مكانته شعبيا ودوليا.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية