إسرائيل لا تسمح لإيران تعزيز وجودها على طول الحدود مع سوريا
هل التصعيد على الحدود الشمالية لإسرائيل هو إعلان حرب آتية؟ وهل سترد إيران أخيرا على سيل الضربات التي تلقتها قواعدها في سوريا؟ الجانب الإسرائيلي يهدد، ويؤكد انه تعرض لعمليات تسلل نفذها مقاتلو حزب الله، لكن حزب الله وعبر تصريحات رسمية ينفي تنفيذ عمليات في الداخل الإسرائيلي، أو في مزارع شبعا المحتلة. لكن الكثيرين يضعون في اعتبارهم إن التوتر الأمريكي-الإيراني وما قد يفرزه من احتكاك بين الطرفين في الخليج أو في العراق سيؤدي بالنهاية إلى ردة فعل من حزب الله، ذراع إيران على خط الحدود الشمالية لإسرائيل.
تراشق التصريحات
ربما يمكننا الإشارة إلى ان شرارة التوتر الأخير قد انطلقت في أعقاب الغارة الإسرائيلية التي شنت على موقع عسكري في محيط مطار دمشق يوم 20 تموز/يوليو، وأسفرت عن قتل خمسة مسلحين وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان. وقد أعلن حزب الله اللبناني أن علي كامل محسن، أحد مقاتليه كان من ضحايا الهجوم الإسرائيلي، وصرحت مصادر مسؤولة في الحزب عقب الغارة بالقول “إن الرد قادم لا محالة” وأضافت “ما على الصهاينة إلا أن يبقوا في انتظار العقاب على جرائمهم”.
التوتر اللاحق على الحدود الشمالية لإسرائيل بقي غامضا، وتضاربت الأخبار حول ما حصل، إذ نقلت وكالة “رويترز” عن مصادر لبنانية مطلعة، الاثنين 27 تموز/يوليو خبرا مفاده إن “حزب الله نفذ هجوما استهدف الجيش الإسرائيلي في منطقة مزارع شبعا الحدودية، ردا على مقتل أحد عناصره في سوريا بقصف جوي إسرائيلي”. كما ذكرت مصادر إعلامية أخرى أن”حزب الله أطلق صاروخا موجها على آلية إسرائيلية” وإن “العملية جاءت ردا على هجوم إسرائيلي قتل فيه عضو في الجماعة في سوريا الأسبوع الماضي”. ونقلت مصادر مختلفة أخبارا عن تبادل إطلاق نار وسماع دوي انفجارات في المنطقة الحدودية بين لبنان وإسرائيل، فيما اكتفى الجيش الإسرائيلي بوصف الأحداث بأنها “حادث أمني”.
الموقف الرسمي الإسرائيلي بدأ بالتصعيد الإعلامي بعد ذلك عبر بيان رسمي أصدره أفيخاي أدرعي الناطق باسم الجيش الإسرائيلي يوم 27 تموز/يوليو الماضي، جاء فيه “أحبط جيش الدفاع عملية تخريبية في منطقة جبل روس حيث تمكنت القوات من تشويش عملية خططت لها خلية من حزب الله مكونة من ثلاثة أو أربعة مخربين، تسللت مسافة أمتار معدودة خلف الخط الأزرق، ودخلت إلى منطقة سيادية إسرائيلية. وقد تم فتح النيران نحوهم وتشويش مخططهم. ولا نعرف وضعهم الصحي”. كما أوضح البيان عدم وجود إصابات في القوات الإسرائيلية وأنه “يتم إعادة فتح الطرقات المدنية في منطقة الشمال وإعادة الحياة المدنية إلى الروتين، لكن الحدث لا يزال قائمًا”.
وحسب إذاعة الجيش الإسرائيلي، فقد جرى “إغلاق مطار روش بينا (رأس الزاوية) شمالي إسرائيل على ضوء التطورات الأمنية على الحدود مع لبنان”. وفي البيان أكد الجيش الإسرائيلي أن هناك “أياما معقدة ومتوترة أمامنا”. واعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن حزب الله اللبناني “يلعب بالنار” وقال في مؤتمر صحافي يوم 27 تموز/يوليو إ ن”حزب الله والحكومة اللبنانية مسؤولان عن أي هجوم مصدره الأراضي اللبنانية” وأضاف محذرا من إن “حزب الله يلعب بالنار، ورد فعلنا سيكون شديدا جدا”. قائلا إن سياسة إسرائيل واضحة بعدم السماح لإيران بتعزيز وجودها على طول الحدود مع سوريا.
وعلى إثر هذه التطورات، أعلن الجيش الإسرائيلي، يوم 28 تموز/يوليو تعزيز قواته في المناطق الشمالية، بمنظومات نيران متطورة ووحدات تجميع معلومات وقوات خاصة، ونشر أدرعي تغريدة على حسابه الرسمي في “تويتر” أكد فيها أن قرار تعزيز قيادة المنطقة الشمالية جاء بناء على تقييم الوضع.
لكن حزب الله نفى نفيا قاطعا إقدام مقاتليه على تنفيذ أي عملية في الجنوب اللبناني، وقال إن إسرائيل “فبركت الهجوم”. وقد أصدر الحزب بيانا قال فيه إن”كل ما تدعيه وسائل إعلام العدو عن إحباط عملية تسلل من الأراضي اللبنانية إلى داخل فلسطين المحتلة وكذلك الحديث عن سقوط شهداء وجرحى للمقاومة في عمليات القصف التي جرت في محيط مواقع الاحتلال في مزارع شبعا هو غير صحيح على الإطلاق، وهو محاولة لاختراع انتصارات وهمية كاذبة”. كما استنكر البيان “إصابة منزل في بلدة الهبارية” مضيفا أن هذا أمر “لا يمكن السكوت عنه وأن غدا لناظره قريب”.
الموقف الرسمي اللبناني تمثل في إدانة الرئيس ميشال عون للتصرف الإسرائيلي في جلسة للمجلس الأعلى للدفاع 28 تموز/يوليو، واصفا ما حدث بـ “اعتداء العدو الإسرائيلي في الجنوب” معتبراً إياه “تهديداً لمناخ الاستقرار في جنوب لبنان، خاصة أن مجلس الأمن سيبحث قريباً تجديد مهام قوات يونيفيل”. واتهم رئيس الوزراء اللبناني حسان دياب إسرائيل بالاعتداء على سيادة لبنان عبر “تصعيد عسكري خطير” على حد تعبيره. ودعا إلى الحذر في أعقاب ما حدث. وقال في تغريدة عبر حسابه على “تويتر”: “أدعو للحذر في الأيام المقبلة لأنني متخوف من انزلاق الأمور للأسوأ في ظل التوتر الشديد على حدودنا”. وأضاف أن إسرائيل تسعى إلى “تعديل قواعد الاشتباك”.
من جهتها دعت قوة الأمم المتحدة لحفظ السلام في لبنان “يونيفيل” الأطراف المعنية إلى “التحلي بأقصى درجات ضبط النفس”. وقال المتحدث باسم يونيفيل، أندريا تيننتي، إن قائد قوات اليونيفيل، ستيافانو دل كول، تواصل مع الطرفين اللبناني والإسرائيلي “لتقييم الوضع ولتخفيض التوتر، وحثهما على التحلي بأقصى درجات ضبط النفس” مشيرا إلى توقف إطلاق النار حاليا.
فتيل الحرب في الشرق الأوسط
تحليل موقف إيران تجاه التصعيد الإسرائيلي الأخير ينطلق من نقطة جوهرية تتمحور حولها مجموعة اسئلة منها؛ لماذا سكتت إيران على عشرات الضربات الإسرائيلية التي نُفذت ضد قواتها ومخازنها في سوريا؟ ولماذا تلجأ للاستنكار والتهديد بالرد أزاء الضربات التي نفذها الطيران الإسرائيلي ضد مواقع حلفائها من الميليشيات المتواجدة في سوريا؟ وهل آن الأوان لاشعال فتيل الحرب في الشرق الأوسط انطلاقا من تفجير برميل البارود السوري؟
يقرأ بعض المحللين “مناورات الرسول الأعظم الـ14” الأخيرة التي نفذتها القوات المسلحة الإيرانية في مضيق هرمز على أنها رسالة قوة، وتهديد ضمني أرسلتها إيران إلى الولايات المتحدة وإسرائيل، إذ أظهرت تسجيلات مصورة للمناورات، القوات الجوية والبحرية التابعة للحرس الثوري وهي تشن هجوماً على نموذج لحاملة طائرات أمريكية من فئة “نيميتز” بوجود صفوف من مجسمات طائرات مقاتلة على جانبي مدرج الهبوط. هذا الأمر أثار استياء الولايات المتحدة، إذ صرحت المتحدثة باسم قوات الأسطول الخامس الأمريكي، ومقرّه البحرين، ريبيكا ريباريتش، في بيان رسمي قائلة “نحن على علم بتدريبات إيرانية على مهاجمة مجسم سفينة مماثلة لحاملة طائرات” وأضافت “نرى دائماً هذا النوع من السلوك متهوراً وغير مسؤول”.
وعلى وقع التوتر الإسرائيلي الإيراني، قام الجنرال مارك ميلي رئيس أركان الجيوش الأمريكية المشتركة بزيارة غير معلنة إلى إسرائيل يوم 25 تموز/يوليو، والتقى بوزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، ورئيس هيئة الأركان العامة أفيف كوخافي. وقال في تصريح رسمي اثناء الزيارة “إن ثمة مصالح مشتركة للجيشين الأمريكي والإسرائيلي للحفاظ على الاستقرار في المنطقة ومنع زعزعتها على يد إيران وأتباعها” على حد تعبيره.
أما الموقف الروسي من الأزمة، والذي يراهن عليه البعض على إنه سيلعب دورا محوريا في نزع فتيل الأزمة الحالية، فيبدو في حالة حرج شديد نتيجة تصاعد الصراع الإيراني الإسرائيلي في سوريا، كما أن هناك العديد من علامات الاستفهام حول وقوف روسيا كمتفرج على العديد من عمليات القصف الإسرائيلة ضد الوجود الإيراني في سوريا، والكل بات يعرف إن الأمر تنظمه قواعد اشتباك، أو نوع من اتفاق روسي إسرائيلي يضمن عدم تصدي منظومات الدفاع الصاروخية الروسية لهجمات الطيران الإسرائيلي المغيرة على الداخل السوري، وعلى الرغم من نشر منظومات دفاع جوي روسية الصنع على أراضي سوريا، فهي إما “تصمت” أو تبدو غير فعالة أثناء هجمات الطيران الإسرائيلي.
وقد كتب المحلل السياسي الروسي إيغور سوبوتين مقالا في مجلة “نيزافيسيمايا غازيتا” حول حرج الموقف الروسي في سوريا نتيجة التصعيد الأخير بين إسرائيل وإيران قائلا “جرت محادثة هاتفية بين وزيري الدفاع الروسي والإسرائيلي، سيرغي شويغو وبيني غانتس، يوم 17 تموز/يوليو، وقد حاول غانتس أن ينقل للجانب الروسي قلقه من أن القيادة السورية قد تتلقى منظومات متطورة من الصواريخ الإيرانية المضادة للطائرات، وهذا الأمر سيشكل تهديدا حقيقيا للطيران الإسرائيلي”. طالبا التدخل الروسي للضغط على القيادة السورية لايقاف ومنع هذا الأمر.
ومع إن كل أطراف الصراع اليوم صرحت وما تزال تصرح بأنها لا تسعى لتصعيد الموقف وايصاله إلى حد الانفجار، إلا إن الجميع يعملون، سرا وعلانية على تقوية مواقفهم والتحضر للحظة الانفجار التي قد تكون قريبة، وحينها ستكون معطيات المواقف مغايرة لكل التصريحات.