قد تكون تسجيلات نوري المالكي الصوتية قد سربت من جهاز المخابرات العراقية الذي ما زال يعمل تحت إشراف رئيسه السابق مصطفى الكاظمي، ومن ثم وصلت للأمريكيين الذين ترتبط أجهزتهم الأمنية بعلاقات وثيقة مع جهاز المخابرات العراقية والكاظمي تحديدا، وعلى عكس المتداول أن هناك من سجل بهاتفه الاجتماع، ومن ثم أوصله للناشط العراقي المقيم في أمريكا علي فاضل، فإن قناعتي تميل إلى أن التسجيل حصل من خلال جهاز تنصت أو لاقطة صوتية مزروعة في مكان اللقاء، والجهة التي زرعتها هي المخابرات العراقية المرتبطة للآن بالكاظمي، ولما وجد الكاظمي أن فرصه في البقاء كرئيس للوزراء تتداعى، وخصومه في الإطار ازدادوا قوة، وقد يمارسون تصفية حسابات معه بعد إبعاده من رئاسة الحكومة وانسحاب حليفه الأهم الصدر، عندما وجد الكاظمي كل هذه التطورات، قد يكون لجأ إلى البحث في «دفاتره العتيقة» أمنيا، واستخدام ما تبقى لديه من أوراق، ليس لمصلحته وحسب، بل لمصلحة حليفه مقتدى الصدر، الذي سانده أمام الإطار الشيعي طوال ترؤسه الحكومة، والذي يعتقد أن تسجيل كهذا يمكن أن يحرج المالكي ويضعف فرصه في تولي منصب رئاسة الوزراء، سواء الان أو في الانتخابات المقبلة.
إذ جاءت التسجيلات الصوتية للمالكي مباشرة بعد انسحاب التيار الصدري من البرلمان، وبناء على هذه المعطيات التي اجتمعت لدى الجهاز الاستخباراتي، الذي امتلك التسجيل، والذي نرجح أنه المخابرات العراقية كما قلنا، كان اختيار ناشط غير محسوب على الأطراف الشيعية ومقيم في أمريكا الأقرب للكاظمي، لكي تبعد الأنظار عن نشاط المخابرات العراقية في التجسس على زعماء الإطار التنسيقي الشيعي.
أخطر ما في هذه المرحلة أن هناك طرفاً (الصدر/الكاظمي)، لم يعد لديه شيء يخسره، بعد أن أوشك المالكي وإطاره على تشكيل حكومة
التسريبات الصوتية للمالكي، التي هاجم فيها بشكل حاد الصدريين، تبدو كعلامة تأزم كبير ومواجهة جديدة بين تيار المالكي، بما يضم من قوى شيعية منضوية في الإطار التنسيقي من طرف، والصدر وحليفه الكاظمي ومن يدعمهم من قوى دولية، تحديدا الأمريكيين وما يعرف بـ»محور الاعتدال العربي»، ترى في الصدر والكاظمي أفضل الخيارات في مواجهة حلفاء إيران في العراق، وأخطر ما في هذه المرحلة أن هناك طرفا (الصدر/الكاظمي)، لم يعد لديه شيء يخسره، بعد أن أوشك المالكي وإطاره على تشكيل حكومة، وأمسى الصدر وحلفاؤه خارج البرلمان العراقي، متكئين على إذكاء حالة التظاهرات وهي ورقة قوية للصدر المتمترس خلف جمهور فقير في أحياء بغداد الشعبية الفقيرة، ولكنها عودة لمنطق «الشارع» وما قد يحمله من فوضى ودماء، بعد أن فشلت التظاهرات التشرينية الأولى في إبعاد القوى الشيعية الرئيسية عن المشهد، على الرغم من أنها حققت للصدر نجاحا ملحوظا، لكن لا يمكن إدراجه ضمن أهداف حراك تشرين «غير واضحة المعالم أصلا» والتي كانت تدور حول غايتين: إسقاط الأحزاب التقليدية الشيعية الحاكمة، وإيصال ما يعرف بـ»القوى المدنية» للبرلمان، وهو ما لم يحصل. من استمع للتسجيلات المسربة لرئيس الوزراء العراقي السابق المالكي، سيلحظ على الفور أنها بصوته وليست مفبركة كما ادعى مكتب المالكي، في محاولة منه للتنصل من كلماته الجارحة تجاه التيار الصدري، ودرءا للإحراج من مواقف «غير دبلوماسية» حادة أطلقها ضد خصومه من القوى الشيعية وصولا إلى السنة، الذين وصفهم بأن أكثرهم من «الحاقدين»، وكل هذه العبارات والتوصيفات لا تعتبر مفاجأة لمن يعرف مواقف المالكي وآراءه، سواء المعلن منها بصيغة ملطفة، كما وصفه لمظاهرات الحراك السني بـ»الفقاعة»، أو في الجلسات غير المعلنة، عندما يصف الموصل وأهلها بالقومجية المتطرفة سنيا، كما نقل عنه مسؤول كردي في إحدى الجلسات. كما يمكننا أن نلاحظ أن المالكي وهو رئيس حكومة عراقية سابق، كان يدور في حديثه حول محور الطائفية، من باب حماية الشيعة من مشروع سني لاستعادة الحكم بدعم بريطاني كما يقول، وهو تكرار لاسطوانة التآمر وربط الخصوم الداخليين بالخارج، متلازمة يستخدمها كل الأطراف في الشرق الاوسط بالقالب نفسه تماما، كما كان من المفارقات أن نستمع للمالكي رئيس الحكومة السابق وهو يقول إنه سيعتمد على عشيرته «بنو مالك» حال احتاج الحماية، ويعني ذلك أن رئيس القوات المسلحة العراقية لثماني سنوات يدرك جيدا أنه هو نفسه لن يحظى بحماية من «الدولة» بل من العشيرة! وبين الطائفة والعشيرة يبقى مفهوم «الدولة» الحديثة طارئا في بلاد العرب!
كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»
لا اريد اطالة التعليق ولكن اود الاشارة ال تعليق السيد أثير الشيخلي وادعو الله سبحانه وتعالى ان يصرف عن العراق بلاء السياسيين أمثال المالكي.