هل تستجيب اسرائيل لدعوات السلام السورية؟
زهير اندراوسهل تستجيب اسرائيل لدعوات السلام السورية؟ منذ إقامة الدولة العبرية في العام 1948 علي أنقاض الشعب العربي الفلسطيني الذي اقتلع من أرضه ووطنه، تبني حكام إسرائيل سياسة الأكاذيب والتلاعب للالتفاف علي مبادرات السلام التي طرحت من اجل إيجاد حل عادل وشامل في المنطقة ووضع حد للحروب وسفك الدماء. ليس هذا فحسب، بل بادرت إسرائيل إلي شن العدوان تلو العدوان علي الدول العربية زاعمة أنها تفعل ذلك بسبب الخطر الوجودي عليها، ناهيك عن أن العدوان ضد الشعب العربي الفلسطيني ما زال مستمراً. من ناحية أخري تبجح حكام هذه الدولة بأنهم تواقون إلي السلام مع الجيران، وأنهم علي استعداد للدخول في مفاوضات لإنهاء النزاع مع كل يد ممدودة للسلام، ولكن بدون شروط مسبقة. هذه المقولة تحولت مع مرور السنين إلي موقف رسمي، علي الرغم من أنها فارغة المضمون، ولا صلة لها مع الواقع المر الذي نعيشه في الشرق الأوسط.نسوق هذا الكلام علي ضوء الخلاف الدائر اليوم في إسرائيل بين الأجهزة الأمنية المختلفة حول نوايا الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد. هل يريد الرجل التوصل إلي اتفاق سلام مع إسرائيل، أم لا؟ الجواب علي هذا السؤال صعب للغاية، لان رئيس جهاز الموساد (الاستخبارات الخارجية)، الجنرال المتقاعد مئير دغان يؤكد أن النظام الحاكم في دمشق لا يريد السلام، إنما التملص من جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، عن طريق البوابة الإسرائيلية. بموازاة ذلك يقول رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (امان)، إن سورية اتخذت قرارا استراتيجيا بالتوصل إلي سلام مع إسرائيل، ونصح المستوي السياسي بالبدء في المفاوضات مع السوريين بهدف التوصل إلي اتفاق سلام.ما من شك أن تكتيك النظام الحاكم في دمشق، الذي شن حملة إعلامية سلامية، أحرج رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت، الذي وصل إلي منصبه عن طريق الصدفة. فالرجل يغير مواقفه بشكل عجيب وغريب: ففي السادس والعشرين من شهر أيلول (سبتمبر) الماضي صرح بان هضبة الجولان العربية السورية، هي جزء لا يتجزأ من إسرائيل، وفي الأسبوع الماضي قال في معرض رده علي سؤال إن المفاوضات مع سورية تتعارض مع المصالح الأمريكية، وبالتالي فانه يرفضها، وفي جلسة لكتلة حزب كاديما في الكنيست إنه من الممكن أن نتوصل إلي مفاوضات مع سورية. هذه التصريحات تدل بشكل غير قابل للتأويل علي عمق الأزمة التي تعيشها هذه الدولة، التابعة للولايات المتحدة الأمريكية، وتؤكد أيضاً أن اولمرت ما زال يعتقد انه سكرتير فرع حزب الليكود في احد أحياء القدس الغربية.من ناحية أخري، معروف أن النظام السوري هو من ابرع الأنظمة العربية الذي يعرف كيف يمسك الأوراق قريباً إلي الصدر، ويتلاعب بها بمهارة تستحق الثناء. فهو عندما يوجه رسائل السلام إلي حكام هذه الدولة يعرف أن الرد سيكون سلبياً، لان إسرائيل لا تريد السلام أولاً، وثانياً لأنها دولة غير مستقلة ومرتبطة بالقرارات الصادرة من واشنطن، أو كما نقول عاش الملك، مات الملك.المؤسف حقاً أن ما يسمي بالمجتمع الدولي، وتحديداً دول الاتحاد الأوربي، لا يحرك ساكناً إزاء التعنت الإسرائيلي، ولا يطالبها لا من قريب ولا من بعيد بالتجاوب مع دعوات السلام الصادرة من أركان الدولة السورية. هذا المجتمع المنافق حوّل قضية مقتل الحريري إلي قضية أهم من لبنان ومن السلام في المنطقة. وللتدليل علي النفاق الأوروبي نكتفي في هذه العجالة بالتذكير بأنه قبل فترة وجيزة تعمدت الخارجية الإسرائيلية، عن سبق الإصرار والترصد، تسريب نبأ للصحافة العبرية (يديعوت احرونوت 20.12.2006) حول تفوهات الامبريالي الصغير، جاك شيراك، التي أكد فيها أن سورية هي دولة قتلة فاسدة وعلي العالم مقاطعتها وعدم التفاوض معها.وجاء هذا التسريب ليقوي من موقف إسرائيل الرافض للمفاوضات مع سورية، ولكن الأخيرة واصلت تكتيكها الحكيم والصائب لتدخل إسرائيل في دوامة. فحتي كتبة الأعمدة غير المحسوبين علي ما يسمي بمعسكر السلام الإسرائيلي، بدأوا يطالبون حكومتهم بالتفاوض مع سورية، وذهبت صحيفة هارتس (22.12.2006) إلي ابعد من ذلك عندما كتبت أسرة التحرير افتتاحية بعنوان: يجب التجاوب مع سورية، وعلينا إقناع بوش .وعود علي بدء: اليد السورية الممدودة للسلام مع إسرائيل قوبلت من قبل صناع القرار في تل أبيب برفض غير مبرر، وبقدرة قادر بدأ الإسرائيليون بوضع الشروط المسبقة للدخول في مفاوضات سلام معها، الأمر الذي يقطع الشك باليقين بان إسرائيل دولة مارقة لا تريد السلام، إنما تعد العدة للمواجهة الثانية علي الحدود الشمالية ضد حزب الله وسورية، وعندما تعقد سورية صفقات شراء أسلحة للدفاع عن نفسها، يتهمونها بأنها تخطط للحرب.ولكن باعتقادنا فان التملص الإسرائيلي من المفاوضات هدفه تحقيق السيناريو، الذي نأمل ألا يتحقق، وهو شن عدوان أمريكي إسرائيلي في الصيف القادم، أو حتي قبل ذلك، علي إيران وسورية وحزب الله وحماس، في إطار الحملة الأمريكية التي أعلن عنها بوش للقضاء علي الإرهاب . فأمريكا لا تتحمل إيران نووية، وإسرائيل ما زالت تعاني من عقدة هزيمتها في المواجهة مع حزب الله، المدعوم من سورية، وتريد الثأر لإعادة هيبتها في المنطقة والتأكيد علي قوة ردعها. ہ محرر صحيفة كل العرب الصادرة في الناصرة8