هل تراجعت السياسة الأمريكية الشرق أوسطية؟

حجم الخط
0

جمعتني قبل عدة أيام صدفة مع بعض الأصدقاء ودار حوار بيننا تطرق إلى أمور كثيرة، ولكنه ركّز في آخر المطاف، كالعادة، على الموضوع الفلسطيني والسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.
رأى البعض أن هذه السياسة بدأت في الواقع تتراجع، بعد تجربة طويلة الأمد كانت فاشلة على جميع المستويات. ووصل صانعو القرار في واشنطن إلى قناعة بأنه سيكون من الصعب الاستمرار في التعامل بنفس الأسلوب مع العالم العربي: ‘ففي الوقت الذي تتقدم فيه دول العالم يلاحظ تراجع في العالم العربي’، حسبما قال أحد المحللين السياسيين الأمريكيين، ورغم أن هذا التراجع يخدم السياسة الأمريكية إلا أنه مكلف وغير مضمون .
فما هي التجارب التي مرت بها الولايات المتحدة بسياستها الشرق أوسطية، والموجهة للدول العربية بشكل خاص؟ فالشعار الذي رفعته بعد احتلالها العراق هو أنها تريد التخلص من النظام القائم، وأن تعلم الشعوب العربية الديمقراطية. وكان فشلها كبيرا، فالذين رقصوا فرحا بسقوط نظام صدام حسين، وجــــدوا أنفسهم بــــعد فــــترة يتباكون على سقوطه، بعد التجربة المريرة التي مر بــــها العراق ولا زال حتى يومنا هذا، بسبب الاحتلال الأمريكي، دُمـــرت بنيته التحتية، وسُرقت ثرواته الطبيعية وسقط عشرات الآلاف من أبنائه قتلى وجرحى. ولم تتحقق الديمقراطية ولم يصبح العراق نموذجا إيجابيا يقتدي به العالم العربي.
وفي التسعينات وضعت الإدارات الأمريكية مخططات لإحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط، ولكنها لم تستطع أن تضع ضغطا حقيقيا على إسرائيل، التي لم ترفض هذه المحاولات فقط، بل وجهت الإهانات للقائمين عليها، واستغلت الانقسام الحزبي في امريكا ونقلت المعركة إلى الكونغرس، حيث يوجد لها تأثير كبير، ونجحت في إفشال المساعي الأمريكية، وحمّلت واشنطن الفلسطينيين المسؤولية عن هذا الفشل، ولكن وحسب النهج الأمريكي الجديد، نقلت وكالة أنباء رويترز
(3/6/2013) عن لسان مسؤول أمريكي كبير قوله ‘لقد قدّر وزير الخارجية جون كيري بأن الإسرائيليين والفلسطينيين غير جديين بالنسبة للتقدم في مسيرة السلام، لذا فإنه سيتوقف ويترك الموضوع كله’.
فعندما جاء ما سمي بالربيع العربي، دعمت واشنطن وصول مجموعات إسلامية متطرفة إلى سدة الحكم، مجموعات همها الوحيد السيطرة على الحكم وغير معنية بمصلحة البلد، وعلى استعداد لتقديم الخدمات للأجانب ولا تهمها الأبعاد القومية، وهذا ما تريده واشنطن. لكن سرعان ما اكتشف الأمريكيون أن هذه المجموعات لا تتمتع بشعبية في بلدها، وبقاؤها في الحكم لن يكون طويلا، إضافة إلى أنها تستطيع أن تنقلب ضدها (كما حدث مع بن لادن مثلا).
ثم هناك صراع بينها وبين إيران بسبب إسرائيل، التي تحاول بشكل مستمر توريط أمريكا في حرب معها. وها هي تحاول الخروج من وحل الحرب في أفغانستان. فحرب العراق وحرب أفغانستان كلفتا الخزانة الأمريكية ما يقارب 2 ترليون دولار، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من القتلى والجرحى.
ووجدت واشنطن أنه حان الوقت لتغيير سياستها المتبعة في معالجة الأمور، فجاء التحول النوعي في ما يسمى بالحرب ضدّ الإرهاب، عندما أعلن الرئيس باراك أوباما أن حالة الحرب ضدّ الإرهاب العالمي انتهت، وأن التعامل مع الإرهاب سيكون ضدّ اهداف معينة متعلقة بمجموعات تقوم بعمليات ضدّ أهداف ومصالح أمريكية فقط.
ولم يكن محض صدفة أن يُنشر قبل عدة أيام في واشنطن تقرير صدر عن (مركز الأمن القومي الأمريكي الجديد) الذي يرأسه البروفيسور كولين كوهيل، وهو مقرب من إدارة الرئيس أوباما، جاء فيه أنه في حال فشلت الولايات المتحدة في منع إيران من امتلاك مقدرة نووية، فإنه لن يكون هناك مفر أمام إسرائيل سوى التخلي عن سياسة الغموض النووي والانتقال إلى سياسة الردع النووي، وتعلن عن امتلاكها ما بين 100 إلى 200 قنبلة نووية ولديها الوسائل لاستعمال هذه المقدرة النووية.
هذه الأمور كلها حدت بإدارة الرئيس أوباما الى انتهاج أسلوب جديد، يضمن لأمريكا الاستمرار في سياستها في منطقة الشرق الأوسط، من دون أن تلعب دورا يجبرها على إراسل قوات، أو صرف مبالغ طائلة، من دون تحقيق أهداف لحساب طرف ثالث.
فسحب قواتها من أفغانستان في العام القادم سيكون المؤشر الحقيقي لسياسة أوباما. والموقف الأمريكي الآن هو تقديم الدعم العسكري والاقتصادي إلى الدول التي تدور في حلبتها، ولتقوم هذه الدول بالدور الذي تراه يتماشى مع مصالحها، ولكن لا قوات أمريكية مقاتلة ستتدخل، ربما تقدم خبرات وخبراء عسكريين للمساعدة والتدريب.
فعلى سبيل المثال رفضت الولايات المتحدة كل الضغوط التي وضعتها عليها إسرائيل وبعض الدول العربية، خصوصا الخليجية منها، لشن حرب على إيران بسبب مشاريعها النووية. ولكنها في نفس الوقت زادت من العقوبات التي فرضت على طهران ومنحت إسرائيل وسائل دفاعية وهجومية لتقوم هي بتنفيذ مآربها.
وعقدت صفقات عسكرية مع دول خليجية وصلت إلى مليارات الدولارات، كي تدافع عن نفسها ضدّ أي هجوم إيراني محتمل، وبالتالي أرضت تجار الأسلحة الأمريكيين، وحافظت على قواتها.
وفعلت نفس الشيء مع المعارضة السورية، منحتها المساعدات العسكرية والمادية والدعم السياسي، ولكنها رفضت أن تلعب دورا فعّالا على الأرض، بل إنها حذرت روسيا من تنفيذ صفقة الصــــواريخ اس ـ 300 مع سورية، ‘واشنطن بوست’ 1/6/23013 إرضاء لإسرائيل والدول التي تدعم المعارضة السورية، فنحن نعرف أن أمريكا لن تقون بصدام مسلح مع روسيا بسبب سورية وإرضاء لإسرائيل وغيرها.
إن السياسة الأمريكية الشرق أوسطية لم تغير أهدافها، ولكنها تسير في اتجاه إبقاء سيطرتها ومناطق نفوذها، من دون أن تدفع ثمنا باهظا بالأرواح والأموال.

‘ كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية