في 18 نوفمبر الجاري عُقدت قمة بحرينية إسرائيلية أمريكية في القدس المحتلة، بين وزيري خارجية المنامة وواشنطن، ورئيس الوزراء الإسرائيلي. وفي التاريخ نفسه عُقدت أخرى في أبو ظبي بين ولي عهد الإمارات وملكي الأردن والبحرين. وقبل ذلك بيوم واحد أعلنت السلطة الفلسطينية عن قرار مفاجئ باستئناف العلاقات مع إسرائيل على بياض. فمن أي زواية في هذا المشهد يمكن أن نقرأ حركة السياسة الأردنية؟ وهل عادت عمّان إلى ممارسة دورها المعهود والمرسوم لها؟
من المُعتاد أن ترتبط الثوابت الجيوسياسية لكل بلد بشكل كبير بجغرافيته، وقد شكل هذا العامل محورا مهما في تشكيل الدور الأردني قديما وحديثا. ورغم أن هذا العنصر وفّر له فرصة التأثير في الاخرين، لكن في الوقت نفسه جعله يدفع ثمنا باهظا، جراء التأثر بهم.
فموقعه على تماس فاعل بالجغرافية السياسية لدول مهمة في الإقليم مثل، العراق والسعودية ومصر، وشهدت هذه الدول تطورات سياسية مصيرية في السنوات الماضية، وتوسلت بالضغوط والابتزاز للحصول على مواقف منه مؤيدة لها، فرد عليهم باستثمار عامل الجغرافيا لديه، وتوظيفه لصالحه، وهذا فرض عليه تغيير اتجاه بوصلته السياسية الخارجية عدة مرات في فترة قصيرة، أملا في تجاوز العزلة السياسية التي عاش فيها. ومع ذلك فإن أداءه السياسي تأثر كثيرا، وأصبح أقل من المستوى الذي عرفناه به، وصولا إلى البطء الشديد في حركته السياسية، وهو يحاول اللحاق بالتطورات الجارية على الساحة. ويبدو بشكل واضح أن هذه العرقلة كان جزءا كبيرا منها بسبب تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مقاليد السلطة في البيت الأبيض، وقيام أطراف عربية بتسويق خلافات بين ترامب والأردن لتعزيز مكانتها على حسابه، بهدف الاستيلاء على الدور المعتاد له، كونه المحطة الرئيسية التي كانت تصاغ فيها العلاقات العربية الامريكية، والعربية الإسرائيلية.
أخطر تحولات المحيط العربي، الشروع ببناء تحالفات لإعادة صياغة المنطقة، وفق أسس الشراكات التجارية والأمنية وليس الحقوق
إن التطبيع الذي يحصل في المنطقة، يقض مضجع صانع القرار الأردني، لانه يجري بعيدا عنه. هو لا يرغب في أن يكون الطريق إلى القدس عبر محطة أخرى غير عمّان، لكن الخيار ليس في يده، بل لدى واشنطن التي ابتعدت عنه في زمن ترامب. وفي الوقت نفسه، لا يريد أن يخرج من المحور السعودي الإماراتي المصري، الذي يقود التطبيع، والذي هو في الاساس مرتبط بالسياسة الامريكية، رغم الأذى الذي الحقوه به، لذلك بات يحاول اللحاق بالمسيرة السياسية في المنطقة، محاولا ترتيب أوراقه وأولوياته. قد يجد البعض أن هنالك شيئا من التناقض في هذا السلوك السياسي، لكن الحقيقة أن الجغرافيا هي التي تفرض الأردن على التحالفات والمحاور القائمة، وليس هو من يذهب إليها، حتى لو كانت أطراف هذه التحالفات هي أصلا متناقضة، لكنه أيضا محكوم بالبحث عن مصالحه كضرورة، وإعادة اندماجه في الإقليم كضرورة.. وتجديد إنتاج دوره كضرورة أيضا. والضرورات تبيح المحظورات في السياسة، لذلك لابد لمساره السياسي في الوقت الحالي أن يكون ضمن إطار صفقة القرن، وأن يُناغم حراكه مع خطة ترامب للسلام، التي سار عليها بعض العرب، لكنه يعرف أن حظوظه في المناورة تكاد تكون محدودة جدا، وضمن أفق لا يعطيه راحة فيها. هكذا يفرض الواقع الجغرافي شروطه على السياسي، ويجبره على أن يكون ضمن حدود اللعبة الدارجة، عندما يكون بلا موارد، ومعتمدا على المساعدات الخارجية.
لقد وجد الأردن أن مؤتمر قمة أبو ظبي الأخير، محاولة من قبل عدة أطراف لترتيب الأوراق من جديد، كي تقرأها الإدارة الامريكية المقبلة، في ضوء ما طرأ مؤخرا من تحالف استراتيجي بين بعض العرب وإسرائيل، وأن دعوته للمشاركة فيها هي محاولة أطراف عدة استثمار خبرته الطويلة في التعامل مع الإدارات الامريكية خاصة الديمقراطيين. فوجد في هذا الطريق بوابة لتحقيق أهدافه الآتية: أولا إعادة إنتاج دوره القديم كمطبخ تُعد فيه العلاقات العربية الأمريكية، والعلاقات العربية الإسرائيلية، خاصة أن هذا الدور كان يدر عليه منافع اقتصادية وسياسية وأمنية كبيرة. ثانيا تهيئة نفسه بصورة جديدة لتقديمها للإدارة الامريكية المقبلة في ضوء التطورات التي حدثت في المنطقة. ثالثا تقديم رؤيته وما يراه مناسبا للطرف العربي، لصياغة مشروع يحقق القبول لدى الإدارة الامريكية المقبلة، في ما يتعلق بما يسمى السلام وحل الدولتين. رابعا ضمان مصالحه في أن لا يكون التطبيع الجاري الآن على حسابه، وأن يتحمل وحده الأعباء المترتبة على ذلك، في ظل الوضع الديموغرافي في البلاد. خامسا ضمان عدم منافسته مرة أخرى في موضوع الوصاية الهاشمية على الاراضي المقدسة، التي يعتبرها أحد أعمدة شرعية حكمه. سادسا الأخذ بعين الاعتبار من قبل الأطراف العربية عدم الإضرار باقتصاده، من خلال مشاريع مطروحه بينهم وبين إسرائيل في ضوء التطبيع الاخير.
إن صانع القرار السياسي الأردني يجد نفسه اليوم في حال أفضل من السنوات الأربع الماضية، هو يرى أن أفول إدارة ترامب ومجيء أخرى، تقدّر دوره وتقرأ جغرافيته بصورة إيجابية، هي في صالحه، ما يجعل تفعيل العامل الجغرافي ممكنا، وممارسة دور فاعل في ملفات مهمة في المنطقة العربية سيكون مطلوبا منه. فالخلافات السياسية بينه وبين الإدارة الامريكية في عصر ترامب، والتجاهل الذي عانى منه، وعدم الانتباه إلى دوره التقليدي في الموضوع الفلسطيني، خلّف تحديات كبيرة، وأثّر كثيرا على علاقات الأردن الخارجية، خاصة مع دول الخليج. هذه الدول التي كانت أصلا علاقاته بها تمر بمنحنيات كثيرة، ثم شجعت سياسة ترامب المتجاهلة لدور عمّان إلى الدفع بها إلى حالة الانسداد. إن الدول عندما تتعرض إلى صدمات، فإن خروجها من هذه الحالة يتطلب المرور بعدة مراحل. الأولى أنها ترفض الحل علانية. المرحلة الثانية هي التثبيت. أما المرحلة الثالثة فهي القبول ومحاولة الخروج من الحالة. وفق هذا السياق رفضت عمّان صفقة القرن في البداية، لكن التحرك الاخير يبدو أنه فعل مدروس للقبول بصفقة القرن، ومحاولة الخروج من حالة الصدمة في إطار الاستجابة للديناميكيات الجيوسياسية الإقليمية والدولية المتغيرة، ورغبة منه في إنشاء منصة إقليمية جديدة تحاول التعامل مع الإدارة الامريكية المقبلة أيضا.
إن أخطر التحولات التي تجري اليوم في المحيط العربي، هو الشروع ببناء تحالفات على فكرة إعادة صياغة المنطقة، وفق أسس الشراكات التجارية والامنية وليس الحقوق. وإلا ماذا يعني ذهاب دول عربية لإقامة علاقات استراتيجية مع العدو الإسرائيلي، رغم أنها ليست من دول المواجهة، ولم تكن يوما في حالة صراع معه؟ هذا الاتجاه التصاعدي بدأ يدفع الآخرين للانخراط في التوجه نفسه كي يكون لهم نصيب في ما يقال عنه من مشاريع وبرامج كبرى. ولن تكون عمان بعيدة، فموقفها هو جزء من المشهد العربي المنقسم تبعا للانقسامات التي تزخر بها المنطقة اليوم. نعم هنالك ضغوط كبيرة على الأردن وهو يحاول جعل سلوكه السياسي وفق موازين القوى الحالية.
كاتب عراقي وأستاذ في العلاقات الدولية
نصف سكان الأُردن من الفلسطينيين, لهذا فمصلحة الأُردن مع المحور القطري التركي!
فهذا المحور مع حقوق الشعب الفلسطيني, وبالتالي سيدعم الإقتصاد الأردني!! ولا حول ولا قوة الا بالله
بدلا من توظيف الامارات مبلغ ضخم وهائل من المال لتحطيم الاقتصاد التركي
كان عليها توظيفه لخدمة الاقتصاد الاردني. أهل الاردن كرماء رغم المحن.