من المهم جدا أن تبحث الجزائر عن «حلول افريقية لمشاكل افريقيا» مثلما جاء في كلمة رئيسها في اجتماع الاتحاد الافريقي الأخير في العاصمة الغانية. لكن هل يمكن لها أن تطرح بالمقابل حلولا مغاربية لمشاكل المغرب العربي؟ إنها تفكر على الأرجح في اتحاد إقليمي في شمال افريقيا قد يبدو مرات ثلاثي الأضلاع وسداسيا في أخرى. غير أن الأهم في نظرها قد يكون موقع تنظيم البوليساريو الذي تتعهده بالرعاية الكاملة في ذلك الهيكل.
ومن الواضح تماما أن كل حالات المد والجزر التي عرفتها علاقة الجزائريين بالاتحاد المغاربي، الذي أعلن رسميا عن تأسيسه أواخر ثمانينيات القرن الماضي في مدينة مراكش المغربية، بعد اجتماع عقده القادة المغاربيون الخمسة في وقت سابق في مدينة زيرالدا بالجزائر، ووضعوا فيه الخطوط العريضة لذلك المشروع، ظلت تعكس وإلى حد كبير هواجس الصراع والاستقطاب الحاد بينهم وبين جيرانهم في الغرب، والخلافات العميقة على الصحراء. ولأجل ذلك كانوا يرون فيه، أو في بعض المرات على الأقل، ورقة أو أداة ربما تخدم مصالح الرباط أكثر مما تحقق أهدافهم، رغم إعلان الأخيرة عن تجميد نشاطها فيه منتصف التسعينيات بسبب تفاقم الخلافات معهم حول الملف الصحراوي.
ومع كل الملاحظات والانتقادات التي كانوا يوجهونها فقد أبقوا على عضويتهم، ولم يهددوا في أي وقت بمغادرة ذلك الاتحاد، ولم يعلنوا خلال العقود الثلاثة الأخيرة، التي دخل فيها، كما يقول البعض، في حالة موت سريري، عن رغبتهم في الخروج منه والبحث عن بديل له. لقد ظلوا عنصرا ثابتا وقارا من عناصره الخمسة. وهذا ما كان يمثل في حد ذاته نوعا من المفارقة، ففي الوقت الذي نصت فيه معاهدة الاتحاد المغاربي في بند من بنودها على تعهد الدول الأعضاء «بعدم السماح بأي نشاط أو تنظيم فوق ترابها يمس بأمن وحرمة تراب أي منها وبنظامها السياسي»، وتعهدها في بند آخر بـ»الامتناع عن الانضمام إلى أي حلف أو تكتل عسكري أو سياسي يكون موجها ضد الاستقلال السياسي، أو الوحدة الترابية للدول الأعضاء»، كانت الجزائر تدعم عسكريا ودبلوماسيا وماليا تنظيم البوليساريو وتعترف به كدولة، بل تعتبره جزءا من المغرب الكبير، وتحاول رغم إدراكها صعوبة المهمة، كسب تأييد بعض الأعضاء لتلك الفكرة.
الجزائر تفكر على الأرجح في اتحاد إقليمي في شمال افريقيا، قد يبدو مرات ثلاثي الأضلاع وسداسيا في أخرى، غير أن الأهم في نظرها موقع البوليساريو الذي تتعهده بالرعاية الكاملة
وربما كان التحول الأبرز في الموقف من الاتحاد المغاربي، هو حديث الرئيس عبد المجيد تبون في مارس الماضي، عما وصفه بالفراغ الموجود في شمال افريقيا من خلال غياب أي تكتل إقليمي فيها، متجاهلا بشكل متعمد ومقصود وجود الاتحاد المغاربي. وكان ذلك بمثابة إشارة انطلاق رسمية لجهود حثيثة لإنشاء كيان إقليمي جديد في المنطقة يكون بديلا عنه. لكن ما الذي جرى في الأثناء؟ لقد واجه الجزائريون نوعا من التوجس والتردد من الجانب الليبي. ومع أن طرابلس قبلت أن تكون طرفا في الاجتماع التشاوري الأول، الذي عقد في أبريل الماضي في العاصمة التونسية بين قادة تونس والجزائر وليبيا، إلا انها لم تكن متحمسة على ما يبدو لإنشاء كيان إقليمي بديل لاتحاد المغرب العربي. أما على الجانب الآخر فقد فشلت كل المحاولات والمساعي الجزائرية في إقناع الموريتانيين بالفكرة، وهذا ما جعل الجزائريين يعيدون ترتيب أولوياتهم من جديد. كانت كل الحبال بينهم وبين الأمين العام السابق للاتحاد المغاربي مقطوعة، بعد أن وجه اتهامات مباشرة للجزائر بالوقوف وراء تعطيل العمل المغاربي، وعدم دفع مستحقاتها المالية للمنظمة. لكن وبشكل مفاجئ تماما توصلت تونس لاقتراح شخصية أخرى لخلافة البكوش حظيت بموافقة الطرفين الجزائري والمغربي معا. ولئن لم يتسرب شيء عن الاتفاق الضمني الذي حصل بينهما، وأدى إلى تعيين طارق بن سالم على رأس الأمانة العامة للاتحاد المغاربي، فإن الباب قد فتح للتساؤل عن الحدود التي قد يكون الجانبان اتفقا على وضعها أمامه، والتي لن يكون مسموحا له تخطيها خلال عهدته على رأس الاتحاد المغاربي.
تحت ذلك السقف ما الذي سيكون بوسع الدبلوماسي التونسي الذي خلف قبل أقل من شهرين الطيب البكوش على رأس الأمانة العامة للاتحاد المغاربي فعله؟ وكيف سيتصرف مع واحد من أعقد الملفات الإقليمية، وربما حتى الدولية، وهو ملف الخلافات المزمنة بين الجزائريين والمغاربة، التي يزيدها الملف الصحراوي اشتعالا؟ هل عليه أن يستعد من الآن للبقاء في الشهور وربما الاعوام المقبلة أيضا في مقعد المتابع والمراقب للتطورات التي ستحدث من حوله؟ أم أن الوضع الحالي يحتم عليه، ومن الان أن يكسر القاعدة ويخرج عن المألوف ويقحم نفسه باكرا في المشاكل العميقة بين أكبر عضوين في ذلك الاتحاد؟ ربما كان لقاؤه في ظرف عشرة أيام فقط بوزيري خارجية المغرب والجزائر، مؤشرا على وجود مسعى ما لتحريك الجمود الذي أصاب الهيكل المغاربي، وبالأساس نتيجة لتلك الخلافات الحادة. لكن سيكون من المبكر جدا معرفة حدود ذلك التحرك أو الحكم من الآن على مآلاته. لقد استقبله وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في العاشر من الشهر الجاري، وكل ما رشح عن ذلك اللقاء، ما نقله بيان الخارجية المغربية عن الوزير المغربي من تأكيد على «أهمية تعزيز عمل اتحاد المغرب العربي من أجل تحقيق تطلعات شعوب المنطقة لمزيد من التقدم والازدهار». لكن بدلا من أن ينتقل إلى الجزائر، كما كان مفترضا فقد تم لقاؤه الأول برئيس دبلوماسيتها في العاصمة الغانية أكرا. وجاء البيان الذي صدر الأحد الماضي عن الخارجية الجزائرية حول اللقاء الذي جرى يومها على هامش اجتماعات وزراء الخارجية الافارقة بين وزير الخارجية أحمد عطاف والأمين العام الجديد لاتحاد المغرب العربي طارق بن سالم ليطرح أكثر من نقطة استفهام. فقد تضمن تهاني الوزير الجزائري للأمين العام بتعيينه في المنصب والتنويه بما وصفه بـ»الخيار الصائب لتونس» التي اقترحت لتلك الخطة «دبلوماسيا محنكا يشهد له تمسكه والتزامه تجاه القضايا التي تعني المنطقة المغاربية « ليخلص بعدها للتأكيد على أن الجزائر «ستمد له يد العون في أداء مهامه خدمة لتطلعات ومصالح الشعوب المغاربية». وهوما فتح الباب أمام أكثر من تأويل خصوصا بعد أن تضمنت كلمة الرئيس الجزائري في الاجتماع الافريقي في أكرا، التي تلت ذلك اللقاء إشارة متعمدة إلى رئاسة الجزائر «لقدرة إقليم شمال افريقيا» وهي إحدى آليات الاتحاد الافريقي، مثنية في ذلك الإطار على «جهود الدول الشقيقة المنخرطة مع الجزائر في هذه الآلية وهي جمهورية مصر العربية ودولة ليبيا والجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية»، على حد تعبيرها. فهل حاول الجزائريون وبعيدا عن المناورات المعهودة مع الجيران المغاربة أن يفهموا الأمين العام الجديد للاتحاد المغاربي أن هناك حد ما لدعمه وهو أن لا يحاول الاقتراب من ملف البوليساريو؟ وإن ثبت ذلك فهل أن المغرب العربي الوحيد الذي يريده الجزائريون هو المغرب الكبير بالبوليساريو؟ أسئلة تبقى عالقة.
كاتب وصحافي من تونس