بعد وقف لإطلاق النار أبرم سنة 2020 بين أوكرانيا والانفصاليين، الذين تدعمهم روسيا في منطقة دومباس الشرقية، عاودت روسيا نشر قواتها على الحدود، لتزج بالعلاقات الدولية في أتون أزمة تلوح معالمها بوضوح، بعد أن ناشد الرئيس الأوكراني فلودومير زيلنسكي نظيره الفرنسي ونظيرته الألمانية بالتدخل لدى روسيا، للتوقف عن إذكاء نعرة الصراع خلال اجتماع ثلاثي عقد بواسطة تقنية المناظرة المرئية قبل يومين، في الوقت الذي طالبت روسيا من ذينك البلدين بالتدخل لدى أوكرانيا للغرض نفسه.
لم يمض وقت كثير حتى عاد المحللون إلى التساؤل، عما إذا كان المشهد الماثل أمام أعينهم يشكل استنكارا لمحور أساسي من العلاقات الدولية، محور يراد له أن يكون ضامنا للتوازن في منطقة أوروبا الشرقية، وليس تصميما لم ينعتق بعد من صفة «توازن الرعب» التي ظلت تلاحقه منذ الحرب الباردة.
لا تقف المجموعة الأوروبية وحدها على سفح ساخن في الموضوع الروسي.. أمريكا لا تقل عنها استعدادا لاتخاذ إجراءات رادعة
أجل، بدا لنا منذ أن انعقد هذا الاجتماع الثلاثي الفرنسي الألماني الأوكراني، وكأن أجواء الحرب الباردة عادت لتهب من جديد، باعتبار أن الهشاشة ما فتئت تلازم المكتسبات المحققة منذئد. ما هي هذه المكتسبات؟ لنعد قليلا إلى الوراء، أولها، السلام الدائم. ثانيها، وتنجر عنه منطقيا، الحريات الفردية والعامة، بما فيها حرية التنقل، وعندما نتحدث عن حرية التنقل، نتحدث عن حرية تنقل الأفراد والبضائع، بعبارة أخرى، تكريس الليبرالية الاقتصادية. وكأننا بستار حديدي جديد يلوح في الأفق، بعد أن انهار الستار التاريخي، تتوالى حلقات سلسلة كنا نتوقع نهاية لها، كنا نخالها صفحة مطوية لم يكن في الحسبان أن تكتب من جديد، وبمضامين شبيهة بمحتويات الأسطوانة المشروخة. وتظل هذه التحديات، حتى لو كانت تحكم واقعا جيوسياسيا واضح المعالم، ضاربة الجذور في أخلاقيات احترام الحريات. تسعى أوكرنيا لأن تكون قوة اقتصادية نافذة في المنطقة، ما يحتم عليها الانخراط في مسار تجاري. أوكرانيا، التي يمثل فيها القطاع الزراعي 20% من الناتج الداخلي الخام، 8% منه موجه للصناعات الغذائية – واقعة حاليا تحت تهديد روسي بعرقلة ملاحتها التجارية بين البحر الأسود وبحر أزوف، وهو مسلك بالغ الأهمية تعتمد عليه لتصدير الحبوب. لا تقف المجموعة الأوروبية وحدها على سفح ساخن في الموضوع الروسي.. أمريكا بايدن لا تقل عنها استعدادا لاتخاذ إجراءات رادعة، في محاولة نشرها لقواتها. وروسيا تعلم ذلك. يلتقي بايدن وماكرون في ضرورة استخدام لغة الوعد والوعيد في وجه روسيا، التي بدت راسخة في ثوابتها، نبرة يعزز من صرامتها موضوع اختراق الانتخابات، واحتجاز أليكسي نافالني. ولم يتردد الرئيس الفرنسي في التحدث عن عقوبات، من دون الكشف عن تفاصيل. كما يلتقي القادة الأوروبيون في الإبقاء على دور وساطة ألمانيا وفرنسا، الذي سجل الاجتماع الرباعي المعروف بـ«مودل نورماندي» انطلاقته، الذي جمع أوكرانيا وروسيا وفرنسا وألمانيا سنة 2014، قبل أن يكرس اتفاق منسك سنة 2015 وقفا لإطلاق النار بين الدولتين المتصارعتين.
في كتابه الأخير، يذكر هوبرت فدرين، الذي شغل منصب وزير الخارجية خلال فترة ولاية الرئيس فرانسوا ميتران وكان أيضا أمينا عاما في قصر الإليزيه، أن لا أحد يستطيع فهم الوضع الحالي للعلاقات الدولية، من دون العودة إلى تاريخها. وفي الحالة الروسية تعلو النزعة القومية فوق كل اعتبار، قبل وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي. إنه ثابت لا يمكن التفريط به مهما كان المتحول، ما يجعل وضع نقطة نهائية للملف أمرا عسيرا للغاية. فهل يحق لنا أن نعلق بارقة أمل على تطور الأوضاع رغم صعوبتها؟ التحديات لم تطو، بل بقيت هي هي وأولها ألا تعود روسيا إلى المربع الأول في كل مرة.
باحث أكاديمي وإعلامي فرنسي
روسيا دولة مارقة يحكمها ديكتاتور قاتل يساعد المنظمات الارهابية والدول المارقة مثلما كانت تفعل دولة السوفيت سابقا.
وعليه ندعوا الله ان تسقط وبسرعة مثلما سقطت دولة السوفيت.
يقول المضلِّلون والمغبونون على حدٍّ سِوًى إن الحرب الباردة بين أمريكا وروسيا قد انتهت وقد ولت أدبارها إلى غير رجعة – ونحن نعرف جيدا أن الحرب الباردة، من بين كل أشكال الحروب في التاريخ قاطبة، هي التي لا تنتهي بتًّا، وعلى الأخص حينما يكون الطرفان المعنيان صديقين حميمين وعدوَّين لدودين في الآن ذاته..
منذ أن أعلن أولئك المضلِّلون والمغبونون وأمثالهم وأشباهم عن انتهاء هكذا حربٍ، وأمريكا وروسيا تتبادلان أدوار التوتُّر وما تقتضيه هكذا أدوارٌ من إجراءات الطرد والطرد بالمثل (أو حتى الطرد المضادِّ).. فعلى أثر التسربل بسربال التوتُّر من لدن كل من الطرفين في غضون الأيام العشرة التي خلت، كان بايدن قد طرد عشرةً من الدبلوماسيين الروس من أمريكا، وكان قد فرض عقوبات اقتصادية كبيرة على روسيا، كأحبولة لعقابها على مزاعم بالتدخل في الانتخابات والتورط في جرائم الخرق الرقمي، وما شابه.. ومن طرفه كذلك، كان بوتين قد رد بالمثل، آمرا بطرد عشرة دبلوماسيين أمريكان من روسيا، وفارضا حظرا على دخول ثمانية آخرين، ومقترحا اليوم بالذات (يوم الخميس 22 نيسان/أبريل 2021)، لهذا السبب، عودة السفير الأمريكي في روسيا، جون سوليفان، إلى أمريكا للتشاور مع إدارة بايدن، وهكذا دواليك.. !!