منذ أن أعلن الرئيس عبد المجيد تبون عن إجراء انتخابات تشريعية مبكرة في 12 يونيو 2021، تعددت المواقف السياسية والجماهيرية تجاه هذه الانتخابات، بين مؤيد ومعارض. وبعيداً عن مبررات حرص النظام على إجراء هذه الانتخابات، ومواقف الآخرين المؤيدة والمرتبطة بتركيبة المكاسب، ورفض المشاركين في الحراك لفكرة الانتخابات التشريعية، في ظل الوضع السياسي الحالي، فإنه يتوجب علينا قبل ذلك فهم ماهية الانتخابات وآلياتها ووظائفها، وبعدها التساؤل حول مجالات التغيير الممكنة في التشريعيات المقبلة.
عرفت الجزائر منذ تأسيس المجلس الشعبي الوطني في سبتمبر 1962، اثني عشر مجلس نواب، ولعل ما ميز آلية اختيار النائب في الجزائر، سواء أكان ذلك في عهد الحزب الواحد، أو في ظل التعددية الحزبية منذ اواخر ثمانينيات القرن الماضي، هو هيمنة بعض الثوابت، خاصة التدخل المباشر لمؤسسات النظام في هندسة الانتخابات وإدارتها. فعلى سبيل المثال، كان المجلس التأسيسي (سبتمبر 1962) الذي افتتح مسيرة الحياة البرلمانية في الجزائر، ورغم وجود شخصيات تاريخية بارزة مثل فرحات عباس، اعتمد على مبدأ التعيين المباشر للنواب بالدرجة الأولى. إنها الآلية نفسها التي اعتمدت مجدداً في فترة جديدة من تاريخ الجزائر، عندما دخلت البلاد في العشرية السوداء، من خلال التعيين المباشر لأعضاء المجلس الاستشاري الوطني ما بين 1992 و1994، وكذلك أعضاء المجلس الوطني الانتقالي ما بين 1994 و1997. أما ما يخص التشريعيات التي أقيمت في ظل الحزب الواحد، فإن تعيين النواب كان شأناً حزبياً محضا.
الأحزاب السياسية على تعدد انتماءاتها، تبدو اليوم عاجزة عن إقناع الجزائريين بالانخراط في العملية السياسية
وقد ترتب على تكاثر الأحزاب السياسية في ظل التعددية الحزبية بعد 1992، ومع ارتفاع عدد الأحزاب المشاركة في الانتخابات التشريعية بين 1997 و2017، من 10 إلى 36، تغيرٌ في آلية إدارة الانتخابات وهندستها. ولم يكن تكاثر الأحزاب السياسية نتاجا لحراك سياسي أو جماهيري أو فكري أو أيديولوجي، بل جاء نتيجة لافتعال انشقاقات داخل بعض الأحزاب، أو اعتماد أحزاب صغيرة هامشية تفتقد عموما لقواعد جماهيرية. ففي غياب تقسيمات حزبية وأيديولوجية وفكرية بارزة للحياة السياسية، يبدو الحقل السياسي وبشكل غير طبيعي مفتوحاً دائماً، وفي تحول مستمر، من خلال بروز فاعلين جدد (أحزاب سياسية جديدة). فعلى سبيل المثال فإن حزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي تأسس في 26 فبراير 1997 حصل على أعلى نسبة من المقاعد في تشريعيات 5 يونيو 1997 من خلال حصوله على 34% من مجموع النواب، بينما حصل حزب جبهة التحرير الوطني العتيق على 14% من إجمالي النواب. أما في تشريعيات 2002، فإن حركة الإصلاح الوطني (التي تأسست سنة 1999) حصلت على ثاني نسبة من خلال حصولها على 9.5% من إجمالي نواب المجلس. ولا يقتصر عدم الاستقرار في التركيبة الحزبية لنتائج الانتخابات التشريعية على حزب أو تيار، بل إنه يشمل مختلف الأحزاب السياسية، بما في ذلك أحزاب السلطة. فعلى سبيل المثال عرف تواجد حزبي السلطة المتمثلين في حزب جبهة التحرير الوطني، وحزب التجمع الديمقراطي الوطني تحولات مختلفة منذ 1997، لعل أبرزها تراجعها في ما بين تشريعيات 2007 و2017، حيث بلغت نسبتها في برلمان 2017 (50%) بعد أن كانت 63% في تشريعيات 2007. وقد ترتب على تراجع أدوار الأحزاب السياسية الكبرى وتكاثر الأحزاب السياسية الصغيرة، تنامي دور الأحزاب الهامشية والمستقلين. وقد استفادت الأحزاب الصغيرة الجديدة، بالإضافة إلى المستقلين من مختلف تغيرات الخريطة السياسية، ولاسيما عدم استقرارها، فعلى سبيل المثال حصلت الأحزاب الصغيرة، في تشريعيات 2017 على حوالي 90 مقعداً برلمانيا، أما المستقلون فقد حصلوا على 28 مقعدا. ومما لا شك فيه أن التحولات المستمرة لتركيبة المجلس الشعبي الوطني، توحي بوجود أدوار مختلفة للمكونات الثلاثة للبرلمان في الجزائر، وهي أحزاب السلطة وأحزاب التحالف والأحزاب الهامشية، بما فيها الأحرار. إن كل مكون يلعب أدواراً محددةً، بما يتماشى مع متطلبات وأولويات كل مرحلة، كما يراها النظام بعيدا عن الإرادة الشعبية، ليترتب عن هذه البنية والأدوار تعطيل أدوار ووظائف النواب، خاصة مهامهم الرقابية، بما فيها مساءلتهم للجهاز التنفيذي، لتقتصر أدوار النواب داخل قبة البرلمان في مجملها على التأييد المطلق لبرنامج الرئيس حتى في غيابه وغياب برنامجه، ودعم توجهات الحكومة.
ولعل ما زاد في تدهور صورة النائب في الجزائر هو تحالف المال والسياسة، الأمر الذي ساهم في تعفن العمل السياسي والحزبي، وسرّع في تراجع انخراط المواطنين في العملية السياسية، بما فيها مشاركتهم في الانتخابات. لينتج عن هذا توسع حجم عزوف الجزائريين عن المشاركة في كل الانتخابات، بما في ذلك الانتخابات التشريعية. فقد تراجعت نسبة مشاركة الجزائريين في التشريعيات من 66% عام 1997 إلى 37% عام 2017. ليترجم عزوف الجزائريين عدم إيمانهم بمصداقية الانتخابات في إحداث تغيير سياسي جدي، لتحل الإرادات الإدارية والسلطوية والحزبية محل الديناميات المجتمعية والجماهيرية، في تحديد خيارات الشعب بما فيها اختيار نوابه. ولعل ما يهدد شرعية الانتخابات المقبلة هو التراجع الحاد في مشاركة الجزائريين في آخر انتخابات لتعديل الدستور، التي جرت في 1 نوفمبر 2020، فقد بلغت نسبة المشاركة فيها حوالي 24%. هذا العزوف الحاد الذي يرتبط بحجم الفساد الذي أفرزته محاكمات مسؤولين في الدولة، من الذين كانت لديهم مسؤوليات حزبية عليا كأحمد أويحيى (أمين عام حزب التجمع الوطني الديمقراطي) ومحمد جمعي (الأمين العام السابق لحزب جبهة التحرير الوطني) ووزراء وولاة ومسؤولين شاركوا في هندسة انتخابات سابقة، بالإضافة الى منتخبين من بينهم نواب.
إن الأحزاب السياسية على تعدد انتماءاتها، خسرت من شعبيتها، بل حتى من شرعيتها، في العقود الأخيرة، تبدو اليوم عاجزة عن إقناع الجزائريين بالانخراط في العملية السياسية، بما فيها حثهم على المشاركة في الانتخابات التشريعية المقبلة، خاصة أمام توسع مظاهرات الحراك السلمي. ولعل ما يضعف من حماس الجزائريين للمشاركة في الانتخابات التشريعية المقبلة هو عدم توفر المناخ الإيجابي من قبل النظام وأجهزته الأمنية، خاصة مع قمع المتظاهرين المشاركين في الحراك هنا وهنالك، ومحاولة تكميم أصوات الصحافيين المستقلين، بالإضافة إلى تردي القدرة الشرائية للأسر الجزائرية، جراء ارتفاع أسعار العديد من المواد الاستهلاكية الأساسية في الجزائر. إن الممارسات الحالية لمؤسسات النظام تدفع إلى التوجه وبصفة طبيعية نحو ارتفاع نسبة مقاطعة الجزائريين للانتخابات المقبلة، ومن المنتظر أن لا تتجاوز نسبة مشاركة الجزائريين في انتخابات يونيو المقبل 20% في أقصى حد. في ظل التراجع الحاد لشعبية الأحزاب السياسية، وعلى رأسها أحزاب السلطة، وغياب حزب الرئيس، فإن الانتخابات التشريعية المقبلة ستفرز تركيبة حزبية جديدة للبرلمان الجزائري المقبل، تركيبة ستستفيد منها أحزاب الوسط (خاصة الأحزاب ذات التوجه الإسلامي) والأحزاب الصغيرة والهامشية والأحرار. فالتغير الرئيسي المرتقب في تركيبة البرلمان المقبل سيكون ارتفاع مكانة الأحرار، وذلك من خلال جلب وجوه جديدة غير حزبية بالدرجة الأولى، ومن الذين ينتمون إلى فئات اجتماعية وعمرية ومهنية مختلفة، ويفضل أن يكونوا من المشاركين في الحراك، سعيا من النظام للتخفيف من حجم السخط الجماهيري، وإرضاء بعض الفئات الشعبية التي عانت من الإقصاء والتهميش. ليترتب عن توسيع مشاركة الأحرار والمستقلين والأحزاب الصغيرة ، التوجه نحو برلمان غير حزبي، بل حتى غير سياسي، أي برلمان أضعف من البرلمانات السابقة، ما سيسهل إدارة البرلمان بالنسبة للنظام، لكنه يعقد سيرورة العمل السياسي في الجزائر أكثر.
نعم سوف تعرف التركيبة الحزبية والبشرية للبرلمان الجزائري المقبل، في ظل عزوف الجزائريين عن المشاركة في الانتخابات، تحولات مختلفة مقارنة بالتركيبات السابقة للبرلمان الجزائري، لكن هل هذا كافٍ لإحداث قطيعة وتغيير، ولو نسبي، تنطلق من تشكيل برلمان حي وقوي يستمد قوته من شرعية الصندوق، بعيدا عن التعيينات أو المحاصصة الحزبية، وتحرير مهام النائب وتيسيرها بعيداً عن الرقابة.
إن متطلبات المرحلة الحالية، خاصة الحاجة الماسة إلى إحداث تغيرات في بنية النظام السياسي وآلياته، بما يتماشى مع تحولات المجتمع الجزائري ومطالب التغيير الشعبية، التي يجسدها الحراك السلمي، لا يمكن تحقيقها إلا من خلال تغييرالتركيبة البشرية والحزبية للبرلمان الجزائري المقبل. إن المضي نحو تأسيس جزائر جديدة يتطلب البدء بإقامة انتخابات حرة، وتوفير الظروف الإيجابية لإنجاحها بعيداً عن ممارسات الماضي، تمهيدا لمستقبل آخر للجزائر والجزائريين، مستقبل يقوم على مبدا احترام الخيارات السياسية للجزائريين في كل الانتخابات، بعيدا عن مصادرة الإرادة الشعبية والتخوين والعمالة.
كاتب جزائري
يا بهية المساكن يا زهرة المدائن يا روعة الاماكن يا بلاد امدغاسن يا جزائر
وانتم يا من غرر بكم الان, يا من تزوقون المقالات للطرش والعميان, وقدرتكم على التحليل صفر في صفر في صفر
عودوا الى رشدكم فتنميق الكلمات لن يجدي شيئا امام قوة الواقع
ممتاز
في الغرب يصل الناس الى السلطة عن طريق الصندوق وفي الجزائر يريدونها بمنع الناس من الانتخاب ويدعون الديموقراطية.لكل اشباه الصحفيين والمحللين اقول.ستنتصر الجزائر ولو بعد حين
تتغير الجزائر عندما تزاح عنها عجائز حكمها ومعها عكازها البوليزاريو.
بسم الله الرحمن الرحيم ” هل ستكون الانتخابات التشريعية المقبلة في الجزائر مختلفة؟ “.. نعم ستكون مختلفة بشرط واحد الا وهو ابعاد من الساحة السياسية كل اعظاء الحزب الواحد ( حزب جبهة التحرير الوطني) ومن يدور في فلكهم من انتهازيين وخونة من اصحاب الطابور الخامس الذين عطلوا كل مشاريع النهوض بالجزائر علي طيلة ستين عاما من الاستقلال وهدا الطابور هو نفسه الذي صنع او تغاظي علي ظهور الاحزاب الاسلامية المعتدلة او المتشددة في الجزائر التي كانت كل ولائاتها مرتبطة مع الخارج.. لن ينسي الشعب الجزائري مئاسي العشرية السوداء وما فعله الخونة والعملاء بالجزائريين. تحيا الجزائر حرة مستقلة بي شهدائها الابرار الميامين.
نعم سينال الشعب القبائلي استقلاله ان شاء الله
عشم إبليس في الجنة، العسكر لن يتنازل عن الكرسي حتى ولو التصقت السماء مع الأرض.ومن يعارض فليتذكر أيام التسعينات
يمكن ان تكون مختلفة لكن لن تكون نزيهة،العسكر سيتكلف بعملية التنصيب…طبعا على مقاسه
و هل في الجزائر أحزاب سياسية؟ !!
حتما ستكون بلا قيمة ، النظام يتهرب الى الأمام لأن مشروعه هواستمرارية التبعية للغرب اللهم الا بعض التغيير السطحي الذي يضمن أن لا تنتج الجزائر منتوجات ذات قيمة مضافة عالية تضاهي نظيراتها الأوروبية و الأمريكية و الأسياوية وبلادنا قادرة على ذلك بما لها من قدرات و طاقات وطنية في داخل الوطن و خارجه. إذا كان هذا النظام يدعي التغيير فلما الوقوف ضد ارادة الشعب و لما الزج بالحراكيين في السجون ولما التزويرفي الرئاسيات والدستورالسابقة و لما الاصرار على تمرير الانتخابات القادمة رغم الرفض الشعبي لها ؟.