هل تنتصر التكنولوجيا على العقيدة؟

حجم الخط
0

هل يستطيع جبان ومجرم مسلحٌ جيّداً أن ينتصر على شجاع وفارس وصاحب حقٍّ وقضيّة عادلة! لأنّ سلاح صاحب الحق أقل جودة من سلاح المُجرم والمعتدي البلطجي!
هنالك مثال مصطفى محمود يقول فيه، إنّه إذا غرق قارب وكان على متنه رجلان؛ كافر يجيد السّباحة ومؤمن لا يعرف العوم، فإن الكافر سوف ينجو من الغرق، أما المؤمن فسوف يغرق.
هذا التساؤل ردّ عليه القرآن الكريم بالآية الكريمة «وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّةٍ ومن رباط الخيل، تُرهبون به عدوَّ الله وعدوَّكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم، الله يعلمهم».
هذه بديهيات، بأنّ نوعية السّلاح الجيّدة والإعداد والتدريب والحشد المعنوي، يحسم مصير المعارك.
وإذا كان السّلاح متوازناً مثلاً، فقد تغلبُ فئة قليلة فئة كبيرة، بسبب إيمان القلّة بهدفها، وبفضل التنظيم الجيّد، مقابل كثرة متفرّقة ليس لديها هدف محدّد تسعى لتحقيقه.
في الآية الكريمة «إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين، وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا»، صدق الله العظيم.
منذ العصور القديمة تغنى الشّعراء العرب بنوعية سلاحهم، نظموا الشِّعر في السّيوف والرماح والدروع وغيرها من عتاد.
ولا وجود للغة في العالم وصل عد تسميات السيف فيها إلى 300 اسم.
ولسيوف فرسانهم أسماء، أشهرها سيف علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، (ذو الفقار).
كذلك للقوس أسماء عديدة: الكتوم، الزوراء، اللؤام، الراصف. وهنالك أسماء عدّة للرّمح.
وفي هذا توجد دراسة بعنوان «صورة السِّلاح في ديوان أوس بن حجر»، للدكتور مصطفى حدّاد، من سوريا.
ودراسة أخرى لفاطمة علي المعمري من دولة الإمارات العربية، بعنوان «السّلاح في الشِّعر الجاهلي: أبعاده النفسية والاجتماعية».
وقال جبران خليل جبران، ويلٌ لأمّة تأكل مما لا تزرع، وتلبس مما لا تخيط، وتشرب مما لا تعصر. ويقول المثل الشّعبي في هذا «زيوان البلد ولا قمح الجلَب» و«زيوان بلادي ولا قمح صليبي».
وهذا ينطبق على مجالات أخرى أهمّها السّلاح، فالأمة ممكن أن تستغني عن الأندومي والباستا والكوكاكولا وسراويل الجينز وعطور اللونكوم والويكسي والدّببة الحمراء، لكنّها لا تستطيع أن تستغني عن السِّلاح، وويل لأمة تتسلّح بغير ما تنتجه أيدي أبنائها وعقولهم.
الأمم التي لا تصنع سلاحها تظلُّ رهينة لصانع السِّلاح، يبيعه لها أو لا يبيعه، أو يبيعه بشروط، وفي الأسلحة الحديثة يكون المُنتِج قادراً على فرملة فعاليتها بكبسة زرٍّ من الطّرف الآخر من العالم، كذلك ممكن لأي صفقة سلاح مع الأجنبي أن تكون أقلّ نوعية من المُنتَج الأصلي، ويمكن لأيدٍ غريبة ومعادية أن تمتد إليها وتعبث بها. شكا أهلنا وأجدادنا في عام النكبة من قلّة السّلاح، ومن الرّصاص المغشوش، والبنادق القديمة، في مواجهة الرّشاشات والمدافع والطائرات البريطانية والأمريكية ثم صفقة السّلاح التشيكي الشهيرة، والتي حسمت ميزان الحرب عام 1948 لصالح العصابات الصهيونية.
في إمكان شركات الصناعات الدقيقة الحديثة التحكّم من بعيد بالحافلات وغيرها من الآلات وأجهزة، فهي تُخبر سائق الحافلة بأن حرارة المحرّك في حافلته مرتفعة وعليه التوقف فوراً لإصلاح العطب، وتخبره بأنّ أحد الدواليب ينقصه الهواء، وإذا ما كان أحد المصابيح ضعيفاً فعليه إصلاحه، وبإمكان شركات التسويق وقف عمل محرّك السّيارة وتقييده من بعيد إذا كان صاحبها مَديناً للشّركة أو الوكيل، كذلك ممكن وقف عمل محرّك السّيارة من بعيد إذا ما سُرقت، وهذا ينطبق تماماً على الأسلحة.
