عاموس هرئيل
الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، قتل بقصف إسرائيلي في بيروت مساء الجمعة الماضي. وهذا بلا شك العملية الأكثر دراماتيكية في الجبهة اللبنانية منذ أن قامر حسن نصر الله بانضمامه للهجمات على إسرائيل في 8 تشرين الأول الماضي بعد يوم على هجوم حماس الإرهابي في غلاف غزة. بأثر رجعي، نقول إنه بقراره قامر على حياته أيضاً.
عملية الاغتيال فاقمت الفوضى في صفوف المنظمة الشيعية، وزادت قلق راعيته إيران التي توقعت منه نتائج مختلفة تماماً. ولكن رغم أن حسن نصر الله هو المسؤول عن موت آلاف المدنيين والجنود، من إسرائيل والدول الغربية، فمن الأفضل تخفيف هتافات النصر. وعندما يكون حزب الله وإيران مصابين بالصدمة، فعلى إسرائيل الاستعداد لتصعيد محتمل في ردودهم، قد يحدث بواسطة إطلاق صواريخ كثيف على شمال البلاد والمركز، وعن طريق تدخل أكبر للحوثيين في اليمن وتدخل المليشيات الشيعية في سوريا والعراق.
صباح أول أمس، بدأ الإطلاق من لبنان الذي وجه نحو الجليل والأغوار والسامرة ومنطقة وادي عارة. أطلقت عشرات القذائف، وقد سقط صاروخ أرض – أرض في منطقة مفتوحة في مركز البلاد. لم يبلغ عن إصابات ولم يسجل بعدُ إطلاق كثيف على تل أبيب الكبرى.
ثمة بؤرة قلق رئيسية أخرى تتعلق بالتجمعات الإسرائيلية في الخارج والجاليات اليهودية هناك. فبعد اغتيال سلف حسن نصر الله، عباس موسوي، في العام 1992، وقفت إيران وحزب الله وراء عمليات تفجيرية ضد سفارات إسرائيل وضد مبنى الجالية اليهودية في الأرجنتين. والحساب أبعد هذه المرة.
عندما استبدل حسن نصر الله بموسوي، سرعان ما تبين أن التصفية الأولى كانت عملية خاطئة. وتبين أن حسن نصر الله كزعيم، حول حزب الله من منظمة محلية إلى رأس حربة لنفوذ إيران في المنطقة كلها؛ لكن ولأن رجاله سفكوا دماء الكثير من السنيين عندما حاربوا إلى جانب نظام الأسد في الحرب الأهلية في سوريا في العقد الماضي، فمن غير المفاجئ أن موته استقبل بفرح في عدة دول سنية وفي أوساط الطوائف الأخرى في لبنان.
قنبلة تلو قنبلة
إسرائيل الآن في منحى تصعيد واضح أمام حزب الله منذ 17 أيلول، وهو اليوم الذي حدث فيه هجوم البيجرات في لبنان (هذه العملية لم يتم تحمل المسؤولية العلنية عنها). الأربعاء الماضي، تبلور قرار في المستوى السياسي، الذهاب إلى الخطوة الأشد، وهي اغتيال الأمين العام. استمرت الترددات حول ذهاب رئيس الحكومة، نتنياهو، لإلقاء خطاب في الجمعية العمومية في نيويورك في تلك الليلة. وزير الدفاع يوآف غالنت ورئيس الأركان هرتسي هليفي ورئيس الموساد دادي برنياع ضغطوا لمواصلة العملية.
كانت لنتنياهو تحفظات، حتى على خلفية الخطاب وإزاء الاقتراح الأمريكي – الفرنسي للإعلان عن وقف إطلاق النار. في نهاية المطاف، قرر العمل في الوقت الذي كان فيه في نيويورك (إن كان قد اضطر إلى تبكير عودته إلى هذا اليوم). حسب ادعاء جهات سياسية، إن ذهابه إلى الجمعية العمومية كان جزءاً من عملية التمويه التي استهدفت تضليل حسن نصر الله، ويمكن أن نتعامل بنفس درجة الجدية أيضاً مع خدع أخرى تناقض ذلك، التي أطلقها مكتب رئيس الحكومة مؤخرا.
حدث الهجوم عندما كان حسن نصر الله في منشأة تحت الأرض تستخدم كقيادة للمنظمة، تحت مبنى متعدد الطوابق في الضاحية، الحي الشيعي في بيروت. كان الانفجار في الضاحية كبيراً جداً إلى درجة أن احتمالية الخروج بسلام من هذا الهجوم، حتى للأشخاص الذين كانوا تحت الأرض، ضئيلة جداً. وأبلغوا شهود عيان عن تدمير ضخم وحفرة عميقة تدل على استخدام محسوب لقنبلة تلو قنبلة لاختراق عمق الأرض. هذه قدرة عرضها سلاح الجو للمرة الأولى في 2016 عندما دمر أنفاقاً في قطاع غزة بقنابل اختراقية. وإيران، التي جزء من منشآتها النووية تحت الأرض، قد يكون لها اهتمام كبير بقدرة إسرائيل الكبيرة التي تم استعراضها. ونشر من بيروت عن مئات العالقين تحت الأنقاض. ربما يصل عدد القتلى والجرحى جراء الانفجار إلى بضع مئات.
عقد حسن نصر الله جلسة تشاور مع شخصيات رفيعة أخرى، على خلفية تفاقم العمليات الهجومية الإسرائيلية. حسب منشورات أجنبية، كان بين القتلى جنرال إيراني، نيلفروشان، الذي حل محل حسن مهداوي في رئاسة “فيلق القدس” التابع لحرس الثورة في سوريا ولبنان. وثمة قتيل آخر هو علي كركي، قائد جبهة الجنوب في حزب الله، الذي نجا من محاولة اغتيال الأسبوع الماضي.
عدد القتلى الكبار في حزب الله مرتفع جداً. المس بسلسلة القيادة أكثر شدة مما كان يمكن تقديره في البداية. جزء من القادة الذين قتلوا هم أصحاب تجربة تصل لعشرات السنين في مناصبهم. من يخلفونهم سيحاولون الدخول إلى أحذيتهم الكبيرة خلال الحرب، حيث حزب الله، جريح وبقايا قيادته في حالة هرب.
يضاف إلى ذلك الآن موت حسن نصر الله. في الخلفية، ثمة شعور بمس شديد بشبكات اتصال حزب الله ومخازن سلاحه. جزء كبير من قدرات حزب الله الصاروخية، بما في ذلك التي للمدى المتوسط، أصيبت بصورة شديدة رغم امتناع الجيش الإسرائيلي ذكر تقديرات بالأرقام، خلافاً لبعض السياسيين. يمكن التدليل عن الفوضى في صفوف حزب الله رده المحدود في ساعات ما بعد عملية الاغتيال، إلى أن استؤنف إطلاق الصواريخ صباح أمس. وحتى الآن لا شك في أن جزءاً من وحدات الإطلاق تواصل العمل وفقاً للسيناريوهات التي تدربت عليها خلال سنين. ويواصل سلاح الجو هجماته في جنوب لبنان والبقاع وبيروت. طلب الجيش الإسرائيلي من سكان الضاحية الجنوبية الإخلاء حول بعض المواقع التي -حسب أقواله- يخفي فيها حزب الله مخازن سلاح.
أظهرت إسرائيل في الفترة الأخيرة أفضلية كبيرة على حزب الله، في جمع المعلومات والتخطيط والتنفيذ، أكثر بكثير مما قدرت بيروت وطهران. هذه نتائج عمل متواصل وجذري، جرى خلال 18 سنة منذ انتهاء حرب لبنان الثانية. هذا هو الفرق بين ساحة رئيسية، التي استثمرت فيها الجهود المطلوبة، وبين الاستخفاف والغطرسة التي تعاملت بها المنظومة مع قطاع غزة كساحة ثانوية حتى كارثة 7 تشرين الأول.
المفاوضات دُفنت
الضربات غير المسبوقة التي تعرض لها حزب الله تثير تخبط طهران. بنيت ترسانة السلاح الضخمة في لبنان بتمويل إيران لردع إسرائيل عن مهاجمة المنشآت النووية. فقد بعضها في الفترة الأخيرة، والمتبقي في خطر إذا استمرت الحرب في الشمال. لإيران اعتبارات أخرى، على رأسها علاقتها مع الولايات المتحدة ورغبتها في تطوير المشروع النووي من تحت الرادار، إلى حين الوصول إلى الموعد النهائي الذي سيكون فيه بالإمكان إعادة فرض العقوبات عليها في إطار الاتفاق مع الدول العظمى في 2015، بعد سنة. كما يبدو، هذه هي الأسباب التي أحجمت إيران بسببها، رغم تهديداتها، عن القيام بانتقام مباشر من إسرائيل على اغتيال إسماعيل هنية، الذي هو من كبار قادة حماس، في طهران قبل شهرين تقريباً. في المقابل، يجب أن يأخذ النظام في الحسبان المس بمكانة حزب الله في لبنان وفي كل العالم العربي. من لوح براية المقاومة ضد إسرائيل وشكل نموذجاً أيضاً لمنظمات الإرهاب الفلسطينية هو في أكبر أزمة في تاريخه، ويفقد شعبيته بسرعة، وحتى في أوساط الطائفة الشيعية في لبنان.
الأهم هو الرد الأمريكي على الأحداث الأخيرة. الهجوم في الضاحية دفن حسن نصر الله وكبار قادة حزب الله، بل وجهود وقف إطلاق النار في الصيغة الحالية. على الإدارة الأمريكية طرح خطة جديدة وبسرعة واستخدام الضغط السياسي الذي لم تستخدمه حتى الآن، إذا كانت تنوي التوصل إلى نتائج. ليس للأمريكيين قدرة حقيقية على التنصل من تصفية حسن نصر الله، العدو اللدود والمسؤول خلال أربعين سنة عن موت الكثير من مواطنيهم. ولكنهم أيضاً غير راضين عن خطوات نتنياهو، الذي أمر بالهجوم أثناء عملية المفاوضات حول وقف النار. ولدى الإدارة الأمريكية خوف كبير من أن يحاول رئيس الحكومة جر الولايات المتحدة إلى حرب إقليمية لضرب المنشآت النووية في إيران.
يبدو أن تصفية حسن نصر الله تعطي إسرائيل أخيراً الفرصة لإنهاء المناوشات الدموية في الشمال والجنوب. يقول الجيش إن الذراع العسكري لحماس هزمت فعلياً في قطاع غزة، بعد استكمال العملية في رفح، وأن حماس تعمل الآن على صيغة مقلصة جداً تتمثل بحرب العصابات. حسب موقف هيئة الأركان، هذه فرصة للعودة والدفع قدماً بصفقة التبادل. القلق على مصير الـ 101 مخطوف المحتجزين في القطاع ازداد على خلفية الظروف القاسية التي احتجز فيها المخطوفون الستة الذين قتلوا على يد حماس وعثر على جثثهم في رفح.
في المقابل، هناك ضغط على الحكومة من قبل رؤساء مجالس في الجليل وسكان الشمال لعدم وقف الهجوم على حزب الله والسعي إلى عملية برية أيضاً، بهدف خلق وضع أمني أكثر استقراراً على الحدود مع لبنان. رغم الاستعداد للعملية البرية يبدو أن القرار النهائي لم يتخذ بعد. كالعادة، هذا القرار يتعلق باعتبارات نتنياهو السياسية واعتماده المطلق على شركائه في الائتلاف في اليمين المتطرف، الذين يدفعون نحو مواصلة الحرب الأبدية.
هآرتس 29/9/2024