هل تبدو خطة إسرائيل بـ”العودة إلى التعليم” فصلاً آخر من التخبط في اتخاذ القرارات؟

حجم الخط
0

دخلت إسرائيل الآن إلى الشهر الثالث من أزمة كورونا. في 27 شباط تم اكتشاف المصاب الأول في البلاد وكان عائداً من رحلة إلى إيطاليا. منذ ذلك الحين أشار الرسم البياني المتصاعد باستمرار والتصريحات الدراماتيكية والقيود المتشددة إلى أن الفيروس آخذ في الانتشار. إلى جانب الثمن الذي جباه من حياة البشر، زادت أضراره الاقتصادية التي أدت إلى كساد في السوق ونسبة بطالة غير مسبوقة.

ولكن الأسابيع الأخيرة في ظل الإغلاق الواسع، كانو قد بشروا عن ميل للكبح بالتدريج. هذا الميل مرتبط بخطوات سريعة وصحيحة اتخذتها الحكومة في بداية الأزمة، ومرتبط أيضاً بالسكان الشباب هنا. وبسبب ذلك كانت أضرار الفيروس أقل. هناك درجة من التضليل في البيانات اليومية عن عدد المصابين الذي اقترب أمس من 16 ألفاً، وتعافى أكثر من نصفهم، لهذا فإن أبعاد الإصابة الآن تشبه حجمها في بداية نيسان. أما عدد المربوطين بأجهزة التنفس فقد انخفض إلى أقل من 100، أي نحو 5 في المئة فقط من أجهزة التنفس التي ازدادت في الأسابيع الأخيرة.

هذه هوامش أمان معقولة. قرارات الحكومة بشأن تخفيف القيود تعكس هذه التغييرات. ولكنها تعكس كذلك قوة الضغط المستخدمة من الأسفل على الأعلى. الجمهور مل من القيود وأصبح يشكك بمنطقيتها، الوزراء هم الذين يسوون صفوفهم طبقاً لذلك. في حالات كثيرة عاد أصحاب المصالح التجارية الصغيرة إلى العمل حتى قبل أن تعطي الحكومة تصريحاً قانونياً لذلك.

نحو نصف المصابين بالفيروس هم من سكان بلدات دينية أو أحياء دينية. رغم خطابات الوحدة، ينقسم المجتمع الإسرائيلي بين أسباط وتجمعات فرعية. وفي الوقت الذي تبلغ فيه نسبة المصابين لكل ألف من السكان في تل أبيب 0.3 في المئة، فمن المشكوك فيه إذا كان التل أبيبي العادي يشعر أن المرض يهدد صحته بشكل مباشر.

قرارات تخفيف القيود تأتي بصورة غير منظمة، ودون رسالة موحدة للجمهور، وعلى الأغلب في اللحظة الأخيرة. وتنوي وزارة التعليم، الأحد، إعادة طلاب الصفوف من الأول حتى الثالث إلى التعليم بعد توقف استمر نحو شهرين. طلاب الروضات الذين كان يجب أن ينضموا إليهم سينتظرون الآن. هل اجتمعت الحكومة أمس لمناقشة الخطة؟ لماذا التسرع؟ النقاش في هذا الأمر سيجري اليوم فقط، رغم أن البلديات ونقابات المعلمين قالوا إنه لا فكرة لديهم كيف سيظهر بدء إعادة التعليم. في هذه الأثناء أعلن رؤساء السلطات العربية بأنهم لن يستأنفوا التعليم في قراهم حتى نهاية رمضان.

وعلى افتراض أنه لن يكون هناك لقاح أو علاج فعال هذا العام، ولن يختفي الفيروس ببساطة مرة واحدة، مثلما تنبأ الرئيس الأمريكي هذا الأسبوع، ربما يحدث تفش واسع لكورونا قبل الخريف، مع برودة الطقس. الحل الصحيح في هذه الظروف هو تقصير العطلة الصيفية في جميع مؤسسات التعليم مع تأجيل ما تبقى من العطلة إلى أعياد “تشري” والاستعداد لإغلاق محتمل آخر في الخريف.

إذا بقيت السماء مغلقة أمام الطيران ولن تتمكن عائلات كثيرة من تمويل المخيمات الصيفية أو عطلة في إسرائيل، فهذا يبدو كاحتمالية يجب دراستها. ولكن يصعب القيام بذلك في الوقت الذي يشغل فيه وزير التعليم وظيفته بصورة مؤقتة، وحيث التوتر بين وزارته ونقابة المعلمين تشوش على التعاون بينهم.

عملية الخروج من الإغلاق يجب أن تكون مرفقة بزيادة عدد فحوصات كورونا. مؤخراً تم الإبلاغ عن انخفاض في عدد الفحوصات بسبب انخفاض الطلب: عدد أقل من المواطنين يشعرون بسوء في الصحة، لذلك لا يجرون الفحص. ولكن الافتراض الأساسي هو أن نسبة المرضى الذين لا تظهر عليهم الأعراض ما زالت مرتفعة. لذلك قد تجري وزارة الصحة فحوصات في الأماكن التي حدث فيها تفش وفي المستشفيات من أجل “عزل رجال الطواقم الذين أصيبوا” ومؤسسات مثل دور المسنين.

إن قرار إسرائيل شراء فحوصات مصلية، في مرحلة مبكرة، للكشف عن الأجسام المضادة في الدم التي تمكن من تشخيص متأخر لمن أصيبوا وتعافوا بدون أعراض، بدا قراراً سليماً.

في المقابل، تزداد الشكوك حول الخطوة المكملة التي اتبعتها الدولة في آذار ضد الفيروس في غياب ما يكفي من الفحوصات، كاستخدام إجراء متابعة الشاباك لمرضى كورونا. أمس، أطالت اللجنة الفرعية للجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست استخدام الإجراء حتى الثلاثاء المقبل. الأحد، من شأن نتنياهو أن يقرر هل يواصل المتابعة التي لاقت انتقادات شديدة من جانب منظمات حقوق الإنسان. وثمة انتقاد آخر وصل من المحكمة العليا التي قررت مؤخراً أنه يجب أن يتم تضمين هذا الإجراء في تشريع من الكنيست.

نتنياهو يتقدم خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الوراء.

تدافع الدولة في هذه الأثناء عن إجراء الشاباك لمتابعة المكالمات في الهواتف المحمولة كوسيلة فعالة ضد تفشي كورونا، رغم أن دولاً معدودة، على رأسها الصين، تقوم بمتابعة رقمية بعيدة المدى. ولكن ممثل المستشار القانوني للحكومة أعلن بأن نتنياهو يفحص إمكانية وقف اللوائح التي أصدرتها الحكومة في هذا الشأن.

ولكن نتنياهو يتقدم خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الوراء. ربما يكون هذا دليلاً على أنه لم يتنازل تماماً عن الارتفاع المتزايد في وسائل المتابعة والنادر جداً في الدول الديمقراطية.في خطة بلورها هذا الأسبوع مع وزارة الصحة لإعادة فتح الأسواق والمجمعات التجارية، مطلوب من المشترين تنزيل تطبيق في الهواتف المحمولة حيث يمكن متابعة تحركهم في حدود المنشأة. الهدف العلني هو منع الاكتظاظ، لكننا لسنا بحاجة إلى خيال كبير كي نقدر أي استخدام إعلاني مكثف قد يستخدمه التجار، هذا إذا لم نرغب في الحديث عن حجم اختراق الخصوصية.

سباحة ضد التيار

رأى نتنياهو حاجة ملحة للحديث أمام الشعب كل مساء، وأن يوزع الثناء لسياسته والإعلان عن فرض قيود أخرى. ربما تأثر هذا الأمر بحاجاته الشخصية وطبيعته وبالمفاوضات الائتلافية وبالمناورات لتأجيل محاكمته. رئيس الحكومة يميل إلى تبني السيناريو الأكثر خطورة في وقت الأزمة، هكذا تصرف هذه المرة، وربما ساعده التوتر الدائم في ضمان امتثال الجمهور. هذا الخط نجح إلى أن تم الكشف بأن شخصيات رفيعة، وهو على رأسها، لا يمتثلون هم أنفسهم للتعليمات التي فرضوها.

مؤخراً قل عدد مرات ظهوره أمام الجمهور، وظهوره وعائلته الأخيرة تمت في سياق أيام الذكرى والاستقلال، وتميزت بمقارنة مدهشة بين أيام كورونا والكارثة (قال إنه لو قاد اليهود في تلك الفترة لاختلف مصيرهم)، بتربيت ذاتي كبير على الكتف وتوبيخات شديدة للاتحاد الأوروبي (من قبل الابن) وتوجيهات مشكوك فيها لإعداد كعكة بسكويت غير ممكنة (إسهام الزوجة).

خطوات الحكومة مثل تماهي إدارة الأزمة مع نتنياهو أثارت ردوداً مضادة شديدة. هكذا تحول البروفيسور يورام إلى بطل شعبي متطرف مثل تلك الأيام. وثمة صوت نقدي أكثر ذكاء يسمعه طبيب آخر هو البروفيسور ايتان فريدمان من مستشفى تل هشومير. وفريدمان سباح هاو، وتبدأ معظم ظهوراته بنوبة غضب “مبررة” على الإغلاق الشامل وغير الضروري المفروض على السباحين. ولكن ثمة حقيقة لبقية ادعاءاته.

وقد عبر عن نفسه هذا الأسبوع في منشور على “فيسبوك” حيث كتب: “سنكون ممتثلين فقط إذا فهمنا المنطق، إذا كانت هناك جداول زمنية دقيقة (القرارات المأخوذة بشأن التسهيلات). لسنا مبتدئين ولا مدينين لكم بأي شيء. يوجد نقص اهتمام بالتفاصيل التي تؤثر في كل واحد منا. هذا يثير شكاً كبيراً بأن من يديرنا لا يفهم تماماً. مللنا من تطبيق تعليمات غير معقولة لا هدف لها، وتنبع من اعتبارات كثيرة غير واضحة. يبدو أن أقوال فريدمان تعبر عما يريد الكثيرون قوله.

عندما تفحص الحكومة إنجازاتها في مكافحة كورونا، تركز على مؤشر واحد فقط هو عدد الوفيات. هنا العدد الأقل حقاً يستحق التقدير: حتى أمس تم إحصاء 222 إسرائيلياً ماتوا بكورونا، 1.3 في المئة من المصابين. هذه نسبة منخفضة جداً عن النسبة التي في الولايات المتحدة ومعظم الدول الأوروبية. في الحساب الإجمالي، عندما تنتهي الأزمة ثمة حاجة إلى الأخذ في الحسبان مؤشرات أخرى: نسبة الوفيات بسبب أمراض أخرى، التي تأخر فيها العلاج بسبب الذعر من كورونا.. وعدد المسنين المحاصرين الذين أصيبوا بحالة اكتئاب.. ونسبة العاطلين عن العمل.. والزيادة طويلة المدى في عجز ميزانية الدولة.

بقلم: عاموس هرئيل
هآرتس 1/5/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية