هل كان أمام الملك غير الاستجابة لمطالب المتظاهرين في الأردن؟

حجم الخط
1

في أحد المطاعم بعمّان تقرر تقديم وجبات بالمجان للزبائن في اليوم الذي تسلم فيه الأردن المنطقة التي تم تأجيرها لإسرائيل قبل 25 سنة. وأبعد من ذلك.. لم تشاهد في الأردن مسيرات فرح، ولم يتم إطلاق المفرقعات، ولم يتم سماع تصريحات احتفالية. “هذه كانت أرضنا التي استأجرتها إسرائيل من الأردن وأعادتها حسب الاتفاق، ولا داعي للاحتفال أو هتافات الانتصار، ولم تكن مناطق محتلة تم تحريرها”، قال للصحيفة مراسل أردني يعمل في صحيفة “الدستور” الأردنية.

في كانون الثاني الماضي كان واضحاً للملك عبد الله، مثلما لبنيامين نتنياهو، بأن اتفاق التأجير لن يمر بسهولة، هذا إذا حدث ذلك. في الشهر نفسه جرت مظاهرات صاخبة في الأردن طلب فيها المتظاهرون إلغاء قانون الضرائب الجديد، وفي المناسبة نفسها طلبوا إلغاء اتفاق التأجير. ومرت عشرة أشهر حاولت فيها إسرائيل فحص خيارات مختلفة لإبقاء الأراضي تحت تصرفها، لكن ضغط الجمهور في الأردن من جهة، وغضب الأردنيين من إسرائيل بسبب سياستها في القدس، فعلت فعلها. في أيار 2018 أقال الملك رئيس الحكومة، هاني الملقي، وعين بدلاً منه عمر الرزاز. في حينه أيضاً زاد ضغط أعضاء البرلمان الأردني الذين طلبوا معرفة مستقبل الأراضي المؤجرة. تملص الرزاز من إعطاء إجابة واضحة. “عندما يحين الوقت سنعلن للبرلمان موقفنا. وعلى أي حال، قرارنا سيستند إلى المصالح الوطنية للمملكة”، قال.

 لقد جرى تجنيد واشنطن أيضاً للضغط على الملك لتمديد الاتفاق، لكنها هي واشنطن نفسها التي تجاهلت الملك عندما صاغت “صفقة القرن” ثم زادت من غضبه بوقوفها خلف السعودية عندما دفعت السعودية لنقل السيطرة على الأماكن المقدسة في القدس إليها. عندما عرض مستشار ترامب، غارد كوشنر، على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس فكرة تشكيل كونفيدرالية مع الأردن دون سؤال المملكة عن رأيها، وصل التوتر إلى الذروة وتم التعبير عنها في أقوال المتحدثة بلسان الحكومة الأردنية، جمانة غنيمات، التي أعلنت بأن “الاقتراح لا يستحق النقاش”.

خوف الأردن الدائم من تحويله إلى “دولة بديلة” للفلسطينيين، وجد تأكيده عندما عقد الرئيس ترامب مؤتمر البحرين، الذي تولد فيه الانطباع بأنه سيتحمل عبء استيعاب ملايين اللاجئين الفلسطينيين في أراضيه. وأضيف إلى ذلك سياسة التباطؤ الإسرائيلية تجاه قناة البحرين المهمة جداً للأردن وإلغاء المساعدات الأمريكية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وفي النهاية أيضاً الاعتقال الطويل للمواطنين الأردنيين اللذين أطلق سراحهما مؤخراً.

لا توجد للأردن رافعة ضغط مضادة، وبقي في أيديها اتفاق التأجير الذي تحول إلى رهينة في أيدي سياسة إسرائيل والولايات المتحدة. وعندما يسأل البرلمان الأردني لماذا يسمح الأردن لمزارعي الكيان الصهيوني باستغلال أرض أردنية من دون مقابل، لم يبق أمام الملك غير تهدئة الانتقاد والإعلان عن إنهاء الاتفاق واستعادة الأراضي.

       التبكير في تقديم العلاج منعاً للاحتجاج

إن ضغْط الجمهور الأردني حول مسألة العلاقات بين المملكة وإسرائيل غير المنفصل عن الأزمة الاقتصادية الشديدة هو الذي حطم، إذا لم نقل فجر، ثقة الجمهور التي يحظى بها الملك في العشرين سنة من سنوات حكمه. في الأشهر الأخيرة امتلأت الشوارع في عمان وإربد والكرك والزرقاء ومدن أخرى بمظاهرات الشباب الغاضبة الذين طالبوا بأماكن عمل فقدوها لصالح مئات آلاف اللاجئين السوريين الذين وجدوا ملجأ في الأردن.

الاحتجاج والانتقاد ضد الملك لم يتوقف في الشوارع. في نيسان الماضي استبدل الملك سبعة وزراء في حكومة الرزاز وأقال رئيس المخابرات عدنان الجندي بذريعة أنهم أقاموا علاقات مع أعضاء برلمان ومع شخصيات أردنية رفيعة أخرى “بهدف المس بأمن الدولة”. وليس واضحاً إذا كان هناك حقاً مؤامرة للقيام بثورة أو أن هذا تم اختلاقه من أجل استعراض سيطرة وتحييد خصوم محتملين، لكن من الواضح أن مظاهرات الشوارع على خلفية اقتصادية هي أرض خصبة لكل شخص يريد استغلالها لأهداف سياسية وسياساتية.

في الشهر الماضي عندما جرت مفاوضات صاخبة في العراق ولبنان ازداد الخوف في البلاط الملكي من انزلاق الاحتجاج إلى الأردن، ومن استيقاظ متجدد للربيع العربي. ومن أجل استباق الشر، أعلن رئيس الحكومة عن عدة خطوات اقتصادية استهدفت تهدئة الشارع. منها تم اتخاذ قرار زيادة رواتب موظفي الدولة وسن قوانين لتشجيع الاستثمار وتحسين جودة الخدمات للمواطنين وإصلاحات إدارية. “لقد حان الوقت لاتخاذ قرارات واتباع خطوات واضحة تشجع الاقتصاد الوطني وتستجيب لاحتياجات المواطنين وتخفض نسبة البطالة”، أعلن الملك في جلسة الحكومة في الشهر الماضي. ولكن لم يكن هناك أي جديد في هذه التصريحات التي سمعها المواطنون مرات كثيرة. نسبة البطالة ارتفعت إلى نحو 50 في المئة، وثبت النمو عند 2 في المئة، أما الدين الحكومي فزاد على 42 مليار دولار، وخطة الإصلاح وإن كانت صحيحة فسيتم الشعور بنتائجها على المدى المتوسط والبعيد، وليس للجمهور صبر وقدرة على الانتظار. ومن أجل إعطاء الجمهور شيئاً ما ملموساً، قرر الملك فحص القانون الذي يسمح بحبس المدينين الذين لا يمكنهم تسديد ديونهم. تنتظر المحاكم الأردنية 300 ألف دعوى ضد مدينين خاصين، وإن عدداً منهم ينتمون للطبقة الفقيرة جداً التي يقدر حجمها بـ 15 في المئة من إجمالي عدد السكان. ثمة خطوات أخرى لم يتم تطبيقها بعد، تشمل تقليص رسوم تسجيل الأراضي وزيادة مساحة الشقق التي تكون معفية من رسوم ضريبة الأملاك أو ضريبة المسقفات. هذه خطوات صغيرة لا يمكنها إنقاذ الأردن من الأزمة الاقتصادية، لكن يمكنها خلق أجواء هادئة أكثر.

هذه الخطوات أرفقها الملك الأسبوع الماضي بتغييرات في وزراء حكومة الرزاز للمرة الرابعة منذ تعيينه في منصبه، وتعيين وزراء تكنوقراطيين من أجل تعزيز المجال الاقتصادي في الحكومة. في الوقت نفسه، أمر بإنهاء إضراب المعلمين الذي استمر مدة شهر، وهو الأطول في جهاز التعليم في الدولة، وأن يدفع للمعلمين إضافة بنحو 35 في المئة على رواتبهم. الآن تخشى الحكومة من اختراق اتفاقات الأجور أيضاً في قطاعات أخرى، وهو تطور يمكن أن يعمق العجز في الميزانية أكثر، ويفرض تقليصاً آخر في خدمات الجمهور.

الهشاشة الاقتصادية في المملكة والخطاب العام الانتقادي ضد العائلة المالكة لم تهدد بعد قاعدة سيطرة الملك، لكنها تجبره على التصرف بحذر شديد حتى لا تتحول الأزمة إلى أداة تخدم من يعارضون اتفاق السلام مع إسرائيل وعلاقة الأردن مع الولايات المتحدة. وعندما يستخف ترامب بالأردن ولا يعرف العلاقة بين الاقتصاد والسياسة فيه، حينئذ يجب على إسرائيل على الأقل الامتناع عن المس بمصالح الأردن السياسية.

بقلم: تسفي برئيل

 هآرتس 12/11/2019

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول خلف- المفرق:

    الحقيقة المؤسفة ان الشعب بات يعمل يقينا ان البلد تدار بحكومة ظل لا يعلم تبعياتها الا الله والراسخون بالعلم. الملك يعقتد الان انه يقدر على محاربة الفساد الذي استشرى وساهم فيه بشكل مباشر،الا ان واقع الحال يدل على تقويض الصلاحيات الدستورية ليسهل نهب مقدرات الدولة كما حصل من قبل فمنذ نشؤ دائرة مكافحة الفساد في اواخر التسعنيات اصبح الفساد يعمل بطريقة المافيات وتحول الى منظومة تعمل تحت القوانين والتشريعات وامتد الفساد الى جميع نواحي حياة الفرد وكان من نتاجة ان ادى الى سحب رصيد كبير من رصيد الملك ولا نستبعد بعد الان ان ترفع سقف المطالب الشعبية الى اسقاط النظام قريبا . سيما وان الدولة العميقة هي التي تحكم اجهزة غير منتجة تتحكم بسير الدولة ولديها اجندات للمحافظة على استمرار الدولة على ما هي علية لتقتات على جسدها حتى النهاية، حتى تنجوا المملكة من المصائب الاقتصادية المتراكمة هناك حل لا ثاني لهما وهوان يتم ملاحقة سراق البلد اصحاب الملايين واجبارهم على اخذ نصف ثرواتهم او حتى دفع ضرائب على اموالهم المسروقة كما قضية الدخان التي عملت منذ 2004 دونما ملاحقة ضريبة ام لان الفاعل الملكة واخوها وهم فوق القانون.

إشترك في قائمتنا البريدية