هل سيندم زيدان على ولايته الثانية مع ريال مدريد؟

عادل منصور
حجم الخط
0

لندن – “القدس العربي” : استنجد رئيس ريال مدريد فلورنتينو بيريز، بالرجل المُخّلص زين الدين زيدان، على أمل أن يُصحح ويُصلح كل ما أفسد وانهار داخل جدران قلعة “سانتياغو بيرنابيو”، منذ لحظة هروبه من السفينة قبل الغرق، ومعه سلاحه الفتاك وشريك رحلة الكفاح والنجاح كريستيانو رونالدو، لتتنفس شريحة عريضة من جماهير “لوس بلانكوس” الصعداء، على الأقل لانتهاء فترة “حقل تجارب المدربين”، بعد فشل جولين لوبيتيغي بجانب معاناة سانتياغو سولاري طيلة الأشهر الثمانية الماضية.

لكن في الوقت ذاته، كان لدى البعض تحفظات على عودة زيزو في هذا التوقيت بالذات، وذلك لصعوبة مهمته في الوقت الراهن، مقارنة بوضع الفريق عندما تسلمه في ولايته الأولى قبل ما يزيد بقليل على 3 سنوات، لو نتذكر. آنذاك، جاء على مشروع شبه متكامل، تم العمل عليه وبناؤه على يد اثنين من ملوك التكتيك، والحديث عن جوزيه مورينيو وكارلو أنشيلوتي، فقط كانت المشكلة الحقيقية تكمن في وجود المنبوذ رافا بنيتيز، الذي أعاد الميرينغي لنقطة الصفر في ظرف ستة أشهر.

بركة زيدان

اعتقد كثيرون أن الحظ ساعد زيدان في بداية مغامرته في سُدة حكم “البيرنابيو”، لكنه في حقيقة الأمر وبشكل واقعي وموضوعي، كان يجني ثماره وثمار من سبقوه باستثناء بنيتيز، باعتباره كان الذراع الأيمن لكارليتو في موسم إنهاء عقدة “لا ديسيما”، وأيضا من الصعب وسيكون نوعا من الإجحاف، إغفال بصمة “سبيشال وان” في هذا المشروع، ويُحسب لزيزو ذكاؤه في تطوير وتعديل هذا الجيل، ليصل لمرحلة السيطرة على أوروبا 3 مواسم متتالية، فهو من أعاد مفتاح “الثقة” لغرفة الملابس، التي يعتبرها سيرخيو راموس أهم من الأمور التكتيكية داخل الملعب.

لا ننسى أن زيدان هو من أعطى رونالدو “الوصفة السحرية”، ليبقى بهذه الصورة المُخيفة في منتصف الثلاثينات، وذلك بتعديل مركزه من لاعب جناح رقم (7)، لجلاد برقم (9) داخل المستطيل الأخضر، مع استخدام مثالي للموهبة، بمداورة في أوقات محسوبة، وبصمات أخرى أبسطها الطفرة في مستوى كيلور نافاس، بعدما كان مُرشحا فوق العادة للخروج من جنة مدريد، بجانب اكتشافه لكاسيميرو، الذي أعطى إضافة هائلة بجانب لوكا مودريتش وتوني كروس، وقبل أي شيء، “كاريزما” زيدان التي تفرض نفسها على كل من له علاقة بكرة القدم.

اختلاف

التشابه الوحيد بين بداية زيدان في ولايته الأولى والثانية، أنه جاء كرجل مُنقذ ومُخلص، لكن بالنظر إلى الاختلافات، سنجدها بالجملة. دعك من فقدان السلاح النووي كريستيانو رونالدو، الذي أبكى كل مشجعي الريال بإبداعه مع اليوفي في ليلة ريمونتادا أتلتيكو مدريد، فالفريق الحالي بُرمته، ليس نفس الفريق “الجاهز”، الذي تسلمه على “التشطيب” في يناير/كانون الثاني 2016، لم يَعد سيرخيو راموس في أواخر العشرينات، ولا مودريتش ما زال رمانة الميزان المفعمة بالحيوية قبل ظهور ملامح الشيخوخة في منتصف الثلاثينات، الأمر ينطبق على مارسيلو وكريم بنزيمة وأغلب القوام الرئيسي، باختصار الزمن تغير، والآن أصبح مُطالبا بوضع حجر أساس مشروع طويل الأجل له ولمن سيأتي بعده.

تاريخ محفوف بالمخاطر

باستثناء فابيو كابيلو والمدرب الأشهر في تاريخ النادي ميغيل مونيوز ومعهما ملك الطوارئ ديل بوسكي، فالتاريخ والتجارب السابقة أثبتا أن 90 % من عودة المدربين، سواء للريال أو أي فريق آخر في الولاية الثانية، غالبا ما تكون للنسيان بالنسبة للملكي، فحدثت مع “صانع الجبن” الهولندي ليو بينهاكر، الذي حقق نجاحات لا بأس بها على المستوى المحلي، باحتكار لقب الليغا 3 مرات وكأس الملك مرتين في ولايته الأولى، لكن بعد عودته، خسر لقب الليغا بغرابة شديدة في الجولة الأخيرة، وبوجه عام لم يترك بصمة تؤمن مستقبله.

نفس المصير، واجهه المدرب الويلزي جون توشاك، هو الآخر حفر اسمه في كتب التاريخ بقيادة الميرينغي للفوز بالدوري الإسباني بسجل تهديفي خيالي (107 أهداف)، لكن بعد عودته في ولايته الثانية، طُرد بعد أقل من 3 أشهر من توليه المهمة، وضمن الفاشلين في الولاية الثانية أيضا بجانب الأولى، الأسطورة كلاعب، الراحل ألفريدو دي ستيفانو وخوسيه أنطونيو كاماتشو، كلاهما لم يكن موفقا لا في الولاية الأولى ولا الثانية… والسؤال الذي يدور في ذهن عشاق الملكي الآن: ماذا عن زيدان؟

ومضة أمل

يعرف الصغير قبل الكبير أن زيدان هو ملك اتخاذ القرارات، ودائما لا يتراجع عن أي قرار، وذلك منذ أيامه كلاعب، عندما تلقى إغراءات لا تُقاوم ليعدل عن قرار اعتزال اللعب عام 2006، كان من السهل عليه قضاء 3 أو 4 وربما 5 مواسم في الولايات المتحدة الأمريكية أو في أي دوري خليجي، لكنه لم يُغير موقفه ولم يرضخ للإغراءات، وغيرها من القرارات التي لم يتراجع عنها، باستثناء قرارين، الأول، عندما لبى نداء الوطن أثناء معاناة المنتخب الفرنسي في مشوار التصفيات المؤهلة لمونديال ألمانيا 2006، وآنذاك تراجع عن قرار اعتزال اللعب على المستوى الدولي، ليُقدم أفضل وأمتع عروضه على الإطلاق مع الديوك، بسحر من زمن آخر أمام البرتغال والبرازيل وإيطاليا في آخر أيامه في كرة القدم، ولولا النطحة الشهيرة لماركو ماتيراتزي، لختم مشواره بمعانقة كأس العالم. والثاني، هو العودة لتدريب ريال مدريد بعد ثمانية أشهر من خروجه.

الهدف من المشروع الجديد

اعترف زيزو بشكل واضح وصريح في مؤتمر تقديمه لوسائل الإعلام الأسبوع الماضي، بحدوث تغييرات وشيكة في الفترة المقبلة، لكنه تعامل بذكائه المعهود، بحث كل اللاعبين على التركيز على المباريات المتبقية على انتهاء موسم الليغا، ليُعطي فرصة للجميع لإثبات كفاءته وأحقيته في البقاء في المشروع الجديد. ولنكن مُحقين، فسواء كانت الأنباء التي تتحدث عن بقاء رجاله القدامى في مقدمتهم مارسيلو وإيسكو وسيرخيو راموس ولوكا مودريتش وتوني كروس وكريم بنزيمة وغاريث بيل، فالواقع يقول أنه بحاجة لدماء جديدة في 3 أو 4 مراكز، ويُشترط أن تكون صفقات بمواصفات خاصة، وبالمصطلح الكروي “صفقات سوبر”.

لا يوجد أدنى مجال للشك، أن زيزو حصل على ضمانات ووعود لعمل استثمار ضخم في الميركاتو الصيفي المُنتظر، طبيعي وبديهي أن يكون الدعم الأول في مركز المهاجم الجلاد، لحل معضلة العقم التهديفي الذي ضرب الخط الأمامي بعد رحيل كريستيانو. ويحتاج أيضا، قلب دفاع على نفس مستوى وجودة فاران وراموس، ليُعيد تحريك المياه الراكدة في هذا المكان، بجانب لاعب وسط أو جناح قادر على القيام بما كان يفعله غاريث بيل مع توتنهام في بداية العقد الحالي، لاعب يملك الحل الفردي بالسرعة والمهارة سواء على الأطراف أو في العمق، بدلاً من الطريقة الروتينية لثلاثي الوسط مودريتش وكروس وكاسيميرو، الذي تحول لكتاب مفتوح لكل العالم، فضلاً عن الحاجة الماسة لظهير أيمن عصري قادر على منافسة داني كاربخال في الرواق الأيمن.

يبقى السيناريو الأسوأ الذي لا يتمناه مشجعو الريال، ألا يفي بيريز بكل وعوده لزيدان، ولا يجلب له الأسماء التي حددها. التقارير تتحدث عن ماورو إيكاردي ونيمار ومحمد صلاح وكيليان مبابي، وآخرين بنفس الجودة تحت مُسمى “نجوم الجيل الجديد”، بأهداف وطموحات جديدة لزيدان والريال معا هذه المرة، بإعطاء البطولات المحلية أهمية أكثر في الفترة المقبلة، لوقف احتكار ليو ميسي لليغا وكأس الملك في السنوات الماضية، وهو أمر مُزعج جدا بالنسبة للجماهير، التي تتحسر كل عام على اقتراب البارسا من معادلة عدد مرات فوز الملكي بالدوري الإسباني، بعدما وصل الفارق لأرقام مُطمئنة قبل ظهور البرغوث على الساحة. أما في ما يَخص دوري الأبطال، فدعونا نتفق أن زيدان صنع لنفسه شخصية، وصدر لكل منافسيه بدون استثناء في هذه البطولة بالذات، من الذعر والخوف ما يكفي لسنوات مقبلة، بإنجاز الاحتفاظ باللقب 3 مرات متتالية، والسؤال الآن: هل سيُكرر زيزو نجاحه في ثاني قرار يتراجع فيه؟ أم سيواجه مصير أغلب من جانبهم التوفيق في الولاية الثانية، ومن ثم يُعطي بيريز فرصة لرد الصاع صاعين بعد صفعة استقالة صيف 2018؟ هذا ما سنعرفه في المستقبل القريب.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية