هل الكسكس جزائري أم مغربي؟

حجم الخط
57

قبل سنتين احتدم نقاش أقيمت الدنيا حوله وأُقعِدت، بشأن قضية مصيرية تتعلق بأصل الكسكس، هل هو جزائري أم مغربي؟! ودفع مسؤول جزائري سابق أنه تم الالتفاف على حقوق الجزائر التاريخية غير القابلة للتنازل أو التقادم عن الكسكس، وينبغي الدفاع عن هذا الحق بالغالي والنفيس، ضد من استحوذوا على الكسكس واستأثروا به.
وقبل شهور حذّر لفيف من جمعيات مغربية من تطاول الجزائر على شعر الملحون، وطالبت السلطات الرسمية اتخاذ جميع التدابير اللازمة من أجل حد لهذا العدوان الخطير. وتجري معركة دبلوماسية حامية الوطيس عن «جنسية» الطريقة التيجانية الصوفية، هل هي جزائرية، لأن صاحبها من مواليد عين ماضي، بالجزائر، أم مغربية لأنه دفين فاس؟ ولو سئل الكسكس أو شعر الملحون عن «جنسيتهما» لقالا بلا حرج ولا عقدة، إنهما نتاج الإنسان ذاته في تفاعله مع الواقع، أبدع الثقافة ذاتها، ولم تكن حواجز تحدها. ويمكن للمرء أن يسمع في مقاهي الجزائر شعر سيدي قدور العلمي، دفين مكناس، من أغاني العنقا، ويسمع في دار المخزن، أشعار سيدي بومدين الغوث دفين تلمسان، وهي تُردَّد في المناسبات الدينية «تحيى بكم كل أرض تنزلون بها».. ولو بُعث سيدي أحمد التيجاني من مرقده، لقال إن الطريق إلى الله ليس مما ينبغي أن يتوزع حوله من يريدون وجهه.
الكسكس جزائري بقدر ما هو مغربي، وشعر الملحون مغربي بقدر ما هو جزائري، وقس على ذلك كثيرا من أوجه الحياة، لسبب بسيط، هو أن المغاربة والجزائريين شعب واحد في دولتين. وقد تجد من أوجه التشابه لشخص من تلمسان مع آخر من فاس، ما لا تجده مع مواطن له من سوق أهراس، ولشخص من فكيك في المغرب مع آخر من بوسمغون في الجزائر، ما ليس له مع آخر من أسفي في ضفاف الأطلسي.. يعرف العلماء، أي من لهم رؤية موضوعية للظواهر والأشياء، العناصر اللاحمة بين الشعبين، وتحملها الطبقات الشعبية في وجدانها بشكل عفوي وطبيعي، لكن هذه الحقائق الدامغة تتوارى بسبب جفاء اقتطع حياة جيل، وهو في طور أن يُكمل جيلين. جيلان من البلدين لا يعرفان بعضهما بعضا، وينظران إلى الآخر من خلال الأدوات الأيديولوجية، الموظفة هنا وهناك، إذ أضحى استعداء الآخر مسوغ وجود «الأنا». من الأمور الطريفة التي لا بأس أن نُذكّر بها أن أول وزير للقصور الملكية في مغرب الاستقلال هو محمد العمري المعروف بالفقيه المعمري، وهو من مواليد تاوريت نايت ميمون في منطقة القبائل في الجزائر، وكان مديرَ الكتابة الخاصة للسلطان سيدي محمد بن يوسف، إبان الحماية الفرنسية. ومن المثير مما أراني إياه من كان حاجبا في البلاط المرحوم إبراهيم فرج، نقش قبة العرش في الرباط، وهي القاعة التي تمثل أبهة السلطة، وفيها تتم التعيينات والخطب الرسمية، تحمل نقشا تلمسانيا، وأن المعمري هو من أتى بالمْعلمين من تلمسان.. وأول مدير للشؤون المخزنية من قعّد طقوس المخزن هو قدور بن غبريط، من تلمسان، وهو من رسم العلم المغربي وأشّر عليه المقيم العام ليوطي. ويمكن أن نقول الشيء ذاته عن الجزائريين، من هم من أصول مغربية وتبوأوا مناصب سامية، منهم أول رئيس للجزائر المستقلة، أحمد بن بيلا وتعود أصوله من سيدي رحال قرب مراكش، وتعود أصول المجاهد العربي بلمهيدي إلى منطقة سوس في المغرب… وممن هم من أصول جزائرية وتولوا قيادات حزبية في المغرب، علي يعتة زعيم الحزب الشيوعي المغربي، وتعود أصوله إلى منطقة القبائل أو زواوة، كما كانت تعرف قديما، وتعود أصول الزعيم الإسلامي الدكتور الخطيب إلى معسكر، وأحمد عصمان من تلمسان وكانت أسرته كرغلية أي من الأتراك، ممن صاهروا أهل البلد، ومؤرخ المملكة السابق عبد الوهاب بن منصور، ممن كان حافظا لذاكرتها، وهو من عين الحوت قرب تلمسان.

هناك حرب مشروعة وينبغي أن نخوضها معا ضد العدو المشترك، وهو التخلف، والفقر، والفوارق الطبقية والوضع الكارثي للصحة والتعليم

قد يُفهم الجفاء السياسي غداة الاستقلال لما يسميه المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورة بوطنية الدولة، ولكن أي مسوغ لهذا الجفاء الذي يأخذ شكلا صبيانيا حول أصل الكسكس، والحريرة والملحون وحلوى البريوات أو سامسا، كما تسمى في الجزائر (وقد حضرت لنقاش حول «جنسية» الحريرة في عشاء دبلوماسي كاد أن يتحول إلى مواجهة بين سفير الجزائر في الرباط، وسفيرة مغربية متجولة) في الوقت الذي ينحو فيه العالم نحو الوحدات الاقتصادية الكبرى، ويعرف في الوقت ذاته توجهات تتحلل عن المركز باسم خطابات الهوية وتتهددها في كيانها.
في الفرنسية مثل يقول، إنه حين تُبدّل الأفعى جلدها تصاب بالعمى.. فعسى أن يكون هذا العمى الذي ازدادت حدته، إن كان للعمى أن تزداد حدته، مؤشرا على تحول جلد المنظومة السياسية في البلدين. مرة قال لي مسؤول في المخابرات المغربية، وكنت حينها في دواليب المخزن، لا تتعب نفسك في المراهنة على دور المثقفين، فليس هنا وهناك مجتمع مدني ولا مثقفون لهم استقلالية، وليس هناك إلا نحن ـ الأجهزة – ونعرف بعضنا بعضا. أصِبت بالإحباط لأن واقع الحال كان يزكي طرح المسؤول الأمني المغربي، إذ لا صوت هنا وهناك يعلو على «الحقائق الجاهزة». لكنني تبينت في ما بعد دينامية الشعبين، التي تأبى التنميط وتُبقي على جذوة الذاكرة المشتركة رغم الطمس والتضليل، وتحافظ على شعلة الأمل المنشود في الوحدة. لم أفقد الأمل في تبصر القوى الحية في البلدين ممن يُذكّرون بالمشترك. والتاريخ ينبئنا أن الذين بصموه ليسوا ممن يسايرون الاتجاه العام، ولكن الذين وقفوا ضده ولو كلفهم ذلك غاليا.
في أوج الأزمة ما بين البلدين، قال المرحوم هواري بومدين، ينبغي أن لا نشتم المستقبل، وقال المرحوم الحسن الثاني بأن الصدام بين البلدين هو وصفة لحروب مئة سنة. هناك حرب مشروعة وينبغي أن نخوضها معا ضد العدو المشترك، وهو التخلف، والفقر، والفوارق الطبقية والوضع الكارثي للصحة والتعليم، حتى لا يُضطر أبناؤنا لركوب البحر ويصبحوا طعاما للحوت، أو يقفوا الساعات الطوال من أجل الفيزا، أو يُهانوا في بلاد المهجر ويُهزأ بقيمهم، وألا يجدوا في ما يصرفون فيه وقتهم سوى أن «يشدوا الحيط» في هذا التعبير المشترك بين البلدين الذي يعبر عن حقيقة مشتركة.
من أطرف ما قرأت وأنا أحبّر هذا المقال ما أقدم عليه فتى في ثمانينيات القرن الماضي من مدينة جرادة الحدودية في تثبيت الكسكاس (وهو الإناء الذي يُحضر فيه الكسكس) في الهوائية كي يلتقط التلفزيون الجزائري. نحن في حاجة إلى «الكسكاس» الذي من شأنه ربط البث بين الشعبين، أكثر من أن نذهب كل مذهب حول جنسية الكسكس، مما يبقينا في ما نحن فيه، ساحة يتوزعها الغرباء، من الشرق والغرب، ويؤلبون هذا ضد ذاك.
كاتب مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول بولنوار قويدر-الجزائر-:

    السلام عليكم
    تحية طيبة مباركة للجميع
    لم تطب لي نفسا هدوؤا وراحة وسعادة كهذه اللحظات التي إستمتعت بها وأنا أتلذذ بما جاء به أستاذنا”حسن أوريد” زاده الله فضلا ورفعة وحكمة وقد إكتحلت عينايا بحروف رائعته المنبثقة من أعماق والحب والمحبة ونبذ التفرقة والتشرذم منبها في الوقت الذي تسعى فيه الأمم للتكتل والتكلاتف والتضامن والتراحم هناك من يسارع في زرع الفتة ويدعو للتشرذم بجعل توافه الأمور أساسيات كزعمهم “هل الكسكسي مغربي أو جزائري؟؟؟” وهل الملحون جزائري أو مغربي؟؟؟” إن صراعهم يعتبر “زوبعة في فنجان”عند أهل النهى أمّا عند أصحاب الفتة فهي قضية تستحق “محكمة لاهاي” عجبا نقول لهؤلاء خذوا الجواب من عند الحكيم”حسن أوريد” خين قال :( إنهما نتاج الإنسان ذاته في تفاعله مع الواقع، أبدع الثقافة ذاتها)°
    إنّ الجفا الذي سرى بين أبناء الإسلام والعروبة والإنسانية في المغرب والجزائر يجب أن يوصل ويتواصل بمثل أساتذة مثل أستاذنا”حسن”…الفتنة نائمة لعن الله من أيقضها
    ولله في خلقه شؤون
    وسبحان الله

    1. يقول بولنوار قويدر-الجزائر-:

      تصويب لما جاء في تعليقي معذرة وشكرا على التفهم
      السلام عليكم
      تحية طيبة مباركة للجميع
      لم تطب لي نفسا هدوؤا وراحة وسعادة كهذه اللحظات التي إستمتعت بها وأنا أتلذذ بما جاء به أستاذنا”حسن أوريد” زاده الله فضلا ورفعة وحكمة وقد اكتحلت عيناي بحروف رائعته المنبثقة من أعماق الحب والمحبة ونبذ التفرقة والتشرذم منبها في الوقت الذي تسعى فيه الأمم للتكتل والتكاتف والتضامن والتراحم هناك من يسارع في زرع الفتنة ويدعو للتشرذم بجعل توافه الأمور أساسيات كزعمهم “هل الكسكسي مغربي أو جزائري؟؟؟” وهل الملحون جزائري أو مغربي؟؟؟” إن صراعهم يعتبر “زوبعة في فنجان”عند أهل النهى أمّا عند أصحاب الفتنة فهي قضية تستحق “محكمة لاهاي” عجبا نقول لهؤلاء خذوا الجواب من عند الحكيم «حسن أوريد” حين قال :( إنهما نتاج الإنسان ذاته في تفاعله مع الواقع، أبدع الثقافة ذاتها)°
      إنّ الجفاء الذي سرى بين أبناء الإسلام والعروبة والإنسانية في المغرب والجزائر يجب أن يقطع حبل وصاله بأن يوصل ويتواصل بمثل أساتذة مثل أستاذنا «حسن”…الفتنة نائمة لعن الله من أيقضها
      ولله في خلقه شؤون
      وسبحان الله

  2. يقول حرب الأطباق الشعبية:

    الآن عرفت لماذا سباق التسلح 24 طائرة مروحية أباتشي أمريكية ورادار عملاق فطائرات سوخويSu57 متخفية فطائرات تجسسية Gulfstream G551…! صراع الكسكس والطاجين يذكرنا بحرب داحس والغبراء.

  3. يقول daoudi:

    بورك فيكم هذه الأقلام التي نريد

  4. يقول هيثم:

    جيلان من التباعد والتفرقة و القطيعة والتنافر لشعب واحد في دولتين. أين منا طموحات الرواد الوطنيين الأوائل في الوحدة ؟

  5. يقول boumediennehamidou:

    هل صار عندكم حتى الكسكسي قضية مصيرية ؟؟؟؟وماذا عن الصحراء المغربية اذن ؟؟؟ نسبتم كل شيئ للمغرب الارض والماء والجغرافيا وماذا عن الاخرين الذين في جواركم ؟؟؟
    كل هذه التسائلات موضوعية وعليكم الاجابة عليها ,لانارة الراي العام المحلي المغربي والعربي والاسلامي والعالم …
    لاكن يبقى سؤال يحيرني ,هل هناك قضية تطغى على الفكر او على الراي العام ,وفلسطين يغتصبها اليهود الصهاينة

  6. يقول boumediennehamidou:

    ا ان في البلدين قيادتين كل لها توجهها الخاص ,الجزائر قيادة جاءت من لب الشعب ومن صلبه ولم تنزل من السماء اما في المغرب فان القيادة جاءت بها فرنسا لاجل اضعاف الثورة الجزائرية ,ولاجل القضاء على الثورة التحريرية المغربية

    1. يقول ادريس فرنسا:

      للأسف، تقييم الاستاذ حين اوريد يعكس بجلاء الواقع المخزي الذي فرض على الشعوب فرضا و الذي نرزح تحت حيثياته و نتجرع مرارته.
      و لطالما عملت بعض الأقلام النيرة و العقول السليمة الراقية على رسم طريق اخر لمستقبل مشترك و مصير واحد.
      لكن َ للأسف، هناك صنف اخر من قبيل الأخ بومدين يسير ضد ارادة الشعبين من خلال اختلاق معارك وهمية، و قضايا جوفاء خدمة للتفرفة و لمشروع لا أحد يدري لماذا وجد و لخدمة من. و المؤسف اكثر، انه يجد من يصغي له و يجعل من ذلك قضية وجود.
      عاشت الأخوة المغربية الجزائرية رغما عن أنف الحاقدين!

    2. يقول هيثم:

      القيادة في المغرب ملكية عريقة ولم تأت بها فرنسا بل وجدتها وحاربتها منذ سنة 1830. والمقاومة المغربية و التونسية اندلعتا منذ 1953 أي أكثر من سنة قبل اندلاع حركة المقاومة الجزائرية. ولولا مساندة المغاربة التونسيين لما استقلت الجزائر ويمكنك أن تتذكر غردايمو في تونس ووجدة في المغرب اللتان كانتا مراكز إيواء المقاومين واللاجئين الجزائريين. أما خرافة القيادة الشعبية فتنفيها نسبة التصويت على الرئيس تبون و على الدستور الجديد الذي قاطعه 77% من الناخبين، هذا مع العلم ان القيادة الشعبية السابقة سماها المواطنون بالعصابة.

    3. يقول عمر-الجزائر:

      متى كانت قيادة مدغشقر عريقة ؟!…أليس الماريشال ليوطي هو مؤسس الدولة المغربية الحديثة التي أوجدها من العدم ،بعدما كانت عبارة عن إمارة مخزنية في فاس وأراضي السيبة ، الماريشال ليوطي باني المغرب الحديث إستقدم من الجزائر إداريين وقضاة حتى أن العلم صممه جزائري كماذكر الكاتب …أما عن المقاومة فإنه لولا مقاومة الأمير عبد القادر التي خانها سلطان فاس ، والمقاومات التي أتت من بعده طوال قرن من الزمن لتمكنت فرنسا من إحتلال المغرب في القرن 19 ، ولولا ثورة التحرير التي أرغمت فرنسا على التخلي عن مستعمراتها في إفريقيا والتفرغ لحرب الجزائر ومنح المغرب وتونس الإستقلال الذاتي دون مقاومة بإتفاقية إكس ليبان المذلة التي تعتبر المغرب وتونس لاتزالان تحت الحماية الفرنسية عكس الجزائر التي إنتزعت إستقلالها عنوة من المستدمر الفرنسي الذي إضطر إلى إجلاء أكثر من مليون مستوطن فرنسي من الجزائر بعد 132 سنة إحتلال.

  7. يقول كريم:

    المقال فيه معاني طيبة

  8. يقول ابو عمر:

    حتى الرئيس الجزائري قال المغاربة اخوتنا وليس لدينا مشكل مع المغرب وقضية الصحراء قضية تصفية استعمار !! هكذا سنظل في حلقة مفرغة

  9. يقول عبد القادر:

    الخلاصة ان الشعبين الجزائري و المغربي هم شعب واحد في الاصل لهم نفس التقاليد و نفس العادات و التراث.الاستعمار هو من حاول التفرقة و نسب هذا التراث للمغرب و هذا للجزائر.

  10. يقول محمد:

    ان المغرب العربي جسد واحد ودم واحد ومستقبل واحد ومن يقول غير ذلك فهو يستخدم سكين الاعداء لتقطيع الارحام

1 2 3 5

إشترك في قائمتنا البريدية