أشعر بالخجل عندما أرى استعراضاً عسكرياً لجيش عربي عرمرم، يستعرض فيه مختلف أنواع الأسلحة، من طيران متقدّم ودبابات وصواريخ أكثرها من الصناعة الخارجية وخصوصاً الأمريكية، عندما تمنح أمريكا سلاحاً لدولة ما، فيمكن بدون اجتهاد، إدراك وجهة هذا السّلاح، وإلى أي جهة يُمنع توجيهه، وإلا فإنّه سيجري تقييده من بعيد.
عروض الأسلحة من الصناعات الأجنبية تظهر ضعف البلد وليس قوّته، فالدّول القوية التي يحقُّ لها أن تفتخر وتستعرض هي تلك التي تصنع سلاحها بأيدي وعقول أبنائها، حتى ولو كان أقلَّ جودة وفعالية من السّلاح المستورد.
قدّمت إسرائيل يوم الثلاثاء، الأوّل من أمس، نموذجاً متقدّماً من الحرب التكنولوجية، التي تعتمد كلِّياً على السّيطرة والتحكم من بعيد، وعلى خطورة أن يكون سلاحك وعتادك من صُنع الأجنبي.
هناك من يقولون إنّ هذه التقنية استعملها الأمريكيون خلال غزو العراق، ويعني أن أمريكا شريكة في ما حدث.
هذا ليس غريباً، بل هو الأمر الطبيعي جداً، أمريكا شريكة في كل صغيرة وكبيرة في حروب إسرائيل.
أصيب آلاف من رجال حزب الله بجروح واستشهد كثيرون، ولكن الضّرر المعنوي أهمُّ بكثير من الجانب العسكري والمادي، فهي عاصفة معنويّة لرجال الحزب، وهو سؤال يوجّهه كلُّ مقاتل منهم وبحقّ، سواء بينه وبين نفسه أو يعلنه لقادته، وخصوصاً لأولئك الذين يشرفون على التّسليح والتجهيز، فهي ليست العملية الأولى التي تظهر فيها إسرائيل قدرات على اقتفاء رجال الحزب وقادته ونشطائه واستهدافهم.
هذه نقلة نوعية يُستشفُّ منها شكل الحروب القادمة التي ستكون من غير دخان دبابات أو هدير طائرات ولا أصداء قصف مدفعي، قد تكون الحروب بلا صوت ولا غبار.
تملك إسرائيل تكنولوجيا متقدمة، وفوق هذا تملك قوّة ونفوذ أمريكا وألمانيا وغيرهما من دول حليفة، ولها عدد لا يحصى من العملاء، من العرب وغير العرب.
لا شكّ أن هذه الضربة أعادت للإسرائيليين ثقتهم التي تزعزعت بعد السّابع من أكتوبر الماضي بقدرات الموساد.
في مقابل هذا، فإن حزب الله أثبت قدرات لم تكن معروفة من قبل، ولديه إنجازات عسكرية استخبارية كبيرة، مثل معرفة مواقع حسّاسة في إسرائيل، ومحاولة ضربها، وإرسال مسيّرات لوقت طويل نسبياً فوق مناطق حسّاسة دون كشفها، وصواريخ دقيقة تصل أهدافها، أو يتم اعتراضها.
نجح «حزب الله» في الماضي عدة نجاحات في حربه الإلكترونية، منها في حرب تمو/يوليو عام 2006، حيث كان يعلن بدقّة كبيرة عن أعداد المصابين والقتلى في صفوف الإسرائيليين، وأحياناً كان يعلن عن رتبهم العسكرية، قبل إعلان جيش الاحتلال عنها.
قبل أيام، أعلن مسؤولون في إسرائيل عن كشف عبوّة ناسفة وضعت في الطريق إلى بيت مسؤول أمني سابق كبير، وذلك لتفجيرها عن بعد، ولكنّها كُشِفت. ويقول مسؤولون إنّ عملية مشابهة وقعت قبل عام في منطقة تل أبيب، وراءها حزب الله، وفي كتاب لأحد المختصين الأمنيين الإسرائيليين يدعى (روبين بيرغمان) يقول إنّ «حزب الله» تمكّن من دسّ هاتف مفخّخ إلى الوحدة 8200، وذلك في العام 1999 في جنوب لبنان، أدى إلى إصابة ضابطين.
هل تنتصر التكنولوجيا المتقدّمة على العقيدة؟ لا شكّ أنّ ما حدث هو ضربة معنوية موجعة لـ«حزب الله» وحلفائه. من جهة أخرى، فإنّ العقيدة التي يعمل الحزب تحت رايتها، إضافة إلى الواقعية في إدارة الصراع، تجعله قادراً على تجاوز الصدمة والاستفادة منها وبسرعة كبيرة، كما فعَل في جولات سابقة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية