احتفلت فرنسا يوم 3 ـ 3 بعيد الجدة، وكما في الأعياد الغربية كلها.. يصير الأمر مناسبة تجارية مع اقتراحات بالهدايا التي يمكن تقديمها للجدة في عيدها، كالوسادة الدافئة كهربائياً، والأزهار، والجهاز التلفزيوني الحديث العصري، أو الخف المنزلي الدافئ، وسواها من الهدايا، وفقاً للإمكانيات المادية للأحفاد والأولاد، مع زيارة (سنوية!) غالباً للجدة في (بيت المسنين). لدينا في عالمنا العربي «عيد الأم» وليس لدينا «عيد الجدة».. وذلك في نظري ظاهرة إيجابية، فالجدة هي أولاً أمّ، وبالتالي يشملها عيد الأم، فلماذا نجد في الغرب تلك الظاهرة الاحتفالية التي تخفي خلفها، كقناع، حقيقة أليمة يعيشها معظم المسنين الغربيين.
الجدة ليست بطارية مستهلكة!
لست مبهورة بكل ما هو غربي، ولا أجد كما يقول المثل «كل افرنجي برنجي»، بل ثمة عادات تنبثق من تراثنا الروحي كعرب، وعلى رأسها احترام الجدات والأجداد الذين لا يتم التخلص منهم في «بيوت الراحة» المنتشرة بكثرة في الغرب كما لو أن المسن صار بطارية مستهلكة، إذ يتم إيداعه في أحد البيوت الخاصة بذلك ولها أسماء براقة، ولكن جوهر القضية هي أنه يتم إيداع الجدة المسنة في ما يشبه (الفندق) الكئيب من الدرجة الثالثة الخاص بأمثالها من المسنين الذين قلما يزورهم الأولاد والأحفاد. وهذه الأماكن التي تعتبر عتبة للقبر والمرحلة الأخيرة من الحياة قبل الموت نادرة الحضور في بلادنا العربية، فالجدة تظل تعيش مع أسرة ابنها أو ابنتها ولا تشعر بأنها من نمط الأعباء البشرية، بل تظل من بعض نسيج الأسرة العربية حتى الموت معززة مكرمة، والأحفاد يسعدون بها لأنها (تفسدهم) بالدلال!
من يبحث عن (بيبي سيتر) والجدة هناك؟
في الغرب ثمة مهنة رائجة اسمها (بيبي سيتر)، أي الشابة التي تعتني بالأطفال حين يغيب الأبوان. وثمة مكاتب خاصة بذلك في الغرب للتوظيف.
في عالمنا العربي تقوم بالمهمة غالباً الجدة، وذلك رائع، لأن المرء يضمن حنانها وحرصها على الأحفاد. وتعامل الجدة مع حفيدها أمر لا يمكن أن أشتريه بالمال..
وثمة أفلام رعب عديدة حول الصبايا اللواتي يأتين إلى بيت ما للعناية بالأطفال لساعات غياب الأبوين في سهرة ما، ويأتي العشيق ويؤذي الأطفال، وقد يعتدي عليهم جنسياً أو ما شابه من الحكايات..
وتلك الأفلام تجسد مخاوف الأسرة الغربية من شابة لا يعرفون عنها شيئاً يسلمونها رعاية أطفالهم وبيتهم ولو لساعات، هذا بينما الجدة التي يمكن الاطمئنان إليها وحدها تعيش الوحشة في «بيوت المسنين».
ثم إننا نسمع حكايات حقيقية تصل إلى المحاكم عن سوء معاملة بعض الممرضين للمسنين في المشافي الخاصة بهم، تصل حتى ضربهم أو سرقة بطاقات الائتمان بعد معرفة الرقم السري لاستخدامها في الحصول على المال من الآلة الخاصة بذلك المنتشرة في الشوارع.
مع أي اسرة تقيم الجدة الغربية؟
وتكوين الأسرة الغربية صار يختلف عن العربية، وبالذات بعد السماح في بعض الأقطار الأوروبية كفرنسا بزواج رجلين أو امرأتين، أي بزواج المثليين..
فجدة من هي التي ستعيش في بيت كهذا؟ وهل سيكون لها أحفاد في حال زواج (ذكرين) كما المطرب الشهير صديق الليدي ديانا البريطاني إلتون جون (وزوجه)، أو كما كان مصمم الأزياء الشهير ايف سان لوران وزوجه… وهنالك أيضاً ما يدعى في الغرب (الأسرة التي أعيد تركيبها) حيث أولاد المطلقين يعيشون في بيت واحد مع نصف الأخ أو الأخت. فأي جدة من الجدات سيقع الخيار عليها لتعيش معهم وهي غريبة عن «نصف الأولاد»!
مؤسسة الجدات والأجداد العرب
أعترف بأنني أحترم الأسرة العربية التقليدية على الرغم من نموذج الأب «سي السيد» وقد تجثم على صدور بعض البنات والأبناء، ولكنها متماسكة بمعنى ما وتحترم الجدات والأجداد، ومن طرفي لم أكن أقبّل يد أحد حتى أبي، باستثناء جدتي.. ولا نجد الجدة عبئاً بل بركة، ثم إنها تنقل إلينا على نحو عفوي التراث، بدءاً بالطبخ ومروراً بالقصص التي تروى للأطفال، وما زلت أذكر قصص جدتي التي كانت ترويها لي وأنا طفلة، ولعلها اخترعت بعضها بنفسها كقصص عن ثلاث بنات «يغزلن ويأكلن» أي يعملن.. وسواها من الحكايات التي أطلقت سراح خيالي منذ طفولتي، ولعل حكايات جدتي هي الشرارة التي أوقدت نار خيالي وجعلت مني روائية، ولست حقاً مدينة لشكسبير وفرجينيا وولف ونجيب محفوظ وفدوى طوقان وبيكيت ويوسف إدريس وسواهم لا يحصى، بقدر ما أنا مدينة إلى حكايات جدتي في طفولتي.. وكانت (روائية) سرية تخترع معظمها!
ما زلنا نرفض «بيوت الكرامة»
نطلق في عالمنا العربي أسماء جميلة للبيوت التي يعيش فيها المسن/المسنة بعيداً عن الأسرة، وهو أمر غير محبب في لبنان وعالمنا العربي عامة إلا في حال الضرورة القصوى. ومرة كنت في زيارة عمل صحافية إلى دار كهذه في بيروت، ووجدت المسنات جالسات في قاعة كبيرة يتسامرن، وقالت لي المتبرعة بالإشراف عليهن إن فلانة (وأشارت إلى سيدة تسعينية) هي والدة الشهير في لبنان مالاً ونفوذاً (فلان..)، وأعترف بأنني شعرت بالنفور منه، وتساءلت: لماذا لا يحتفظ بأمه في (الفيلا) الكبيرة التي يقطنها، ولماذا لا يحضر لها من تعتني بها وهو يملك المال لذلك بدلاً من سلخها عن الأسرة وحرمانها من أحفادها ومنه؟
قد أكون كاتبة متمردة، ولكن ليس على التراث الجمــيل إنسانياً في حياتنا العربية، و«عيد الجدة» عندنا هو كل يوم من احترامها وحبها والامتنان لها وللجد طبعاً، وحضورها في البيت العربي.
تكريماً لجدي كرار ،منحت اسم كرار لللاعب كريستيانو رونالدو لاعب يوفنتوس الايطالي ،فيصبح اسمة كراراستيانو رونالدو الايطالي ،طبعاً انا فريقي المفضل هو اليوفنتوس وهكذا نكافئ الاجداد التاريخيين.اليس كذلك..
نزولاً عند رغبة الاخت الغالية غادة الشاويش بسرد بعض حكايات جداتنا, يقول لكِ الاب المحب والمخلص رؤوف ما بقي في الذاكرة من احداث وسوالف قديمة.. وقديمة جداً فاقول:
انا ابلغ من العمر ستة وسبعون عامًا وسأروي ما حدث معي ومع جدتي التي ولدت في القرن التاسع عشر, كنت اتردد كثيرًا على بيت جدي, وكنت اتلذذ في الجلوس على “الطراحة” المفروشة على الارض واستمتع في احاديثها التي تسردها على مسامعي وهذا بعد الحاحي في الطلب لسردها, وكانت جدتي رحمها الله لا ترد لي طلب, وكنت احب سماع قصص الصوفيون والعباد امثال ابراهيم بن ادهم, والسفطي, وذو النون المصري ورابعة العدوية الخ..وكانت جدتي عندما تبدأ بسرد سيرة احدهم تبدأ بالبكاء وتستمر في البكاء حتي انتهاء الموعظة!! فأقول لها يا جدتي زيديني بموعظة اخرى فتبدأ بالثانية وكعادتها تنهمر الدموع من عينيها من بداية القصة حتى نهايتها,وعند الحاحي بالسؤال عن سبب بكائها, كانت ترفع راسها الى السماء وتقول يا رب زدني تعلقًا برحمتك واجعل هؤلاء العباد قدوة لي في مسيرتي …. يتبع
تتمة …
ومن الذكريات الجميلة مع جدتي انها كانت تخبيء بعض الحلويات في نملية البيت(خزانة صغيرة من خشب لحفظ الطعام ) كنت اطلب منها رحمها الله قطعة من الراحة(نحن الفلسطينيون نسميها حلقوم ) فتعطيني القطعة برضى ودون اعتراض وعندما اطلب قطعة ثانية كانت تقول لى يا رؤوف (الي بياكل قطعتين بيطلعلوا ابو سبع روس وبمص دمه) وهكذا كانت جدتي تمنع عني قطعة الراحة بكذبتها البريئة, المدهش في الام انني حتى الآن لا اعرف ماهو هذا ابوسبع روس …ما احلا جداتنا وايام زمان والسلام.
الاب البار بلنوار اقبل يدكم وانال بركة دعائكم وكلي غبطة بين يدي العلي القدير ان يجمعني بكم في مقعد صدق عند مليك مقتدر
ابنتك المتعلقة بروحك غادة
أشكرك أخي رياض على التتبع. ..واللهم ارحم والدينا وجداتنا واجدادنا الأحياء منهم والأموات. ..واجعلنا بجوارهم في عالم الخلد أن شاء الله.
تتمة…
ومن الذكريات الجميلة مع جدتي انها كانت تخبيء بعض الحلويات في نملية البيت(خزانة صغيرة من خشب لحفظ الطعام ) كنت اطلب منها رحمها الله قطعة من الراحة(نحن الفلسطينيون نسميها حلقوم ) فتعطيني القطعة برضى ودون اعتراض وعندما اطلب قطعة ثانية كانت تقول لى يا رؤوف (الي بياكل قطعتين بيطلعلوا ابو سبع روس وبمص دمه) وهكذا كانت جدتي تمنع عني قطعة الراحة بكذبتها البريئة, المدهش في الام انني حتى الآن لا اعرف ماهو هذا ابوسبع روس …ما احلا جداتنا وايام زمان والسلام.
ههههه الاب والاخ الكبير الغالي رؤوف كم ضحكت على سبع رووس سبحان الله وكنت اتلذذ بالفاظك الفلسطينية الاصيلة نملية وحلكووم متل ما امي الله يرحما بتسميه رحم الله جدتك وجداتنا واطال في عمرك وابقى قلبك مرهفا حساسا للسماء ان قلبا زرعت فيه رابعة العارفة العابدة يحق له ان يسجد عشقا ولا يقوم لينظر الى غير هذا الموضع شكرا جدا جظا رجعتللي البلاد وامي وكل شيء جميل
شكراً أخي رؤوف كلمات مؤثرة حقاً.
أيضا لقد ذكرتني بالأيام التي كنت أذهب إلى جدتي (ستي) حيث كانت تخبئ بعض الحلوى أو السكريات, أيام طعمها لذيذ جداً وذكريات لها طعم خاص.
انا لا زلت أتذكر بعلاقة طيبة جدا مع جدي من امي و الدي كان يطلق علي لقب دارج “المنختر” و هو وصف يطلق على رجل رصين يمشي الهوينة … لعلني كنت رصينا في صغري . آه لو علم كيف صرت … ?
و لا زلت أتذكر جملة واحدة من قصة كانت ترويها لنا جدتي من امي رحمها الله و هي “هينة يا هينة، آش عشاك البارح؟” فتجيب هينة (شهرزاد القصة) “عشايا الفتات و رقادي (نومي) بين البنات” . و الفتات بالدراجة ليس معناه كالفصحى بل اكلة لذيذة من رغيف و مرق و دجاج.
هل من الإخوة المغاربة من يتذكر هذه القصة؟ و هل هناك مؤلفات تحفظ هذا التراث الشفوي؟
نعم اتذكرها. …ومعها قصص كثيرة. ..ومنها قصة الصبية الذين طردتهم زوجة أبيهم ليجدوا نفسهم في بيت الغولة التي ترغب في اكلهم. ..وكيف انقذهم حجر كبير جلسوا عليهم فارتفع بهم. …صدقني كانت قصصا أحلى وأبلغ أثرا في نفوسنا من الرسوم المتحركة المطبوعة بالعنف التي يدمن عليها أبنائنا اليوم. …!!!.
ما أروعك يا اخي المغربي.
لا حول ولا قوة الا بالله
الجدة هي أم الأب كما أن الجدة هي أم الأم وقد تُوّجت الجدة في العالم العربي إلى مرتبة أم الإبن بحيث أن الإبن عندها عزيز كما يُقال إبن الإبن أعز عند الجدة من الإبن لما لمكانة الحفيد عند الجدة كما أن الجدة عزيزة عند الأحفاد.
أما الغرب فلا يُحفظ ولا يُقاس عليه.
أمي رحمها للله كانت دائما تردد المثل القائل, ماأغلى (ماأحب) من الولد غير ولد الولد.
تحية لمرتادي صالون السيدة غادة الرائع قُرّاءا ومعلقين دون نسيان أسرة القدس العربي الغرّاء:
سيّد كلية تحياتي.
ما ذَكَرتَ من مثل يُعتبر وسام يُوشِّح كل جدات المجتمع العربي.