هل تقامر إسرائيل بخسارة روسيا صمام الأمان في ضبط إيقاع صراعات الشرق الأوسط؟

إبراهيم نوار
حجم الخط
0

أشعل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حريقا في العلاقات مع إسرائيل بملاحظات صرح بها لقناة تلفزيونية إيطالية منذ عشرة أيام تلمح إلى أن إسرائيل متورطة في تأييد «النظام النازي الجديد» في أوكرانيا بقيادة فلوديمير زيلينسكي. وقال لافروف أن كون زيلينسكي يهوديا لا يبرأه من الميول النازية، لأن هتلر نفسه كانت تجري في عروقه دماء يهودية. ملاحظة لافروف تضرب أحد أركان الهوية اليهودية التي تعمل على ترسيخها المنظمات اليهودية العالمية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ولا تتسامح هذه المنظمات، ولا حكومة إسرائيل مع أي شخص أو مؤسسة تقلل من شأن الهولوكوست، أو تثير الشكوك بشأن تورط شخصيات يهودية فيه جنبا إلى جنب مع النازي.
ولم يقبل أعضاء الكنيست ولا الحكومة الإسرائيلية ما جاء في خطاب الرئيس الأوكراني أمام الكنيست بمقارنة معاناة الأوكرانيين تحت الغزو الروسي بمعاناة اليهود تحت حكم النازي. ومن هنا تأتي خطورة تصريح لافروف، وشدة ردود الفعل الإسرائيلية التي تهدد استقرار العلاقات بين تل أبيب وموسكو. خطورة تصريح لافروف تفسر أيضا المبادرة السريعة التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالحديث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت هاتفيا مساء الخميس الماضي لاحتواء الأزمة والحيلولة دون تفاقمها. والعلاقات بين موسكو وتل أبيب ربما تكون من أكثر العلاقات «ذات الطابع البراغماتي» في السياسة الدولية. لكن عددا من التطورات الأخيرة تهددها، منها أن روسيا كشفت النقاب عن أن إسرائيل أرسلت 20 متطوعا للقتال ضد القوات الروسية في أوكرانيا. وقالت ماريا زاخاروفا المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية الروسية لراديو «سبوتنك» يوم الأربعاء الماضي أن مجموعة من المرتزقة الإسرائيليين تقاتل مع الوحدات العسكرية الأوكرانية التابعة لميليشيات «آزوف» القومية اليمينية المتطرفة، التي تمثل أحد الأجنحة العسكرية لما تطلق عليه موسكو اسم «النظام النازي الجديد» في أوكرانيا. وفي تصريحات أدلت بها في وقت لاحق إلى تلفزيون «روسيا- 24» قالت إن إسرائيل تتجاهل ظهور ونمو «أيديولوجية نازية جديدة في أوكرانيا منذ سنوات».
وقد كشفت مجموعة تدعى «رايبار» قائمة بأسماء 20 مواطنا إسرائيليا دخلوا إلى أوكرانيا كمتطوعين للقتال في صفوف الميليشيات القومية الأوكرانية «آزوف» بكل التفاصيل الواردة في جوازات السفر التي دخلوا بها إلى أوكرانيا. وذكرت أن هؤلاء الأفراد قد عملوا من قبل لدى أجهزة وزارة الخارجية والأمن الإسرائيلية والوكالة اليهودية.
كما تسبب التوتر بين موسكو وتل أبيب في تعطيل الاتصالات الرسمية المقررة سابقا، ومنها إلغاء مكالمة هاتفية في الأسبوع الماضي بين وزير الدفاع الروسي ونظيره الإسرائيلي، كان من المنتظر ان يناقش فيها الوزيران قواعد الاشتباك في الأجواء السورية. وقبل ذلك وجه وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد هجوما قاسيا على روسيا، واتهم قواتها بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا، وقال إن الكشف عن قبور جماعية في بلدة «بوتشا» القريبة من كييف يدل على ذلك. وتنتقد موسكو موقف إسرائيل في اذار/مارس الماضي بتأييد مشروع القرار الأمريكي في الجمعية العامة للأمم المتحدة بادانة الغزو الروسي والمطالبة بانسحاب قواتها من أوكرانيا، كما انتقدت أيضا تأييد إسرائيل لمشروع قرار لطرد روسيا من عضوية مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.

مصالح متبادلة

يبلغ عدد اليهود الروس في إسرائيل والمهاجرين من دول الاتحاد السوفييتي سابقا ما يقرب من 1.5 مليون شخص، أو ما يعادل 15 في المئة من عدد السكان، جاءت الأغلبية العظمى منهم من روسيا وأوكرانيا. ويسهم اليهود الروس في إسرائيل بدور مهم سياسيا واقتصاديا. كما يسهم رجال بوتين والمليارديرات الروس الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية بدور مهم في تعزيز العلاقات بين موسكو وتل أبيب.
وطبقا لتقديرات أجرتها مجلة «فوربس» فإن ما يزيد على 40 في المئة من المليارديرات الروس الذين يبلغ عددهم 111 فردا يحملون جوازات سفر إضافية. أما بالنسبة للمليارديرات الروس الـ 35 الذين ضمتهم قائمة العقوبات على رجال بوتين، فإن ما يقرب من نصفهم لدى كل واحد منهم جنسية ثانية. ويحمل 11 منهم الجنسية الإسرائيلية، من بينهم رومان ابراموفيتش، الذي يقوم بدور غير رسمي مهم في المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا. ومع تطبيق العقوبات الاقتصادية فإن دول الاتحاد الأوروبي ومنها قبرص سحبت بعض جوازات سفر الشخصيات الخاضعة للعقوبات، وهذا ما جعل جواز السفر الإسرائيلي أكثر جاذبية، نظرا لأن إسرائيل لم تنضم إلى برامج العقوبات الاقتصادية. وتتضمن المزايا التي حصل عليها حملة الجنسية الإسرائيلية الإعفاء من الضرائب على أرباح الاستثمار في الخارج لمدة عشر سنوات. وبسبب المزايا التي حصل عليها المليارديرات الروس فإن وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية حذرت من أن تتحول إسرائيل إلى ملاذ سياسي ومالي آمن للمليارديرات الروس، وبوابة خلفية للتهرب من العقوبات الاقتصادية.
وبالمثل فإن إسرائيل تربطها علاقات قوية بالجالية اليهودية في أوكرانيا التي تتألف من نحو 250 ألف شخص، تطمح تل أبيب إلى جذب النسبة الأكبر منهم للهجرة إليها. ومن ثم فإن الحكومة الإسرائيلية تحرص على خلق انطباع إيجابي عن سياستها تجاه أوكرانيا في وقت الحرب وإظهار تضامنها. وهي تفعل ذلك بتقديم مساعدات طبية وإنسانية، حفاظا على العلاقات الثقافية والتجارية القوية بين الطرفين.

التنسيق الأمني مع روسيا

روسيا قوة دولية رئيسية، وهي في الوقت نفسه لاعب رئيسي في الشرق الأوسط، بما لها من حضور عسكري وسياسي واقتصادي. وتلعب روسيا دورا حيويا في ضبط إيقاع الصراع في سوريا، ووضع معادلة غير مكتوبة بشأن الخطوط الحمراء التي لا يجب تجاوزها. وفي سياق التنسيق الأمني بين روسيا وإسرائيل يتم الاتفاق على إجراءات لعدم التصعيد العسكري عبر الحدود البرية والجوية الإسرائيلية-السورية. وقد قامت روسيا بدور محوري في إبعاد الميليشيات المعارضة لنظام الأسد عن الجولان وشمال إسرائيل، وضمان الهدوء في تلك المناطق. كذلك تجري بين موسكو وتل أبيب مشاورات مستمرة حول مستوى تسليح القوات السورية، وحول المساعدات الروسية لإيران، مقابل التزام إسرائيل بعدم تصدير أسلحة إلى دول مجاورة لروسيا مثل جورجيا، أو إثارة القلاقل على حدودها.
ومنذ بداية الحرب الأوكرانية حرصت إسرائيل على إبقاء الأبواب مفتوحة مع كل من موسكو وكييف. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي أول القادة السياسيين الذين التقوا وجها لوجه مع فلاديمير بوتين في 10 آذار/مارس الماضي، ومن القادة السياسيين الذين تحدثوا مباشرة مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي، وحاول أن يلعب دور «حمامة سلام بين الطرفين» كوسيط موثوق فيه. لكن التطورات السريعة في الموقفين الروسي والأمريكي لم تترك لإسرائيل هامشا كبيرا للعب هذا الدور، خصوصا بعد أن تبنت واشنطن استراتيجية لإطالة أمد الحرب، وقررت إمداد أوكرانيا بمساعدات عسكرية بمليارات الدولارات، وطلبت من حلفائها بمن فيهم إسرائيل الإنضمام إلى برنامج لتزويد أوكرانيا بالسلاح.

إيران أهم لروسيا من إسرائيل

تحاول روسيا الإبقاء على قدر من التوازن في علاقاتها بأطراف النزاع المختلفة في الشرق الأوسط، بما في ذلك إيران وإسرائيل. وقد نجحت الدبلوماسية الروسية منذ عام 2015 حتى الآن في وضع نهاية للحرب الأهلية في سوريا من خلال سياسة إنشاء «مناطق تخفيف التوتر» وبناء جسور للتعاون الثلاثي المشترك مع كل من إيران وتركيا، وتعزيز قوة نظام بشار الأسد. كما نجحت في توظيف صيغة التعاون مع منظمة أوبك لتطوير علاقاتها مع السعودية ودول الخليج على أساس المصالح المشتركة، والوقوف في وجه الضغوط الأمريكية لزيادة إنتاج النفط بكميات أكبر من المتفق عليها داخل مجموعة «أوبك+». وتدل هذه الدبلوماسية على أن أهمية إيران وسوريا ودول الخليج بالنسبة لروسيا تفوق أهمية إسرائيل. ومع ذلك فإن موسكو ما تزال شديدة الحرص على جعل إسرائيل أكثر اعتمادا عليها في تحقيق أهداف الأمن القومي ذات الطابع العملياتي، بما لا يصطدم بشدة مع مصالح إيران وسوريا وتركيا في الخليج وشرق البحر المتوسط، في إطار استراتيجية ذكية لضبط إيقاع الصراع، على أساس صيغة تضمن المشاركة في الأرباح السياسية «win- win» وهي صيغة جعلت أطراف الصراع في وضع أفضل نسبيا خلال السنوات السبع الأخيرة. على سبيل المثال فإنها تتيح الفرصة للطيران الإسرائيلي للقيام بنشاط محدود داخل المجال الجوي السوري لضرب أهداف إيرانية، لكن روسيا تستطيع تقييد هذا النشاط بشدة إذا أتاحت لبطاريات الصواريخ من طراز إس 300 وإس 400 بالعمل ضد الطيران الإسرائيلي. كذلك فإن السياسة العسكرية الروسية أتاحت لإيران فرصة زيادة قوتها وتوسيع نفوذها في سوريا خلال السنوات السبع الأخيرة، وحماية نظام الأسد من السقوط، كما خلقت حالة من الهدوء بشكل عام، وقللت من حدة الاشتباكات بين الأطراف المختلفة بما فيها الميليشيات التابعة لتركيا والميليشيات الكردية. وعلى الرغم من أن بعض المراقبين يعتقد أن بقاء إسرائيل على الحياد في الحرب الأوكرانية قد انتهى عمليا بعد تصريحات لافروف، إلا أن المكالمة الهاتفية التي جرت بين بوتين وبينيت مساء الخميس الماضي تدل على حرص كل من الطرفين على احتواء الموقف، وعدم السماح للعلاقات بينهما أن تتدهور بدون أي كابح، وهو ما يضع كل منهما في اختبار صعب خلال الأسابيع المقبلة.
وإذا كانت الولايات المتحدة قوة آفلة عسكريا في الشرق الأوسط، فإن حاجة إسرائيل إلى الدور الروسي من المرجح أن تزيد في السنوات المقبلة، لضمان الهدوء على الجبهة السورية، وفتح قنوات لضبط إيقاع الصراع مع إيران، خصوصا وأن الطريق يكاد يكون مفتوحا أمام طهران لكي تصبح قوة نووية جديدة في المنطقة والعالم. ولذلك فإن إسرائيل سيكون من مصلحتها عدم السماح بتدهور العلاقات مع روسيا، لأنها في تلك الحالة ربما تجد نفسها تدفع وحدها أخطاء الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط، في الوقت الذي استطاعت فيه إيران إقامة تحالفات أقوى مع كل من روسيا والصين، ووسعت مجالات نفوذها الإقليمي.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية