هل تكون مواجهات إياب دور الـ16 لدوري أبطال أوروبا تحصيل حاصل؟

عادل منصور
حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي»:  كما كان متوقعا، لم تشهد المواجهات الختامية لذهاب دور الـ16 لدوري أبطال أوروبا، مفاجآت خارج التوقعات، بانتهاء ثلاث مباريات بنتيجة التعادل، مقابل انتصار وحيد حققه حامل اللقب تشلسي على حساب ضيفه الفرنسي الخجول ليل بثنائية نظيفة، لتبقى حظوظ المتعادلين منتصف الأسبوع المنقضي، متقاربة إلى حد كبير، إلى أن يأتي موعد الحسم في إياب الخامس والسادس عشر من مارس/ آذار المقبل، بفضل التعديل الجوهري في قواعد أمجد بطولات القارة العجوز، بإلغاء تراث احتساب الهدف باثنين خارج القواعد في حالة التعادل.

عطل في التحديث

تفنن يوفنتوس ومدربه ماكس أليغري في اغتيال عشاقه وتحطيمهم معنويا، بعد التفريط بغرابة في هدية السماء إلى الأرض، التي تجسدت في اللوحة الإبداعية التي رسمها دوشان فلاهوفيتش، متكفلا بتنفيذ دور لاعبين اثنين على أقل تقدير، لوضع الكرة أمامه بهذه الطريقة، قبل أن يفجر شباك المغلوب على أمره غيرونيمو رولي، بهدف سيبقى عالقا في الأذهان لسنوات، كونه أسرع هدف بالنسبة للاعب لم يركل الكرة من قبل في درة البطولات، ولاحظ أصغر مشجع قبل خبراء التحليل، مبالغة المدرب الكلاسيكي في الدفاع أمام الغواصات الصفراء، كأن تقدمه بهدف في «لا سيراميكا»، يعني أنه قطع نصف الطريق إلى دور الثمانية قبل إياب «يوفنتوس آرينا»، وليس مجرد هدف يسهل تعويضه، وفي النظام الجديد يصبح بلا قيمة إذا عاد صاحب الأرض في النتيجة، وهو ما حدث في أول ربع ساعة من الشوط الثاني، كنتيجة طبيعية ومنطقية، بعد الكم الهائل من المحاولات والفرص الضائعة على بعد أمتار من مرمى الحارس البولندي فويتشيخ تشيزني. والمثير للدهشة، أن أليغري لم يحرك ساكنا إلا بعد دقائق من استقبال هدف باريخو، بإشراك أرثور على حساب لوكاتيلي، في تغيير لم يعط أي إضافة، فقط تحسن الشكل نوعا ما بعد نزول الوافد الجديد دينيس زكريا بدلا من ماكيني بعد إصابته، معها ترابطت الخطوط بصورة أفضل مما كانت على مدار 80 دقيقة، لكن من دون تهديد حقيقي لحامي عرين الغواصات الصفراء، على عكس فريق المدرب أوناي إيمري، الذي عرف كيف يستغل ذعر الضيوف، باللعب بثلاثة في خط الدفاع وأمامهم خمسة في منتصف الملعب، وفي الأمام ألفارو موراتا وفلاهوفيتش في عزلة، أو بالأحرى في أحضان راؤول ألبيول وشريكه باو توريس. ولاحظنا كيف قضى الأخير أغلب أوقات المباراة في وسط ملعب اليوفي، أشبه بلاعب ثالث على الدائرة بجانب رجل المباراة باريخو وكابو، لانعدام الخطورة على الحارس رولي، مع إصرار الفريق الإيطالي على الدفاع لتأمين نتيجة التعادل، إلى أن تتغير الأجواء والمعطيات هناك في تورينو، حين يتسلح الفريق بالجماهير في موقعة البحث عن فك عقدة دور الـ16 لدوري الأبطال، بعد الخروج الصادم في آخر نسختين على يد ليون وبورتو، وسبقها صدمة الخسارة أمام أياكس بهدف مقابل اثنين في إياب ربع نهائي «يوفنتوس آرينا»، في ما كان أول موسم للأسطورة كريستيانو رونالدو بعد قدومه من ريال مدريد.
الشاهد، أن عملاق الكرة الإيطالية كان محظوظا بما فيه الكفاية، لعودته من مدينة فياريال بهذه النتيجة، لظهوره بشخصية ومستوى أقل ما يُقال عنهما مخيب لآمال جماهيره، مقارنة بما قدمه الفريق الإسباني، الذي سيطر على مجريات الأمور، أو كما يقال بالتعبير الدارج «سيطر بالطول والعرض»، فارضا أسلوبه الذي يرتكز على الاستحواذ والتنوع في مباغتة الخصوم، ويحسب للفريق الأصفر أنه لم يستسلم أو ينهار معنويا بعد استقبال هدف فلاهوفيتش في الثانية 32، بل ضاعف رغبة اللاعبين في العودة إلى نتيجة المباراة. وكما أشرنا أعلاه، ما ساعدهم على ذلك، كان المدرب أليغري الذي كرر ما فعله مواطنه كارلو أنشيلوتي الأسبوع الماضي، بالاكتفاء بمشاهدة فريقه وهو يعاني من ضغط وحصار باريس سان جيرمان، وحين تدخل بعد فوات الأوان، لم يعط حلولا جوهرية، لكن بطبيعة الحال، هذا لا يعني أن الأمور قد حُسمت، بل في الغالب سيكون عشاق كرة القدم على موعد مع ملحمة خارج التوقعات في إياب تورينو. ودعك عزيزي القارئ من فكرة أنها ستكون مباراة من نقطة الصفر، لعدم أهمية هدف فلاهوفيتش في إسبانيا، بل لحاجة السيد ماكس ورجاله لحفظ ماء وجههم أمام المشجعين في صدام الإياب، لتحسين صورتهم بعد العرض المتواضع في «لا سيراميكا»، غير أن التجارب والمؤرخين أخبرونا أن يوفنتوس يبقى دائما من الأسماء التي تُجيد فن التعامل مع مباريات خروج المغلوب، كواحد من أكثر الأندية الأوروبية وصولا للمباراة النهائية، لكن من سوء طالعه، خسرها سبع مرات، ولم يحملها سوى مرتين، آخرهما عام 1996 على حساب أياكس أمستردام الهولندي. في المقابل، يُعرف عن هذا الفريق الإسباني شراسته وحدته في معاركه أمام العمالقة سواء على مستوى الليغا أو خارجها، وذلك منذ بداية شهرته في منتصف العقد الأول في الألفية الجديدة، قبل أن يتحول إلى ذاك الفريق المتمرس على الأجواء الأوروبية، بفضل أسلوبه الهجومي الجريء، كفريق يمتع عشاق كرة القدم بأرقى فنون اللعبة سواء في ملعبه أو خارجه، وإلا لما فجر المفاجأة الموسم الماضي، بالظفر باليوروبا ليغ على حساب مانشستر يونايتد، وهذا يعني، أنه يهاب رد فعل السيدة العجوز، بل كعادته سيحاول فرض شخصيته داخل المستطيل الأخضر، ولن يلجأ للطرق والأفكار الدفاعية، لذا ستكون موقعة «يوفنتوس آرينا»، من المباريات القليلة، التي يستحيل التنبؤ بنتيجتها، لإمكانية حدوث أي شيء، بما في ذلك سيناريو الذهاب إلى ركلات الترجيح، إذا انتهت بأي تعادل سواء سلبي أو إيجابي.

شخصية البطل ونحس الهداف

في نفس توقيت القمة الإيطالية الإسباني، كان حامل اللقب تشلسي، يستفرد بضيفه الخجول ليل، في المباراة التي جرت على ملعب «ستامفورد بريدج»، وكنا نعرف جميعا أنها ستنتهي بفوز سهل ومريح للبلوز، إلا إذا حدثت معجزة كروية، وبعيدا عن النتيجة المريحة بالفوز بهدفين نظيفين، كان واضحا أن الفريق بدا بنسخة مختلفة تماما، عن تلك التي كان عليها في مبارياته المحلية الأخيرة، بالكاد نفس الأداء والعقلية التي ختم بها الموسم الماضي، حين قهر ريال مدريد في نصف النهائي ثم الجار الغريم مانشستر سيتي في نهائي «الدراغاو»، ووضح ذلك من خلال تواضع اللاعبين واحترامهم للمنافس، حتى بعد أخذ الأسبقية في أول ثماني دقائق عن طريق كاي هافيرتز، لم يتسلل الغرور إلى حكيم زياش ورفاقه، بل حافظوا على الأداء المتوازن، وعدم الوصول لما يُعرف بالتطرف في الهجوم، تفاديا للمفاجآت التي لا تخلو من هكذا مواعيد، ليضرب البلوز عدة عصافير بحجر واحد، منها ضمان الاستمرار في حملة الدفاع عن الكأس ذات الأذنين، وإعطاء رسائل للجميع، أن البطل مستعد لأي منافس بنسخة طبق الأصل من تشلسي توخيل العنيد. وفي عبارة أخرى، تشلسي قبل وصول الدبابة البلجيكية روميلو لوكاكو، الذي تسبب بطريقة أو بأخرى في هبوط منحنى الفريق، وبالأخص أرقام المهاجمين، بالمستوى المتواضع الذي يقدمه مع الفريق، على عكس نسخته المخيفة تحت قيادة أنطونيو كونتي هناك في الإنتر، والدليل على ذلك، الإشادة التي تلقاها كاي هافيرتز، ليس فقط لنجاحه في التسجيل المبكر، بل أيضا لتأثيره الإيجابي في التحسن الواضح في الخط الأمامي، مقارنة بمأساة دربي كريستال بالاس، الذي خرج منه لوكاكو بلمس الكرة 7 مرات، منها مرة في ركلة البداية، هذا بخلاف ميزة إراحة اللاعبين ورفع نسبة المداورة، مع اقتراب أكثر فترات الموسم ازدحاما للمباريات، بضغط المباريات المحلية، خصوصا مباريات الكؤوس بعد الوصول لنهائي كأس الرابطة والاستمرار في كأس إنكلترا، بجانب صداع تجمع مارس / آذار الدولي، الذي سيعقبه شهر أبريل / نيسان، المعروف بشهر الحسم وجني الثمار، ومكاسب أخرى بالجملة حققها تشلسي قبل نزهة ليل في منتصف الشهر المقبل، مثل مكاسب ليفربول ومانشستر سيتي الأسبوع الماضي، بفوز الريدز، منافسه في نهائي كأس الرابطة اليوم، خارج ملعبه على الإنتر، والسماوي أذل لشبونة بخماسية بلا هوادة في قلب العاصمة البرتغالية.
بوجه عام، كان تشلسي الأكثر استفادة من مواجهات الثلاثاء والأربعاء، حتى أياكس أمستردام الذي كان مرشحا فوق العادة لتخطي بنفيكا في ملعبه «النور»، استنادا إلى العروض الهوليوودية والأرقام الخارقة التي يحققها الفريق تحت قيادة العراب إيريك تين هاغ، والتي وصلت لحد تسجيل 108 أهداف واستقبال 10 منذ بداية الموسم، هو أيضا واجه مصير يوفنتوس، بالتفريط في تقدمه مرتين، حيث كانت المرة الأولى بأخذ الأسبقية عن صاحب الرقم 10 دوشان تاديتش، وبعدها أفسد هداف البطولة سباستيان هالر فرحة مدربه وزملائه بالتقدم، بتسجيل هدف بالنيران الصديقة في شباك الحارس ريمكو باسفير، قبل أن يصحح الخطأ بتسجيل هدف التقدم بعد ثلاث دقائق فقط من الهدف العكسي، لكن بعد ذلك، أثبت الفريق البرتغالي أنه لم يترشح على حساب برشلونة بضربة حظ أو من قبيل الصدفة، بعودته في النتيجة بواسطة الأوكراني الحزين في هذه الساعات رومان ياريمتشوك، لتبقى فرصه قائمة في استعادة أمجاد الماضي البعيد، بالتقدم أكثر في البطولة، على أمل كسر عقدة المجري بيلا غوتمان، الذي أقسم في ستينات القرن الماضي، أن الفريق لن يعود إلى مناص التتويج مرة أخرى في أوروبا، إلا بعد قرن من الزمان، ولو أنه من ناحية المنطق، ستكون فرص الفريق الهولندي أقوى، في حال استعاد النسخة المخيفة التي يجلد بها خصومه سواء على المستوى المحلي أو القاري منذ بداية الموسم.

قمة من ورق

تزامنا مع مباراة بنفيكا وأياكس، توجهت جُل الأنظار اتجاه ملعب «واندا متروبوليتانو»، لمتابعة قمة قمم الأسبوع بين صاحب الأرض أتلتيكو مدريد وضيفه الإنكليزي الثقيل مانشستر يونايتد، في مباراة اعتقد البعض أنها قد تكون منعرج طريق بالنسبة لأي فريق، بسبب الظروف الصعبة التي تعصف بالاثنين في الآونة الأخيرة، لا سيما في نتائج عطلات الأسبوع في البريميرليغ والليغا، لكن على أرض الواقع، لم تحدث سوى مفاجأة واحدة، وهي تحرر دييغو سيميوني وجرأته حتى بعد التقدم بهدف جواو فيليكس المبكر، ولولا سوء الطالع وصمود ديفيد دي خيا وصمود هاري ماغواير ورافاييل فاران في أول 45 دقيقة، لكانت مباراة «مسرح الأحلام» مجرد تحصيل حاصل، وهذا أمر غير معتاد على التشولو، خصوصا في مباريات خروج المغلوب في دوري الأبطال، حيث كان يخوض مبارياته في العاصمة الإسبانية، بنزعة دفاعية أكثر من مبارياته في الخارج، وهذا أمر يؤرق الجماهير، التي لم تتذوق طعم الفوز على أحد الكبار، منذ خطف ليفربول في ذهاب «واندا متروبوليتانو» قبل جائحة كورونا، والتفسير الوحيد لهذه الظاهرة، أن المدرب الأرجنتيني استجاب للتغيير وقرر مواكبة العصر، باعتماد شعار «خير وسيلة للدفاع هي الهجوم»، وليس العكس كما اعتدنا منه منذ ظهوره على الساحة العالمية كمدرب مع الهنود الحمر في العام 2011، لكنه لم يكن محظوظا بما فيه الكفاية، وفي الأخير دفع فاتورة باهظة الثمن، باستقبال هدف في توقيت ولا أسوأ، ومن مراهق صغير لم يكن في الحسبان، وهو أنتوني ايلانغا، الذي أحسن استغلال التمريرة الحريرية في ظهر المدافع، ليهز شباك أفضل حارس في الليغا لسنوات يان أوبلاك، بتسديدة بالتقنية البرازيلية الأرضية، التي يعجز معها حراس المرمى، هذا في وجود كل أسلحة المدرب رالف رانغنيك الثقيلة، في مقدمتهم هداف البطولة التاريخي كريستيانو رونالدو وباقي معاونيه في الثلث الأخير من الملعب ماركوس راشفورد وجادون سانشو، لكن القاسم المشترك بينهم، هو الظهور الباهت والخجول، بالذات صاروخ ماديرا، الذي فشل مجددا في تسديد ولو كرة واحدة بين القائمين والعارضة، بنفس الطريقة التي كان عليها قبل انفراج أزمته مع التهديف أمام بيرنلي في الأسبوع قبل الماضي للبريميرليغ، رغم أنه قبل المباراة كان يمثل طوق النجاة بالنسبة للجماهير، وأكثر لاعب يعول عليه الجميع هناك في الجزء الأحمر من مدينة مانشستر، لسجله الخرافي في مبارياته أمام الأتلتي على وجه الخصوص، بهز شباكهم في 30 مناسبة سابقة، آخرها الهاتريك الخالد في إياب دور الـ16 بقميص يوفنتوس في نسخة 2018-2019، لكن من حُسن الحظ، تفادى اليونايتد مشقة اللعب أمام التشولو متأخرا بهدف أو اثنين، لتبقى الحظوظ متساوية بين العملاقين في إياب «أولد ترافورد»، مع فرصة جديدة للدون من أجل ممارسة هوايته المفضلة، بدك شباك يان أوبلاك وبالتبعية قيادة الفريق إلى دور الثمانية، كأقل تعويض للجمهور بعد العرض الباهت، بالذات في أول 45 دقيقة، وأيضا سلسلة النتائج السيئة التي قد يدفع اليونايتد ثمنها بخسارة المركز الرابع المؤهل لدوري أبطال أوروبا الموسم المقبل، أما المدرب الأرجنتيني، سيحاول استنساخ ما فعله في «آنفيلد» قبل عامين، حين قلب الطاولة على محمد صلاح ورفاقه، بالفوز بثلاثية مقابل اثنين، بعد التأخر بثنائية نظيفة مع بداية الشوط الثاني، فمن يا ترى سيستغل الفرصة ويتغلب على أحزانه المحلية بالوصول الى دور الثمانية؟ هذا ما سنعرفه منتصف الشهر المقبل.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية