تسفي برئيل
التحقيق المشترك بين الأردن وإسرائيل حول قتل رجال الحماية الثلاثة في جسر اللنبي يركز الآن على المسألة المقلقة للأردن بدرجة لا تقل عن إسرائيل. هل يدور الحديث عن مخرب منفرد أم عن تنظيم خطط وبادر إلى تنفيذ عملية القتل؟ هل يتعلق الأمر بمنظمة ومن يقف وراءه؟ التعاون الاستخباري الوثيق بين الدولتين ربما يكون المجال الوحيد الذي لم يتآكل نتيجة الحرب في قطاع غزة، ما يضمن التحقيق الناجع والسريع.
من ناحية الأردن، القلق مزدوج والإحراج كبير. فمنذ بداية الحرب في قطاع غزة والشرطة الأردنية تدير معركة مزدوجة؛ فمن جهة، يحذر الملك من تحطيم الأدوات مع إسرائيل ومع الولايات المتحدة، وقد حاول بطرق دبلوماسية إقناع إسرائيل بعدم اقتحام غزة، وعندما لم ينجح أدان سياستها بلهجة فظة وأعاد سفير الأردن وقرر تجميد العلاقات الاقتصادية والتجارية (مثل اتفاق الكهرباء الخضراء مقابل المياه، الذي كانت إسرائيل في إطاره ستبيع الأردن حوالي 200 مليون متر مكعب من المياه مقابل 600 ميغاواط من الكهرباء). من جهة أخرى، يستمر الأردن بشراء الغاز من إسرائيل رغم مطالبة الجمهور والبرلمان بإلغاء كل الاتفاقات مع إسرائيل.
وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، من المنتقدين البارزين لإسرائيل، وقد طالب بتقديمها للمحاكمة بسبب ارتكاب جرائم حرب، رغم أنه خطط قبل سنتين مع وزير الخارجية الإسرائيلي غابي أشكنازي لكيفية الدفع قدماً بالمشاريع المشتركة.
في الوقت نفسه، ساهم الأردن بشكل كبير في أمن إسرائيل، الذي عبر عنه في الشراكة لإفشال هجوم الصواريخ والمسيرات الإيرانية في نيسان الماضي. أوضح الأردن لإيران بأنه لن يسمح بتحويل سماء الأردن وأراضيه إلى منطقة قتال بين الدول. وكرر تحذيره بعد تصفية هنية عندما استعدت المنطقة لعملية انتقام إيرانية. و”للتوازن”، أرسل الأردن أيضاً تحذيراً مشابهاً لإسرائيل.
يتم في الأردن بشكل دائم إجراء المظاهرات أمام السفارة الإسرائيلية في عمان (رغم أن طاقم السفارة غير موجود فيها)، في الوقت نفسه، تفرق قوات الأمن الأردنية المظاهرات ضد إسرائيل بالقوة عندما يظهر بأنها تخل بالنظام
يتم في الأردن بشكل دائم إجراء المظاهرات أمام السفارة الإسرائيلية في عمان (رغم أن طاقم السفارة غير موجود فيها)، في الوقت نفسه، تفرق قوات الأمن الأردنية المظاهرات ضد إسرائيل بالقوة عندما يظهر بأنها تخل بالنظام. إسرائيل من ناحيتها قررت “معاقبة” الأردن على التصريحات ضدها، ومددت سريان اتفاق بيع المياه للأردن لستة أشهر فقط بدلاً من خمس سنوات مثلما طلب الأردن. لا يوجد أي حوار بين نتنياهو والملك عبد الله، لكن إسرائيل سمحت للأردن بإنزال المساعدات الإنسانية جواً في غزة، عندما شارك الملك نفسه في إحدى الطلعات وهو يرتدي الزي العسكري. في الوقت نفسه، فصل الأردن بشكل حاد وواضح بين المساعدة الإنسانية لسكان القطاع وبين علاقته مع حماس، التي طرد قيادتها من المملكة ولا يسمح لقادتها بزيارتها.
إضافة إلى الصياغة الدبلوماسية، يخشى الأردن من التأثيرات السياسية التي قد تحدثها الحرب في المملكة. عندما بدأت إسرائيل في طرد مئات آلاف الفلسطينيين من بيوتهم في غزة، وعندما خشيت مصر من ترجمة هذا النشاط إلى اقتحام مئات آلاف الغزيين لأراضيها، شاهد الأردن أمام ناظريه كيف أن آلاف الفلسطينيين من الضفة سيبدأون بالهجرة إليه أيضاً. هذا القلق أخذ يزداد إزاء العمليات العسكرية في الضفة والمواجهات العنيفة بين المستوطنين والسكان الفلسطينيين، التي هدفها حسب تفسير الأردن، التهجير.
التقى الملك عبد الله مع الرئيس الأمريكي وأجرى معه ومع جهات أمريكية رفيعة عشرات المكالمات الهاتفية في هذا الأمر. وحسب مصادر أردنية رفيعة، فقد حصل على تعهد أمريكي بعدم السماح لإسرائيل بالتسبب بهجرة جماعية للفلسطينيين إلى الأردن. ولكنه تعهد لم ينجح في تهدئة الملك والقيادة في الأردن، التي تخشى وبحق من سلوك الوزير بن غفير في المناطق والحرم، ومن تصريحات سموتريتش. الولايات المتحدة والدول العربية والإسلامية شريكة في هذا القلق، لكن في الوقت نفسه، يلاحظ الشركاء العرب ضعف أمريكا التي تخفق في كبح نية السيطرة على الحرم ومنع النشاطات الوحشية للمستوطنين.
“يجب التحقيق ومعرفة من الذي وقف من وراء العملية في جسر اللنبي ولماذا، لكن لا حاجة للذهاب بعيداً. فالمناخ الأردني في أشهر الحرب، مهد الأرض لمثل هذه العمليات”. قال أمس للصحيفة صحافي أردني يعمل في صحيفة رسمية. “لا يمكن تصور حجم الغضب وخيبة الأمل لدى المواطنين الأردنيين، فهم يشاهدون الصور والأفلام التي تأتي من قطاع غزة، والدمار وقتل أكثر من 40 ألف غزي، ونشاطات بن غفير في الحرم والحرب الدائرة في الضفة. نحن كصحافيين لا يمكننا كتابة كل ما نريد لأنه تم تحذيرنا بـ “عدم تأجيج الرأي العام والمس بالأمن الوطني”. ولكن المواطنين لا يحتاجون إلى وسائل الإعلام الرسمية في الأردن لمعرفة ما يحدث. على هذه الخلفية، يمكن أن نشكر الله لأنه لم يكن المزيد من العمليات”.
الحرب أنزلت على الأردن ضربات اقتصادية شديدة، تحتاج إلى ترميم طويل المدى قبل عودة الاقتصاد الأردني إلى الوضع الذي كان عليه قبل الحرب. وقد سبق للملك عبد الله التصريح بيأس أن “اقتصاد الأردن لن يعود إلى ما كان عليه”. وحسب بيانات غرف التجارة والصناعة والسياحة في الأردن، فإن فرع السياحة الذي يشكل 15 في المئة من الناتج المحلي انخفض منذ بداية السنة إلى 50 في المئة في حجم المداخيل، تقريباً 57 ألف شخص يعملون في هذا الفرع. والآن نسبة البطالة في الأردن، التي كانت قبل الحرب 22 في المئة، قد ترتفع وتصل إلى نسبة أخرى. أما الناتج الصناعي فقد انخفض 5 في المئة، ومثله التجارة الخارجية والاستيراد، بالأساس بسبب ارتفاع تكلفة النقل البحري الذي سببته هجمات الحوثيين في البحر الأحمر.
حسب الاتفاق مع الإدارة الأمريكية، سيحصل الأردن على مساعدة بمبلغ 1.45 مليار دولار في السنة حتى العام 2029، ويحصل أيضاً على أموال مقابل استخدام قواعد عسكرية. ولكن هذه المبالغ لا تكفي للتغلب على الدين العام الذي يبلغ 56 مليار دولار، 15 في المئة من الناتج المحلي الخام. في هذا الأسبوع، قررت شركة التصنيف الائتماني “ستاندرد آند بور” رفع تصنيف الأردن، والثناء على المنظومة البنكية وخطط الإصلاحات الاقتصادية، لكن إزاء الضرر الاقتصادي الكبير، بات مشكوكاً فيه نجاح الأردن في زيادة المداخيل بـ 18 مليار دولار، التي قد تأتي من جباية الضرائب وتقليص إطار الدعم.
العملية في جسر اللنبي حدثت قبل ثلاثة أيام على الانتخابات البرلمانية في الأردن. هذه حادثة تثير التثاؤب كما شهدت على ذلك نسبة المشاركة المتدنية في السنة الماضية، التي بلغت 29 في المئة فقط، وتبرهن على عدم الثقة بين الجمهور ومؤسسات الدولة. ولكنها في هذه المرة بالذات، وبسبب الحرب، قد تزداد قوة أحزاب المعارضة، وبذلك تتحدى سياسة الملك. ثمة تخوف من تصدع القاعدة القبلية التي يعتمد عليها الملك بشكل تقليدي لأن منفذ العملية، ماهر ذياب الجازي، هو ابن إحدى القبائل الكبيرة والمهمة في الأردن، قبيلة الحويطات، وهي من المؤيدين الرئيسيين للنظام الهاشمي على مر الأجيال.
سائق الشاحنة ماهر الجازي، هو أحد سكان بلدة أذرح في محافظة معان، التي هي مسقط رأس هارون الجازي أيضاً، وهو أحد القادة الأردنيين الذين حاربوا ضد إسرائيل في حرب الاستقلال. ومشهور حديث الجازي، وهو أحد كبار القادة في الأردن الذي حارب ضد إسرائيل في معركة الكرامة في العام 1968.
من غير الواضح حتى الآن إذا كان انتماء منفذ العملية لـ “سلالة الكرامة الوطنية” والقبيلة التي لها حقوق وطنية كبيرة، هو الذي ساهم في خلق الدافع لتنفيذ عملية القتل. ولكن هذا الانتماء يضع أمام الملك عبد الله تحدياً سياسياً خطيراً ربما يضعه على مسار التصادم مع عمود رئيسي لنظامه.
هآرتس 9/9/2024