في تقرير لها حول آثار الجائحة في التعليم، قالت منظمة اليونسيف، إن إغلاق المدارس بسبب الجائحة، على تعلم الطلاب وصحتهم وفهمهم كانت مدمرة. وستظل تداعيات هذا الإغلاق على الأطفال وأسرهم ومجتمعاتهم محسوسة لسنوات مقبلة، وإن كثيراً من الأطفال لن يعوضوا ما فاتهم أبداً.. وإنه إذا كان بعض الطلاب قد تمكنوا من الوصول إلى التعلم عن بعد أثناء إغلاق المدارس، فإن ما لا يقل عن ثلث أطفال المدارس في العالم ليست لديهم الإمكانية للوصول إلى التعلم عن بعد على الإطلاق.
لقد أشارت اليونسيف في تقريرها منتصف تشرين الأول/أكتوبر الماضي إلى أن الطلاب فقدوا (1.826.402.916.679) ساعة دراسية صفية. لقد خلقت إغلاقات المدارس أزمة خفية للأطفال؛ إذ تأخروا في مسيرتهم التعليمية، فضلاً عما فات على كثير منهم من الواجبات المدرسية، والحصول على التطعيمات الواجب تناولها بشكل روتيني أثناء التحاقهم بالمدارس، كما باتوا يواجهون العزلة الاجتماعية، والتوتر والقلق المتزايدين، بالإضافة إلى سوء المعاملة والعنف. ومن جهة أخرى، فقد أدى إغلاق المدارس، بالنسبة لبعض الطلاب، إلى التسرب من المدارس، والتوجه إلى عمالة الأطفال، بل زواج الأطفال في بعض المجتمعات. ولا شك بأن الكثير من الأهالي لم يتمكنوا من مواصلة الالتحاق بأعمالهم والمواءمة مع احتياجات أطفالهم في الرعاية والتعلُّم؛ إذ فقد بعضهم وظيفته بشكل كامل، الأمر الذي أدى إلى حالات الفقر، التي عمّقت الأزمة الاقتصادية في كثير من المجتمعات الإنسانية.
كانت للإغلاقات بسبب كورونا في عديد الدول آثار نفسية واجتماعية هائلة في أكثر من مليار طالب حول العالم
لقد كانت للإغلاقات المتلاحقة في عديد الدول آثار نفسية واجتماعية هائلة في أكثر من مليار طالب حول العالم، بالإضافة إلى المعلمين والمعلمات وأولياء الأمور، خاصة أولئك الذين يقيمون في بيئات لا تسمح بخروجهم من منازلهم ومحيطهم الضيق، ما أدى إلى مشكلات نفسية أقلها الإحباط، في ما بلغ بعضها حد الانتحار، الأمر الذي أدى إلى تنشيط دور الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين لمواجهة المشكلات التي عاناها ويعانيها الطلبة، والتي سيعاني منها الكثيرون على المدى القصير وفي المستقبل. ونعود هنا لنقول؛ هل إن ما حدث حول العالم يمثل جاهلية معرفية عالمية؟ وهل أنه سيؤدي في وقت ما إلى مجاعات وحروب وتخلف إنساني؟ وبالتالي، هل يمكن للمجتمعات الإنسانية أن تعوض تلك الساعات التعلمية التي خسرها أبناء البشرية؟ إن الإرث الثقافي والمعرفي الذي تبنيه البشرية عبر القرون يمثل مخزوناً لا يمكن تجاهله، إذ أنه عبر تراكمه يوماً إثر يوم يصبح مكوناً رئيساً في بناء الشخصية الإنسانية، في بعدها الثقافي والمعرفي والسلوكي، وتتناقله الأجيال في كل لحظة تعيشها البشرية. إن ما وصلت إليه التكنولوجيا من تطور عبر السنوات الأخيرة، وما ستصل إليه بوتيرة متسارعة خلال السنوات المقبلة، أمر لا يدعو إلى الدهشة فحسب، إنما يجب أن يدعو البشرية عبر القيادات السياسية والمؤسسات الرقمية إلى توظيف التكنولوجيا بشكل نافع في مجالات الحياة كافة، وبما يعوض عن تلك الخسائر والفجوات، أو الفاقد التعلمي الذي أحدثته الإغلاقات المتكررة خلال العامين الماضيين.
ولا ننسى أن الفاقد التعليمي يمثل مقدار ما خسره المتعلم، مما هو مخطط لتحقيقه (عادة في المدرسة العادية) في الظروف الطبيعية. لذلك فإن على المنظومة التعليمية أيضاً أن تتجاوز تلك الخطط بلجوئها للتوسع والإثراء التعليمي، ليس من أجل التعويض عن الفاقد التعليمي فحسب، بل ليصبح لدى المتعلم فائض تعليمي في ظل ما تشهده البشرية من تطورات في المجالات كافة، وفي مقدمتها تكنولوجيا المعلومات، والاستثمار في المخزون المعرفي البشري المتراكم عبر تاريخ الأمم.
إن علينا أن نراجع ما هو سابق، وأن ننظر إلى المستقبل بعين ثاقبة، إذ لا يجوز انتظار ما يجري حولنا لنقتبس منه ما قد يلائم حاجاتنا، بل علينا أن نستبق مستقبلنا لتكون متطلباته هي مهمة حاضرنا. وبذلك فإننا نستطيع القول إننا نمارس الإبداع والابتكار لضرورات المستقبل، بما يجعل العملية التعليمية أهم محاور التطوير بغض النظر عن استمرار الحالة الوبائية أو انتهاء أثرها.
كاتب فلسطيني
[email protected]
كل الإجرائات اللتي أتخذت في جميع البلدان لم تكن موفقة …إذ إنعكساتها السلبية تفوق بكثير إيجابياتها ….و العالم سيعاني من ذلك لعقود …..قلنا ذلك منذ مارس 2020 عند قرار …” حجر صحي شامل ” …..