صنعاء ـ «القدس العربي»: تسبب استمرار هطول الأمطار الغزيرة على مناطق اليمن منذ منتصف نيسان/ إبريل في انهيار سبعة منازل تاريخية، مسجلة لدى منظمة «اليونسكو» في مدينة صنعاء القديمة، وسقوط سقوف نحو 17 منزلاً حتى كتابة هذا المقال، وتضرر 256 منزلاً، بالإضافة إلى انهيار جزء من سورها الجنوبي؛ وهو وضع مازال يهدد بانهيار منازل أخرى، مع استمرار هطول الأمطار، وتزايد إهمال السكان لصيانة منازلهم في هذه المدينة التاريخية، وتقاعس المؤسسات الحكومية عن القيام بمسؤولياتها تجاه حماية تراث المدينة المعماري.
كما أن خمسة آلاف مبنى، وفق مسؤول في الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية في صنعاء، قد تعرضت لأضرار غير مباشرة و129 مبنى تعرضت لأضرار شديدة، جراء غارات مقاتلات التحالف، التي سبق واستهدفت ثلاثة أحياء في المدينة: حي الفليحي، حي القاسمي، منطقة المدرسة. وحسب الهيئة ذاتها فإن المئة وتسعة وعشرين منزلاً معرضة للسقوط، وغيرها من المباني جراء تعرضها لأضرار بسبب غارات الطيران، وإهمال السكان لصيانتها واستمرار هطول الأمطار، الأمر الذي ينذر بكارثة قد تحل بالمدينة في حال استمرار الوضع الراهن على ما هو عليه.
256 منزلا
وفيما حملت الهيئة السكان مسؤولية ما تتعرض له المنازل من أضرار، وصولاً إلى الانهيار جراء إهمالهم صيانتها، حملّت دعاء الواسعي رئيسة مؤسسة عرش بلقيس للتراث (مؤسسة مجتمع مدني) في حديث لـ»القدس العربي» المسؤولية للهيئة والسكان، ومعهم كافة الجهات الحكومية ذات العلاقة، موضحة أن عدد المنازل المتضررة داخل المدينة حتى الآن وصل إلى 256 منزلاً .
وقالت الواسعي، إن الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية في صنعاء عجزت عن تنفيذ أعمال الترميم منذ بدء الحرب، لأسباب كثيرة منها، شحة الموارد بالإضافة إلى أن السكان أهملوا منازلهم وتخلوا عن مسؤولياتهم، على حد تعبيرها، «كشفت لنا الأمطار مدى الإهمال وعدم المبالاة بالمباني التاريخية، سواء من الجهات المعنية أو المواطنين أنفسهم». وأشارت الوادعي إلى أن المنزل الواحد داخل المدينة تسكنه أكثر من أسرة، وبعض البيوت هجرها أهلها، ونتيجة لأن بعضها ملك عدد من الورثة فهم غالباً لا يتفقون على الترميم مما يجعلهم يتركوا البيت للزمن. وأكدت على أن «استمرار هطول الأمطار في ظل هذه الحال قد يعرض المدينة إلى خسائر كبيرة قد تصل إلى أكثر من نصف المدينة».
وتعد مدينة صنعاء القديمة من أهم مدن اليمن التاريخية، وقد أنزلتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو) على قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر عام 2015، بعدما ظلت مسجلة في قائمة التراث العالمي منذ عام 1986. وانهار منزل في حي سمرة في الجانب الغربي من المدينة، وتسبب بوفاة رجل وإصابة زوجته، فيما انهار منزل آخر مكون من أربعة طوابق في حارة معمر، ومنزل ثالث جوار الجامع الكبير، ومنزل رابع في حارة صلاح الدين ومنازل أخرى لم تسلم من الانهيار… فيما مازالت المنازل المجاورة مهددة بالسقوط. وتعاني المدينة من الإهمال وتوقف معظم أعمال الصيانة والترميم لمبانيها، علاوة على أن بعض الأهالي يتعمدون إهمال منازلهم، مما يؤدي إلى انهيارها، بما يمنحهم فرصة إعادة بنائها بالخرسانة في ظل انتشار مخالفات البناء داخل حرم المدينة… مع تراجع السلطات عن القيام بواجبها في ضبط المخالفات المعمارية وإلزام السكان بالصيانة، ومساعدة الآخرين في الترميم، وحماية المدينة من الأضرار الناجمة عن اهتراء شبكة مياه الشرب والصرف الصحي، التي تلحق أضراراً في أساسات المنازل.
مازال عمر المدينة مجهولاً كمعلومات دقيقة تعتمد على تحقيق أثري؛ إلا أن الثابت أنها من أقدم المدن التاريخية العربية المأهولة بالسكان منذ أكثر من 2500 سنة.
عوامل كثيرة صنعت واقعاً سيئا أصبحت معه المدينة تواجه تحديات وتهديدات لنمطها الحضاري؛ والذي وضعت، من خلاله، في قائمة التراث العالمي لمنظمة «اليونسكو». كما أن تقاعس السلطات المختلفة كوزارة الثقافة ووزارة الأوقاف ووزارة المياه ووزارة الداخلية والسلطة المحلية وغيرها، عن القيام بدورها، زاد من التحديات التي تتعرض لها المدينة؛ ولهذا فبمجرد أن هطلت الأمطار بغزارة على صنعاء كانت الأضرار سريعة ومباشرة.
تحقيق أثري
مازال عمر المدينة مجهولاً كمعلومات دقيقة تعتمد على تحقيق أثري؛ إلا أن الثابت أنها من أقدم المدن التاريخية العربية المأهولة بالسكان منذ أكثر من 2500 سنة. تبقى المدينة بحاجة لبحث أثري لمعرفة أقدم تاريخ يعود إليه بنائها، إذ مرّ تاريخها بمراحل تعرضت فيها للهدم؛ وإعادة البناء والتوسع والانحسار، إلى أن استقرت على وضعها الراهن بين ما تبقى من سورها، مع تمدد لبعض الأحياء خارج الأسوار؛ لكن الأحياء خارج أسوارها ليست بقدم المدينة التي داخل الأسوار. كانت صنعاء مركزاً رئيسياً لنشر الإسلام في القرنين السابع والثامن. وتزخر بتراث ديني وسياسي في عمارة 103 مساجد و 14 حماما، وأكثر من ستة آلاف منزل بُنيت جميعها قبل القرن الحادي عشر. ويعد سوق المدينة من أهم معالمها الحضارية ومراكزها الاقتصادية لمحافظته على نمط خاص في البناء والتوزيع، والتزامه ضوابط معينة في التعامل، ويمثل سوق الملح قلب المدينة ومركزها. وسوق الملح هو اسم لسوق يشمل عدد من الأسواق كسوق البز وسوق الزبيب وسوق البقر وسوق اللقمة وغيرها، من الأسواق المتخصصة، وكان لهذه الأسواق قانون قديم يحكمها، ومازالت بعض أعرافه يتعارف عليها البعض.
حافظت هذه الأسواق على تراث عدد من الحرف التقليدية، لكن طغيان المستورد الرخيص أثر بشكل كثير على استمرار بعض الحرف وتراجع بعضها واختفاء عدد منها.
تهديد الأمطار
ومازالت الأمطار الغزيرة في اليمن، تمثل تهديداً لجميع المدن والمعالم التاريخية في البلاد، وفي المقدمة منها إلى جانب صنعاء مدينتا زبيد وشبام حضرموت المسجلتان إلى جانب صنعاء في قائمة التراث العالمي، وغيرها من المعالم والمدن والمواقع الأثرية، التي نالها بعض الأضرار جراء الأمطار والسيول، مما ضاعف من المأساة الإنسانية في كثير من مناطق البلاد، خاصة تهامة.
وأصدرت هيئة المحافظة على المدن التاريخـــــية في صنعاء بياناً طالبت فيها منظمة اليونسكو بإطلاق نداء عالمي لإنقاذ مدن صنعاء القديمة وزبيد وشبام حضرموت من الأضرار التي تسببت بها الأمطار والسيول.
أحمد الرباعي أمين عام اللجنة الوطنية اليمنية لليونسكو في صنعاء أوضح، أن اللجنة على تواصل وتنسيق مع مكاتب اليونسكو الإقليمية والمكتب الرئيس، وقال لـ»القدس العربي»: لقد رفعنا مناشدة إلى اليونسكو بسرعة التحرك من أجل إنقاذ مدينة صنعاء القديمة والمدن التاريخية اليمنية المدرجة في قائمة التراث العالمي، وهناك تجاوب من اليونسكو، وننتظر الإسراع في اتخاذ إجراءات سريعة واستخدام التمويل من مشاريع التراث الطارئة في الصندوق العالمي للتراث. وأضاف الرباعي: «نحن بصدد إعداد إحصائية مبدئية بالأضرار، التي لحقت بالمدن التاريخية صنعاء وزبيد وشبام. اليونسكو لديها أعمال صيانة وترميم لبعض المباني القديمة في المدن التاريخية القديمة الثلاث، بدأ تنفيذها منذ أشهر، الصندوق الاجتماعي للتنمية. ما حصل حالياً هو أمر طارئ وكارثة طبيعية، وتحتاج إلى استجابة طارئة من المنظمات الدولية المعنية، وسنظل على تواصل مستمر مع المنظمة للتعجيل بإنقاذ المدن التاريخية».
واستطرد: «الكارثة طبيعية وفوق إمكانات الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية، وإمكانات الحكومة ضعيفة بسبب الحرب والحصار؛ لذلك نحتاج إلى تدخل المنظمات الدولية للقيام بواجبها وفق الاتفاقيات الدولية لحماية التراث الثقافي المادي واللامادي». مؤكداً على أن «الجميع، في الوقت ذاته، يتحملون المسؤولية، وعلينا حاليا ترك اللوم لبعضنا والتركيز حول كيفية العمل يداً بيد لإنقاذ مدننا التاريخية وتراثنا الإنساني العالمي».