أمسى موضوع المغرب مادة رئيسية في نشرات التلفزيون الجزائري، لكنه يقرنه بصفة “الاحتلال”، وكأنّ البلدين المغاربيين الجارين يعيشان باستمرار معركة حامية الوطيس، وليسا “خاوة… خاوة”، كما تهتف الجماهير الرياضية في الملاعب أحيانا، أو كما يردد الفنانون حين يُستضافون خلال المهرجانات الفنية والسهرات التلفزيونية!
في منطقة حدودية بين القُطرين “الشقيقين” تنتصب أسلاك شائكة، ويظهر أخدود عميق، علامةً على حقيقة الوضع الذي كرّسه بؤس السياسة وضيق الحسابات الظرفية.
ومع ذلك، يحرص المغاربة حين يزورون المنطقة الشرقية لبلادهم على التقاط صور فوتوغرافية في تلك المنطقة الحدودية. ولعلّ الشيء نفسه يقوم به الجزائريون في الجانب المقابل للحدود، إذ يظهر في خلفية الصور عن بعد مواطنون بجانب عَلم بلدهم.
نشرات الأخبار في التلفزيون الجزائري نموذج فريد للديماغوجيا والافتراء واختلاق القصص الوهمية التي تزعم من ورائها إسداء خدمة لجبهة “البوليساريو”، في حين أنها تمعن في الإساءة إليها وإظهار تهافت مشروعها الانفصالي الواهي.
في نشرة الأربعاء، تطرّق التلفزيون الجزائري إلى قضية الصحافي المغربي المعتقل سليمان الريسوني. لكنْ، استمرارًا على نهج “إسقاط الطائرات” الذي ألمحنا إليه أكثر من مرة في هذه الزاوية، حاول التلفزيون نفسه الربط بين تلك القضية وموضوع الصحراء، إذ قالت مقدمة النشرة: “دوليًّا، وفي الشأن الصحراوي، انتقدت الولايات المتحدة الأمريكية المغربَ بعد إدانة الصحافي سليمان الريسوني المضرب عن الطعام منذ أكثر من ثلاثة أشهر بخمس سنوات سجنا نافذا…”.
أفتونا يا “خبراء” التلفزيون الجزائري: ما علاقة الريسوني بالشأن الصحراوي؟ هل هو مُتّهم في قضية لها علاقة بموضوع الصحراء؟ أم هل هو مسجون في فيافي المغرب؟ أم يُحاكم في مدينة صحراوية؟
بالله عليكم ما هذا الربط العجيب؟!
زميلنا الريسوني، فكّ الله أسره وإضرابه عن الطعام، مُعتقل في مسألة ملتبسة غُلّفتْ بطابع أخلاقي حتى يحدّ ذلك من التضامن معه على ما يبدو، وقد أسهبت فيها تقارير المؤسسات الإعلامية والهيئات الحقوقية المحلية والدولية… ولكنّ ما هو مؤكد أنه لا علاقة لاعتقاله البتة بمسألة الصحراء؛ إذْ ما ثبت عن الرجل يومًا أنه شكّك في مغربية الصحراء وفي وحدة أراضي بلاده.
بيد أن مسؤولي التلفزيون الجزائري جعلوا قضية الريسوني مطية للتدرج في اللمز والهمز تجاه المغرب. ومن ثم، انتقلوا إلى الخطوة الموالية، للعب على الوتر الحساس، وتر “النوع الاجتماعي والحقوق”، فأثاروا في النشرة نفسها قضية الناشطة الانفصالية سلطانة خيا التي قالوا إن السلطات المغربية اعتدت عليها “مؤخرا”، و”مؤخرا” هذه إحالة على موضوع تلوكه بعض الألسن وتجتره منذ شهور عدة.
أما الخطوة الثالثة، فهي محاولة ضخّ المعنويات في النفوس المتعبة والمنهارة في مخيمات تندوف، من خلال مواصلة ادّعاء تحقيق ميليشيات “البوليساريو” لانتصارات عسكرية على الجيش المغربي، والحديث عن تجديد قصف مواقع “الاحتلال المغربي” بناء على البيان العسكري رقم “244” الصادر عمّا يسمى بوزارة الدفاع الصحراوية… 244 بيانا، يعني نظريا 244 قصفا منذ بداية إعلان الجبهة الانفصالية تنصّلها من الالتزام بوقف إطلاق النار بسبب فتح المغرب لمعبر “الكركرات”… فماذا كانت نتيجة ذلك “القصف” العسكري المتتالي بالعدد المذكور، غير القصف الكلامي؟!
أنف «بينوكيو» في قناة «الشروق»
إلى ما سبق، يمكن أن نضيف ولعَ عدد من المسؤولين الجزائريين بنسبة كل شيء مرتبط بالمغرب إليهم. وكثيرًا ما قدّم رواد مواقع التواصل الاجتماعي نماذج من ذلك، إذ إن معالم مغربية مميزة ـ مثلا ـ صارت جزائرية بين عشية وضحاها!
لكنْ، أن يصل الأمر إلى الكذب على التاريخ فذلك منتهى الغرابة. فقد انتشرت مؤخرا مقاطع من برامج تلفزيونية يتحدث فيها “خبراء” جزائريون عن كون “باب المغاربة” في القدس الشريف هو في الحقيقة باب للجزائريين الذين استقروا فيه!
كلام يكذّبه الفلسطينيون قبل غيرهم، كما تكذبه المصادر التاريخية. فمعلوم أن ذلك الباب (الذي ارتبطت به أيضا “حارة المغاربة”) أنشأه القائد صلاح الدين الأيوبي منذ ثمانية قرون، ووضع فيه كتائب المغاربة ليحموا بيت المقدس، حيث قال “أسكنتُ هنا مَن يثبتون في البر ويبطشون في البحر، وخير من يُؤتَمنون على المسجد الأقصى وعلى هذه المدينة”… وسبق لقناة “الجزيرة” أن بثّت شريطا وثائقيا يبرز هذه الحقبة المشرقة من الوجود المغربي في القدس الشريف.
وقصة أخرى من الكذب على التاريخ، ما ذكره أحد ضيوف التلفزيون الجزائري حينما قال إن الجزائريين هم أول من اعترف باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية، والحال أن الرؤساء المتعاقبين على البيت الأبيض تحدثوا عبر خطب موثَّقة عن أن الأمر يتعلق بالمغرب تحديدًا الذي كان أول بلد اعترف بأمريكا عام 1776.
أما الكذبة التي أطالت أنوف بعض المشاركين في برنامج حواري بُثّ على قناة “الشروق” (كما وقع لـ”بينوكيو”) فهي قولهم إن الرحالة المغربي “ابن بطوطة” شخصية جزائرية! بقي لهم أن يقولوا إن طنجة التي شهدت مسقط رأسه هي أيضا مدينة تقع في الجزائر.
غير أن كل تلك الافتراءات المضحكة لا تنطلي على المواطن الجزائري الواعي بـ”استراتيجية الإلهاء” التي يلجأ إليها الحكّام لمحاولة صرف الانتباه عن الأوضاع الاجتماعية الصعبة، كما أنها لا تعني طائفة متنورة من الفنانين والمثقفين والمبدعين والأكاديميين، ممّن يبادلون المغاربة مشاعر الأخوّة، ويبحثون دائما عن المشترك الذي يوحّد بينهم جميعا، وليس عمّا يفرّق، مثلما تفعل بعض القنوات الرسمية.
شعارات انتخابية!
بدأت الحملة التسخينية للانتخابات البرلمانية والبلدية التي ستجري في المغرب خلال يوم واحد فقط، أيلول/ سبتمبر المقبل، وبدأت وعود الأحزاب تطلق عبر المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي. وعمّا قريب ستطلّ على مُشاهدي القنوات التلفزيونية الرسمية الوجوه نفسها تقريبا، مبشّرة بالحلول السحرية التي ستغيّر واقع البلاد بين عشية وضحاها، على حد زعمهم الذي يتكرر خلال كل استحقاق انتخابي.
المضحك/ المبكي في المسألة أكثر، أن الأحزاب المغربية جميعا تتفق على التشبيب، لكنها لا تمارسه على أرض الواقع إلا لمامًا؛ حيث يظلّ الشيوخ يحتكرون مقاعد البرلمان والمجالس البلدية والقروية، ويعتبرونها ملكية خاصة لا يفصلهم عنها سوى ملك الموت؛ فيما توصد الأبواب في وجه الشباب، بدعوى قلة الخبرة.
لذلك، نعتقد أنه لا يمكن للمواطن المغربي أن يحلم بتغيير في البلاد وبتجديد للنخب ما دام السياسيون حاملين للعقلية نفسها، ويجعلون مصالحهم الشخصية فوق كل اعتبار، حتى وإن تشدقوا بشعارات الإصلاح والتغيير والديمقراطية وفتح المجال أمام الشباب… وهي شعارات تبقى مجرد حبر على ورق!
* كاتب من المغرب
من هم الذين إذا دخلو قرية افسدوها
اذا استطعنا أن نميز بين رءيس كوريا الشمالية وملك (ة) من ملوك اسكندينافيا في مجالات الحياة:اقتصاد -حرية-عدالة اجتماعية-ديمقراطية ،نستطيع أن نكمل السورة…
هده الشياء المشتركة تدل على اننا أمة و شعب واحد والسلام