ترجم المشهد العراقي في موقفه الرسمي تحولا وتغييرا لافتا هذه الأيام، نتيجة لتصاعد الخطاب الشعبي الوطني والقومي في المناسبات السياسية والرياضية على حد سواء، التي تحظى باهتمام العراقيين واستغلالها بالتالي من قبل الأحزاب النافذة والجهات الرسمية، سعيا لتغيير صورتها الطائفية التي قسمت المشهد العراقي وما ترتب عليه من تداعيات سياسية واجتماعية على مستقبل الهوية الوطنية، نتيجة للدور الخطير للتقسيم الإثني والطائفي في اتساع الهوة بينهم.
حيث ساهمت الأحداث الأخيرة التي شهدها المشهد الرياضي في «خليجي 25» أن يكون هذا الحدث، المناسبة والحافز الوطني للجيل الجديد، الذي يمثل الحكمة والعبرة والدرس في حب العراق الواحد الموحد، لكل من هرول خلف الأوهام التي صورتها له الأجندات الدولية والإقليمية، التي لا تريد لوطنه الخير، وأن يرى بأم عينيه اليوم، ملامح المستقبل الموعود الذي بات عنوانه واضحاً في وحدة المجتمع وحب الوطن الذي ما زلنا نحلم به جميعاً. ومن ثم أخذ الحيطة والحذر من محاولات النيل من الهوية الوطنية وسعي المغرضين لعرقلة الشعور بالتآخي والترابط، الذي يدعم الوحدة الوطنية ونسيجها الاجتماعي الذي أفاض على البصرة وأضاء شوارعها وملاعبها.
يتفق الكثيرون على أن أزمة النظام السياسي العراقي المتمثلة في صراع التيار الصدري والإطار التنسيقي، التي هي بمثابة مرآة عاكسة لنفوذ إيران لم تنته بعد، على الرغم من التغير الواضح في الوضع السياسي مؤخرا في إيران، الذي قد يقلب الموازين ويعيد العقلانية والصواب للبعض، لدرجة لم يكن في وسع زعيم التيار الصدري ومحمد شياع السوداني الاختلاف مع الموقف الوطني الذي اتخذه العراقيون، شيعة وسنة وكردا، من تسمية بطولة «خليجي 25» من خلال التوافق الكامل على استخدام عبارة «الخليج العربي» في إشارة إلى البطولة الكروية التي تمت استضافتها في مدينة البصرة. في الوقت الذي التزم فيه زعماء الإطار التنسيقي الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء الجديد الصمت في مواجهة الانتقادات الإيرانية، على الرغم من طبيعة العلاقة الحيوية التي تربط الجانبين، وهو الأمر الذي كان لا بدّ من حسمه، إذا أخذنا بعين الاعتبار تسمية رئيس الوزراء للخليج العربي، لا يتوافق مع التوجهات المعلنة للإطار التنسيقي، الذي يعتبر الحليف الرئيسي لإيران، وهو الذي دعمه للوصول الى رئاسة الحكومة، خلافا للعلاقة المبهمة بين الصدريين وإيران، التي لمسها الشارع العراقي من خلال مساعي السيد الصدر، لتشكيل حكومة «لا شرقية ولا غربية»، الذي يقصد بها «لا إيران ولا أمريكا»، قبل أن يقرر اعتزال العمل السياسي، وترك تشكيل الحكومة لمنافسيه.
يتفق الكثيرون على أن أزمة النظام السياسي العراقي في صراع التيار الصدري والإطار التنسيقي لم تنته بعد، رغم تغير الوضع السياسي الأخير في إيران
ثمة أسئلة يلزم طرحها، ما زالت من دون إجابات، هل ستكون مدينة البصرة بوابة إعادة العراق إلى حاضنته العربية؟ وهل كان «خليجي 25» الخطوة المشجعة لإعادة العراق إلى محيطه الطبيعي من جديد؟ وهل أن الغيرة العراقية التي أظهرها رفع العراقيين لاسم بلدهم، قادرة على أن تكون الحافز والدرس لحكام بلدهم وحصر انتمائهم له، لا لغيره؟ هذه الأسئلة وسواها تدور في الوقت الذي ترجم تلاحم العراقيين خلف الفريق الرياضي، الذي يمثلهم في الراية والهوية، أرقى مثال في الانتماء للعراق ولتاريخه المشترك. يبقى السؤال الأخير عن الإمكانية في وجود إرادة سياسية جادة، تعيد للعراق وللعراقيين البهجة والفخر في الانتماء للوطن، والوقوف معه جنبا إلى جنب، للدفاع عن سيادته ومصالحه وجذوره، التي يحاول الآخرون طمسها واقتلاعها بالطائفية وبقوة السلاح.
لا شك في أن النهج الأخير لرئيس الحكومة الجديدة في علاقاته وزياراته للمحيط العربي والساحة الدولية، ناهيك عن تصريحاته الأخيرة المتعلقة بمستقبل العلاقة العراقية ـ الأمريكية، تُمثل نهجا واضحا للانفتاح والسعي لتعزيز علاقات البلد، بما يخدم مصلحة بلاد الرافدين والمنطقة، من خلال الحفاظ على علاقات متوازنة تضمن للعراق عامل المناورة والتخطيط كدولة مستقلة. تبقى الإشكالية في جوهر الخلافات وأسلوب التعاطي مع الاتجاهات التي تعمل داخل الحكومة الحالية، فثمة منهم من يرى أن منصب رئيس الوزراء يقتصر حصرياً على «تنفيذ الأجندات السياسية للمتحالفين من الإطار التنسيقي في تشكيل الحكومة»، بينما يعتبر البعض الآخر أن لمنصب رئيس الوزراء «أدواراً أكبر في رسم سياسة البلد ومساحة أوسع في الأداء الوظيفي». وبمعنى آخر الاستقلالية لهرم السلطة التنفيذية الذي أتاح له البرلمان إدارة الدولة وفق خريطة طريق، التي قد لا تتوافق مع الثقافة الطائفية النابعة من إرادة الأطراف السياسية في الإطار التنسيقي، التي قبلت ترشيحه إلى هذا المنصب، وهذا ما سيقيد عملية الإصلاح والتوجه الوطني الذي سيضر لا محالة في المقابل بنفوذ الأطراف التي أوصلته للسلطة، في حال لجوئه إلى الخيارات الوطنية لكسب ود الشارع، وهذا ما قد يعجّل في إنهاء مسيرة الحكومة وإعادة تفسير تصريحاتها وتصحيحها وإنهاء خريطتها لتعيد البلاد لسياقات أخرى وكما يسمعه ويلمسه العراقيون. ففي الوقت الذي سعى العراق من خلال زيارة محمد شياع السوداني الأخيرة الى فرنسا، لتوقيع اتفاقية للتعاون الاستراتيجي بين باريس وبغداد، دعا نوري المالكي سفير روسيا الاتحادية لدى العراق إيلبروس كوتراشيف، من خلال لقاء لـ»زيادة التعاون بين بغداد وموسكو في مختلف المجالات». وهنا لا بد من التأكيد والإشارة إلى عامل التوقيت المشترك بين هاتين الزيارتين لقطبين متعاكسين في الحرب في أوكرانيا، وأهميته في تفسير إشكالية السياسة العراقية بين ما يتمناه محمد شياع السوداني، وما نراه ونلمسه في الواقع السياسي الحاكم في العراق، الذي يمثله الإطار التنسيقي الحليف لإيران، التي هي الحليفة لروسيا، وزيارة رئيس الوزراء لفرنسا الحليفة للولايات المتحدة الأمريكية في الحرب في أوكرانيا. وهذا ما قد يجعل من زيارة الوفد العراقي لباريس ليس أكثر من تواقيع بروتوكولية، قد يراها خبراء السياسة الفرنسية، خطوة مهمة لتفعيل الشراكة الاقتصادية بين البلدين، في حال فتحت إيران والموالين لها في بغداد، المجال اللازم لتفعيلها، أو لتصبح ليس أكثر من حبر على ورق، بعد شهر من دعوة فرنسا في مؤتمر بغداد 2 الذي أقيم في العاصمة الأردنية، إلى تقديم الدعم لاستقرار العراق وأمنه، من خلال كبح نفوذ إيران في العراق وإعادة الصواب والعقلانية إلى حكام العراق.
كاتب عراقي
الطائفية دخلت العراق من إيران !
و لن تنتهي إلا بخروج إيران !!
ولا حول ولا قوة الا بالله
أصبت توتال الفرنسية تواجه صعوبات في إنهاء الصفقة وبدأت بسحب موظفيها في العراق ولم تنجح زيارة السوداني لأن الأمور ليست بيده .