نواكشوط ـ «القدس العربي»: ليست الانتخابات التي تشهدها موريتانيا اليوم انتخابات بين مترشحين متنافسين على الكرسي، فأمر الكرسي محسوم سلفا لصالح الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز الساعي لمأمورية أخرى، لما يتمتع الرجل من عوامل النجاح الأكيد، ولما يتسم به منافسوه من ضعف شديد.
فالانتخابات الرئاسية التي تشهدها موريتانيا اليوم هي في حقيقة الأمر، استفتاء شعبي حول أحقية الرئيس ولد عبد العزيز أو عدم أحقيته، في تنظيم انتخابات تقاطعها المعارضة الراديكالية؛ ولذا فإن المهم فيها هو نسبة المشاركة الحقيقية فإذا ارتفعت هذه النسبة كان الفائز في الرهان هو الرئيس ولد عبد العزيز، وإن ضعف الإقبال على صناديق الاقتراع وتدنت المشاركة كان المنتصر في المضمار هو المعارضة الموريتانية التي جمعت صفوفها وجذبت إليها ما أمكن من نقابات وجمعيات، لمواجهة رئيس يسيطر على الدولة ووسائلها وعلى الإدارة ومصالحها ويتمتع بولاء تقليدي من غالبية القبائل، وتقف المؤسسة العسكرية إلى جانبه، ولا تتدخل المجموعة الدولية في شؤونه.
طرحت «القدس العربي» الإشكالية التي تطرحها مقاطعة هذه الانتخابات، وعرضت للتحليل ما ينتظر موريتانيا بعدها، عبر استجوابات لعدد من المحللين المحايدين وعلى سياسيين من صفي الموالاة والمعارضة.
يقول الشيخ سيد أحمد ولد حيده رئيس منظمة شباب حزب التكتل المعارض «أن مقاطعة الانتخابات البلدية والتشريعية الماضية اعتبرها المشاركون قبل المقاطعين فاقدة للشرعية، حيث لم تتجاوز نسبة المشاركة فيها 33 بالمائة من الموريتانيين البالغين سن التصويت، رغم استخدام المال السياسيي وسلطة القبيلة وغير ذلك من الوسائل غير المشروعة ، أما ما يدعيه النظام من أن نسبة المشاركة وصلت 75 بالمائة فهي مغالطة ، وستثبت القوى الديمقراطية أن نسبة المشاركة ستكون أقل من النسبة الماضية بالكثير في انتخابات 21 يونيو القادمة».
المعارضة همشت نفسها
ويرى محمد محمود ولد محمد أحمد وهو محلل سياسي مستشار لمدير وكالة الأنباء الرسمية «أن تأثير المقاطعة سيكون محدودا حيث أن المعارضة ارتكبت خطئا بتهميش نفسها في استحقاق لا تتحكم فيه لوحدها، كما أن الرئيس فاز عليها بتوجهه نحو هموم الناخبين من الفقراء وحل مشاكلهم».
ويضيف «..الرئيس عزيز يتمتع بثقة المجتمع الدولي لكونه قد كسب الحرب على الإرهاب ولذا فلن يكون هناك اعتراض على انتخابات تسيرها لجنة مستقلة ولا تتدخل فيها الحكومة».
أما الصحافي الباحث الحسين ولد محنض المدير الناشر ليومية «الأمل الجديد» فيرى «أن مقاطعة المعارضة للانتخابات ستؤثر من جهة ومن جهة لن تؤثر».
ويشرح هذا قائلا «..هذه الانتخابات ستجد من الشرعية الدولية والمشاركة الداخلية ما يسمح لها أن تمر كما يحدث عادة في الدول العربية والافريقية، وهي لن تتأثر في هذا الجانب»..
«لكن، يضيف الحسين، تعلمون أن الرئيس المنتهية ولايته وصل للسلطة أصلا بانقلاب ثم في انتخابات عام 2009، طعنت القوى المعارضة في شرعيتها، ولم يزل طيلة الفترة الماضية يبحث عن الشرعية وقد كان في إمكانه أن يجدها بإشراك المعارضة في الانتخابات الحالية لكنه قد ضيع هذه الفرصة، فستمر هذه الانتخابات دون أن يتمكن عزيز من تحقيق حلم الشرعية الذي كان يطمح له من خلال الحوار الذي فشل وتعطل».
المقاطعة مؤثرة
وحول تأثير قرار المقاطعة، يجزم عبد الله ولد عبد الحي مسؤول الإعلام في المكتب التنفيذي لحزب الاتحاد والتغيير الموريتاني «بأنه سيكون قويا وهو ما يؤكده حجم المسيرة الكبرى التي نظمتها المعارضة الأربعاء الأخير».
ويتوقع «ألا تتجاوز نسبة المشاركة 50 بالمائة وهي نسبة يرى أنها لن تكون دقيقة لما يتمتع به النظام من مهارة في التزوير».
العامل الخارجي متحكم
ويرى موسى ولد حامد وهو المدير العام ليومية «بلادي»، «أن نظام ولد عبد العزيز ليس من الأنظمة التي لها فلسفة في الحكم، فنظامه نظام فردي لا يهتم إلا بالخارج لأنه مسيطر على الداخل وهو يتحكم بدقة في الانتخابات وفي تحديد نسبة المشاركة وهذا ما يجعل النسبة التي ستصدر عن الانتخابات غير معبرة عن الواقع وعليه فلن يظهر تأثير المقاطعة في الأرقام وإن كان تأثيره لا بد أن يكون موجودا نظرا لحجم التشكيلات السياسية والحزبية المعارضة».
لا تأثير للمعارضة
أما مامدو سك وهو من أصل زنجي يراسل وكالة الأنباء الإفريقية، فيعتقد «أن نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية ستكون أقل من نسبة المشاركة في الانتخابات النيابية والبلدية الماضية، لكن ما من شك، في أن الرئيس عزيز سيجد نسبة نجاح مريحة جدا مهما فعلت المعارضة».
ويعتبر المختار ولد عبد الله مسؤول الإعلام في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية «أن المعارضة المقاطعة قلة قليلة للغاية، وقد خرجت بقرار المقاطعة عن الأعراف الجمهورية مما جعلها فئة ضيقة الأفق».
وأضاف «..هذه المعارضة المقاطعة حتى لا أقول المتنطعة، لن تؤثر في الانتخابات الرئاسية لأنه لا وجود لها وهو ما أظهرته الانتخابات النيابية والبلدية الأخيرة التي قاطعتها هذه الفئة ووصلت نسبة المشاركة فيها ل75 بالمائة، كما أكدته انتخابات 2009 التي لم يجد فيها هؤلاء المقاطعون اليوم والمترشحون إذ ذاك، مجتمعين، نسبة 15 بالمائة».
وقال « إنني أجزم أن أغلبية الموريتانيين سيصوتون مع أن نسبة المشاركة في مثل هذه الانتخابات مرهونة بمدى تحفيز المترشحين وتشجيعهم للناخبين على التصويت».
وبخصوص الآفاق التي تنتظر موريتانيا، اختلفت آراء المستجوبين حيث يرى الحسين ولد محنض « أن الأزمة السياسية ستتواصل وسيزداد الاحتقان، وستنضاف للإشكالات السياسية التي كانت مطروحة، بعد الانتخابات، إشكالات جديدة».
ويؤكد ولد محنض «أن الآفاق ستكون قاتمة لأن المترشحين الحاليين للرئاسة يعبر كل واحد منهم عن لون من ألوان المجتمع مما يجعل الهزائم المتوقعة ستنعك نفسيا على المجموعات العرقية، وهنا يتجلى خطر غياب الطبقة السياسية التقليدية واستبدالها بالقبيلة والجهة».
الحوار أو المجهول
ويجزم ولد محنض «بأن أطراف المشهد السياسي لا بد أن يتجهوا من جديد للحوار وإلا فالمجهول سيكون هو سيد الموقف».
ويتابع الحسين ولد محنض «لكن الجديد أن أي حوار سياسي لا بد أن يمر بمراجعة الانتخابات السابقة بما فيها الانتخابات الرئاسية ثم البلدية والبرلمانية لأن هناك عوامل ذاتية قائمة بينها عامل السن الطارد لبعض المرشحين، ولن يعترف هؤلاء المعارضون، إذا فتح حوار جديد، بالانتخابات ولن يقبلوا باعتمادها والبناء عليها».
حزب الإسلاميين قد يحل
ويرى موسى ولد حامد «أن موريتانيا بعد الانتخابات هي نفسها موريتانيا الآن حيث التأزم السياسي والاحتقان الشديد».
ويتوقع الصحافي ولد حامد «أن يلجأ نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز، كعادته، لافتعال حدث كبير يشغل به الرأي العام عن الانتخابات؛ وقد يكون ذلك الحدث حل حزب الإسلاميين الذي يعتبره الكثيرون أمرا ما زال مطروحا، وقد تصل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية حدا يفجر الوضع ويربك الوضع العام في البلد». ويؤكد عبد الله ولد عبد الحي «أنه من غير الممكن التنبؤ بما سيحدث لأن الرئيس محمد ولد عبد العزيز لا يحكم بمعطيات ثابتة فهو يحكم بطريقة بهلوانية لا تعتمد على أي شيء».
وحول الآفاق يقول الشيخ سيد أحمد ولد حيده رئيس منظمة شباب حزب التكتل المعارض إن التكهن بمستقبل موريتانيا في ظل حكم عسكري مافيوي».
ويضيف «مقاطعة الانتخابات ستجعل الداعمين للجنرال داخليا أو خارجيا في مواجهة مكشوفة مع القوى الديمقراطية وهو ما قد ينجم عنه لا قدر الله حالة من الفوضى تستهدف سلم واستقرار البلاد، وستكتمل حالة اللادستورية حيث ستنضاف مؤسسة الرئاسة إلى المؤسسات الأخرى غير الشرعية كالبرلمان بغرفتيه والمجلس الدستوري، وهي الوضعية التي لا يمكن الخروج منها إلا بإجماع وطني فالشعب الموريتاني لن يقبل العيش تحت نير الديكتاتورية العسكرية».
استكمال المسار
ولا يرى المختار ولد عبد الله مسؤول الإعلام في الحزب الحاكم وجود أية مشكلة ولا أية أزمة في موريتانيا لا قبل الانتخابات ولا بعدها، فهو يتوقع أن «يستمر المسار الذي بدأ عام 2008 بالمزيد من العمل المتقن لبناء موريتانيا دولة القانون ودولة الحريات التي شهد لها العالم بالتقدم عربيا، ولوضع لبنات جديدة في صرح البناء الديقراطي المتواصل».
عبد الله مولود