هل بدأت روسيا معركة تأمين الخواصر الرخوة شمال غرب سوريا؟

منهل باريش
حجم الخط
0

صعّدت موسكو من قصفها الجوي العشوائي على منطقة خفض التصعيد الرابعة شمال غرب سوريا التي تسيطر عليها المعارضة السورية. وتركز القصف بداية على قرى وبلدات ريف حماة الشمالي الممتدة من مدينة مورك شرقاً وصولا إلى قلعة المضيق غرباً. وتوسعت دائرة القصف لتشمل بلدات ريف إدلب الجنوبي ومن ثم قرى جبل الزاوية التي قصفت بعشرات البراميل المتفجرة.

وعلمت “القدس العربي” أن ضباطا روس حَمّلوا نظراءهم الأتراك عدم ضبط منطقة خفض التصعيد وخصوصا مسألة استهداف القاعدة الجوية الروسية التي تتخذ من مطار حميميم العسكري مقرا لها.

وتتذرع موسكو بسيطرة هيئة “تحرير الشام” وفشل الدوريات المشتركة وعدم التزامها بتطبيق اتفاق سوتشي الموقع بين الجانبين في أيلول/ سبتمبر الماضي في الضغط على أنقرة بخصوص ملف المنطقة.

أهداف الهجوم

مهدت عدة تطورات إلى صعوبة الاستقرار طويل الأمد في إدلب، أبرزها:

رفض الروس إنشاء نقاط مراقبة تركية متقاربة في ريف حماة الشمالي وسهل الغاب، ما أدى إلى بعد المسافة بين نقطتي المراقبة في مورك وشير مغار شمال قلعة المضيق، وبقيت المنطقة خالية من التواجد التركي. ويضاف إلى ذلك تمركز نقطة شير مغار بعيدا عن سهل الغاب، وعدم تواجد أي نقطة تركية في سهل الغاب مطلقاً.

الرغبة الإيرانية بتكثيف تواجدها في مناطق نهر العاصي المقابلة والمتداخلة مع منطقة اللطامنة، تحديداً في معر زاف والأراضي الزراعية غربها، حيث تسللت الميليشيات التابعة لها إلى إحدى نقاط “جيش العزة” واستهدفت 19 مقاتلاً في عملية شكلت خرقاً أمنياً كبيراً لأقوى فصائل المعارضة السورية والأكثر تمرسا وتدريبا وجاهزية قتالية، اخترقت خلالها وحدة مهام خاصة مشتركة من القوات الإيرانية وحزب الله منطقة الزلاقيات قرب اللطامنة.

وتضاف القدرة النارية لفصائل المعارضة للوصول إلى المخافر الروسية الصغيرة قرب محردة والسقيلبة واعتبار موسكو أن حماية القرى المسيحية وتأمين سلامتها هو من أولويات دورها في سوريا.

ويعتبر تهديد مطار حميميم العسكري واحداً من أبرز تلك الإشكاليات بين روسيا وتركيا، فرغم نجاح أنقرة بمنع استهداف المطار بطائرات الدرون الموجهة التي كانت تطلقها هيئة تحرير الشام بشكل منتظم، إلا انه سجلت عدة هجمات بتلك الطائرات فيما يعد استهدافاً للمطار من قبل “حراس الدين” و”تحرير الشام” خلال جولة أستانة 12. والخميس الماضي حصلت أكبر عملية قصف على مطار حميميم منذ توقيع اتفاق سوتشي حتى اللحظة حيث استخدمت صواريخ غراد 40 كم لقصفه وأطلقت من قرى جسر الشغور الغربية الأقرب للقاعدة الروسية.

وتعتبر الهجمات الخاطفة على خطوط جبهة جورين وريف حلب الجنوبي أيضا سببا للتصعيد الحاصل والذي جاء كرد فعل على قصف النظام.

وتدفع الاعتبارات الواردة أعلاه إلى ترجيح قيام موسكو بعملية عسكرية محدودة لتأمين تلك المناطق والتي أصبحت خواصر رخوة ويمكن تلخصيها بأربع رئيسية ستتحرك روسيا من أجل إبعاد المعارضة عنها بشكل نهائي وهي: جورين والقرى العلوية القريبة، السقيليبة وجوارها، مدينة محردة إضافة إلى مطار حميميم.

وفي غياب التوصل إلى حلول وتجاهل التعهدات التركية في ضبط الخروقات، أصبح من الواضح أن روسيا تستعد لتحرك يبعد نيران مدفعية المعارضة وصواريخ الراجمات إلى نحو 25 كم وهذا عملياً يعني الرغبة الروسية بالسيطرة على كامل ريف حماة الشمالي من مدينة مورك شرقا إلى اللطامنة وكفر نبودة وهو المحور الأقرب إلى مدينة محردة، فيما تشكل قلعة المضيق وريفيها الشرقي والغربي الخطر الأكبر لمدينة السقيليبة.

ولتأمين القرى العلوية في سهل الغاب على روسيا إبعاد المعارضة منه إلى حدود جبل الزاوية الغربية المطلة على سهل الغاب، فيما تعتبر السيطرة على جسر الشغور وريفها الغربي وتضييق سيطرة المعارضة قرب الحدود السورية التركية أكثر الأهداف استراتيجية لتصفية سماء مطار حميميم أمام قاذفاتها الاستراتيجية المتمركزة هناك.

 اتفاق سوتشي

من المرجح أن روسيا ستحاول الموازنة بين العملية العسكرية المحدودة هذه وبين علاقتها مع تركيا، وهذا ما قد يدفع موسكو إلى عملية عسكرية دقيقة وليس اجتياحا بريا كبيرا غير متفق عليه، كما فعلت عندما أخلت باتفاق شرق السكة (سكة قطار الحجاز) وتقدمت غرب سكة القطار إلى مسافة وصلت إلى 15 كم في بعض المناطق في ريفي إدلب وحماة الشرقيين.

ليس الحفاظ على العلاقة مع تركيا هو ما سيحدد الهدف الروسي من حجم العملية العسكرية، وإنما الاعتبارات الروسية نفسها للحفاظ على مسار أستانة والتقدم في اللجنة الدستورية والنية المعلنة لعودة اللاجئين. فعملية عسكرية غير دقيقة ومنضبطة ستدفع مئات الآلاف من السوريين في تلك المناطق إلى النزوح شمالا إلى عفرين وريف حلب الشمالي، أي حصول موجة تشريد وتهجير قسري جديدة بحق المدنيين.

من جهة أخرى، فان تركيا اعتادت المفاوضات على حافة الهاوية بشكل دائم وهذا ما فعله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في قمة طهران على الهواء مباشرة في أيلول/سبتمبر الماضي.

وهنا، تدرك أنقرة أن تجنيب إدلب عملية عسكرية ووقف القصف العشوائي ونزع الذراع الروسية وتحقيق ما تسعى له موسكو من العملية العسكرية بالطرق الدبلوماسية، أي تأمين الخواصر الرخوة بشكل نهائي يتطلب إيجاد آليات جديدة في منطقة اللطامنة وقلعة المضيق وإبعاد “تحرير الشام” وباقي التنظيمات المعتبرة إرهابية في اتفاق سوتشي من خطوط المواجهة مع النظام في جسر الشغور وسهل الغاب وريف حلب الجنوبي ووقف استهداف مطار حميميم بشكل حازم ونهائي.

دون تغيير تركيا لاستراتيجيتها في التعامل مع “تحرير الشام” وتطبيق اتفاق سوتشي الذي تأخرت فيه فإن منطقة شمال غرب سوريا ستبقى عرضة للخطر المستمر ومهددة بعدم الاستقرار دائماً وعلى فصائل المعارضة أن تدرك أن المواجهة مع روسيا هي ضرب من المستحيل وأن إعمال العقل أجدى من الشعر والخطابة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية