الناصرة-“القدس العربي”:يرى مراقبون محليون أن تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن الجولان السوري المحتل يرمز لتغيير عميق في الموقف من الصراع في الشرق الأوسط، وكشف بعضهم كم كانت إسرائيل قريبة من إعادتها في مفاوضات قبل نحو العقد فيما يواصل رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو استثمار “الهدية التاريخية”. وترجح هذه الأوساط أن يقدم ترامب على تطبيق وعده خلال زيارة مرتقبة لنتنياهو للولايات المتحدة قبيل نهاية الشهر الجاري، وتجمع على كونها هدية انتخابية خاصة من ترامب لنتنياهو وهناك من اعتبرها تدخلا في الانتخابات الكنيست بفعل توقيتها وخلفيتها. من جهته اعتبر نتنياهو الهدية التي بلغته بتوقيت مثالي بالنسبة له عشية الانتخابات للكنيست في التاسع من أبريل/نيسان الوشيك “واحدة من عجائب عيد المساخر” و “رسالة لإيران”.
وتبلغ مساحة هضبة الجولان المحتل 1800 كيلومتر مربع، احتلت إسرائيل 1200 كيلومتر مربع منها وتستغل ثرواتها وتربتها الخصبة ووفرة مياهها لبناء مزارع وكروم التفاح والكرز والكيوي وغيره. وتضم الهضبة السورية المحتلة خمس قرى سورية هي مجدل شمس، وبقعاتا، ومسعدة، وعين قينية وجميعها عربية درزية وقرية الغجر المسكونة من قبل سوريين علويين ومجملهم يعدون 22 ألف سوري، وذلك بعد أن دمر الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 130 قرية سورية في الجولان الذي أقيمت فيه 32 مستوطنة أكبرها مدينة كتسرين ويبلغ عدد المستوطنين فيها نحو 26 ألف نسمة. وبادرت إسرائيل بقيادة رئيس حكومتها الراحل مناحيم بيغن لفرض سيادتها على الجولان السوري المحتل في 1981. واستذكرت مصادر إسرائيلية ما يشي بسخرية التاريخ عندما بدأت الولايات المتحدة في أيلول/سبتمبر 2010 مفاوضات سرية للغاية بين إسرائيل وسوريا، بوساطة أمريكية. ونقلت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية عن مسؤولين مطّلعين على المفاوضات قولهم إن نتنياهو كان على استعداد للنظر في طلب سوريا الانسحاب من الجولان لحدود 1967 مقابل قطع الأسد لعلاقاته مع إيران وحزب الله اللبناني والاتفاق على ترتيبات أمنية مشتركة أخرى. وكشفت أن طواقم خاصّة عملت على صياغة ورقة مبادئ وقامت بتبادل مسوّدات أمريكية مختلفة، قبل أن تتوقّف الاتصالات في آذار/مارس 2011 مع اندلاع الثورة السوريّة. ويعتقد مسؤولون إسرائيليون وأمريكيون أن إسرائيل وسوريا كانتا على بعد ستة أشهر لتوقيع “اتفاق سلام” بينهما. موضحة أنه في بداية الاتصالات، طلب السوريّون أن تبدأ المفاوضات من حيث انتهت عند شنّ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة عام 2009 أو ما يعرف بـ”ورقة النقاط الستّ” التي وافق عليها رئيس حكومة الاحتلال السابق إيهود أولمرت. وقتها بلغت المفاوضات السورية-الإسرائيليّة بوساطة تركيّا حدّ رسم الحدود الجديدة على الخرائط، “بدقة عالية جدا”. بيد أن نتنياهو عارض ذلك، واعتبر أن “ورقة النقاط الستّ” لا تلبّي المصالح الأمنية الإسرائيليّة، واقترح رسم خط جديد “يمكن للسوريين اعتباره خطّ الرابع من حزيران مع بعض التعديلات” دون حسم الخلاف السوري مع الاحتلال الإسرائيلي على بحيرة طبرية والترتيبات الأمنية. وطبقا لـ “هآرتس” وصلت الاتصالات بين الأسد ونتنياهو مرحلة متقدّمة، حتى أنه تم البدء بالاستعداد لمرحلة الإعلان العلني عن المسار، بموازاة بناء نموذج محوسب لدراسة إعادة نشر القوات العسكرية في منطقة الجولان من جديد وتجريدها من سلاحها والإعلان عن المنطقة كلها “منزوعة السلاح” إن وافق السوريّون على الابتعاد عن “محور الشرّ” الإيراني. يشار إلى أن مستشار الأمن القومي الإسرائيلي حينها، عوزي أراد سبق وكشف أن إسرائيل اقترحت حينها لتبادل الأراضي بين سوريا والأردن والسعودية في مقابل بقاء المستوطنات الإسرائيليّة في الجولان المحتل، تقوم الأردن بموجبها بنقل جزء من أراضيها لسوريا مساو في مساحته لمساحة المستوطنات الإسرائيليّة في الجولان، على أن تنقل السعوديّة للأردن مساحة مساوية من الشريط البحري جنوبي العقبة لكن في مقابل الموافقة الأردنيّة، رفضت سوريا ذلك. ووصف مسؤول أمريكي سابق في الإدارة الأمريكيّة التقدّم الحاصل في المفاوضات بأنه “جدّي للغاية” بقوله وفقا لـ “هآرتس” انه “كانت هناك علامات واضحة من الطرفين. الطرف الإسرائيلي كان معنيا جدا بحدوث تحوّل استراتيجي في سوريا، بينما كان السوريون معنيون باستعادة الجولان”. وأضاف المسؤول الأمريكي السابق “لو لم تندلع الأحداث في سوريا عام 2011 لكنا توصلنا لاتفاق متوافق عليه” يبقى أن يوافق عليه نتنياهو والأسد فقط. غير أن مراقبين إسرائيليين يرون أن نتنياهو كان يقوم بمناورة سياسية لأنه، منذ البداية، لم يكن متحمسا للمفاوضات مع الفلسطينيين، ومن جهته، كانت المفاوضات مع سوريا طريقا لصدّ الضغوط الأمريكية عليه. كما استذكرت “القناة الإسرائيلية العاشرة” أن مندوبا أمريكيا حمل رسالةً لنتنياهو من الأسد أعرب الأخير فيها عن استعداده لمعاودة المفاوضات “دون شروط مسبّقة” مقابل ضمانات أمريكيّة بإحياء ما يعرف بـ “وديعة رابين”. والحديث عن “وديعة” تلقاها الرئيس الأمريكي بيل كلينتون من رئيس حكومة الاحتلال اسحاق رابين مفادها استعداد إسرائيلي للانسحاب إلى خط الرابع من حزيران/يونيو 1967 في إطار اتفاق متكامل، شريطة وضع هذا التعهد في جيبه في انتظار توصل الطرفين إلى اتفاق حول بقية عناصر الاتفاق.
وترجح صحيفة “هآرتس” أن تغيير السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربي-الإسرائيلي مرده إلى المهندس الأمريكي، جورج ميتشل، الذي ابتكر تقنية استخراج كميات تجارية كبيرة من النفط والغاز من الصخور كبديل للنفط العربي. دون أن يولي للموضوع قيمة استراتيجية أو أمنية. ويقول المحلل للشؤون العسكرية عاموس هارئيل إن للإعلان الأمريكي أهمية إعلامية أساسا. مرجحا أن جوهر المسألة هو سياسي ويشير إلى أن التوقيت الحالي للإعلان يتيح لنتنياهو إبراز تجربته وعلاقاته السياسية كمجال يتفوق فيه على خصومه. ورغم الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على القدس المحتلة قبل عام يشير هارئيل لخطورة الإعلان كونه سابقة خطيرة بالنسبة للفلسطينيين حيث أن واشنطن تمنح الشرعية لخطوة إسرائيلية من جانب واحد، وهي السيطرة على أرض بالتزامن مع احتلال الضفة الغربية خلال حرب 67.