هل أدرك أطفال درعا الذين قلعت أظافرهم في أقبية الأمن السياسي بعد أن كتبوا وببراءة الأطفال على جدران صفوفهم المدرسية عبارة (جاءك الدور يا دكتور) معنى لكلمة الطائفية؟ وهل خطر على بال الأهالي الذين ذهبوا لمقابلة سجانهم عاطف نجيب بأن إجابته لهم ستكون (انسوا أطفالكم واحضروا لي نساءكم لأجلب لكم أطفالا بدلا عنهم) في مجتمع قبلي الشرف فيه أغلى بكثير من حياة المرء، مما فجر في درعا ثورة سرعان ما امتدت كالنار في الهشيم في كل أنحاء سوريا، هل فكر هؤء الناس المقهورون ولأكثر من أربعين سنة عندما ثاروا ضد ذلك النظام الفاشي المستبد بغير حريتهم وكرامتهم ومستقبل أطفالهم؟ ألم يفتح الناس في درعا وقصير حمص وريف دمشق قلوبهم وبيوتهم لإخوانهم الشيعة الذين نزحوا إلى سوريا وبمئات الآلاف إبان حرب إسرائيل الغاشمة على لبنان عام 2006؟ ألم يقاسموهم زادهم وديارهم رغم فقرهم وقلة حيلتهم؟ ألم يقم أطفال سوريا (والذين يقتلون اليوم) بجمع التبرعات في جميع أنحاء سوريا وألم يرسلوها إلى لبنان للمساعدة في إعادة إعمار الجنوب بعد إنتهاء الحرب؟ ثم ألم يحتضن الشعب السوري ملايين العراقيين الشيعة إبان الحرب الأمريكية على العراق والذين اتخذ عشرات الألوف منهم سوريا كوطن ثان لما وجدوه من حب ودفء قابلهم بهما الشعب السوري فآثروا البقاء في سوريا حتى بعد إنتهاء الحرب؟ فهل جزاء الإحسان هو الإحسان؟ بأي معيار أخلاقي يستطيع أحد أن يسم السوريين بسمة الطائفية؟ ووفق أي منطق يتم وصفهم بالقتلة التكفيريين؟ إن ذلك لعمري ظلم كبير يقع على الشعب السوري يكاد يفوق ألما ظلم النظام وتجبره. إن إيران وميليشيا الموت التابعة لها في حقيقة الأمر تحاول أن تبرر جرائمها في حق الشعب السوري بذرائع أقل ما نصفها بأنها ذرائع كاذبة مسيسة هدفها الأول والأخير خدمة مشروعها التمددي في العالم العربي على حساب وحدة العرب المسلمين شيعة وسنة. يدعي الإيرانيون بأن الحسين رضي الله عنه وأرضاه إمامهم وقدوتهم وهو الذي ثار على ظلم يزيد وطغيانه ثم ينكرون على الشعب السوري ثورته على أبشع النظم الظالمة المستبدة في التاريخ المعاصر. إنهم يدعون الإيمان ثم يناصرون نظاما يأمر الناس بالسجود لصورة بشار الأسد. يذبحون الأطفال بالسكاكين ويهلكون الحرث والنسل ثم يكبرون ‘يا لثارات الحسين’ والحسين منهم براء، متناسين قول الله سبحانه وتعالى أ تزر وازرة وزر أخرى. إنهم يقولون أن نظام بشار الأسد هو نظام مقاوم وممانع، ذلك النظام الذي لم يطلق طلقة واحدة ولأربعين سنة في جبهة الجولان المحتل، حيث ينعم المستوطن الإسرائيلي هناك بالأمن والإستقرار أكثر بكثير من نظرائه في تل أبيب، في حين لم تمنع جيوش المسلمين التي كانت تفتح مشارق الأرض ومغاربها الحسين رضي الله عنه وأرضاه من الثورة على ظلم يزيد وجبروته، فكيف يكون نظام بشار الأسد ممانعا ومقاوما وهو الذي استخدم ترسانته العسكرية التي دفع السوريون ثمنها من دمائهم وقوت أطفالهم ضد شعبه ومدنه، وهو يرفع شعارا بغيضا (الأسد أو نحرق البلد) والتي حرقها بالفعل ثم قام بتسليم سلاحه الكيماوي والذي قتل به أطفال غوطة دمشق بسهولة وسرعة أدهشت ساسة أمريكا والغرب لمجرد حلمه بالبقاء على كرسي الحكم. إن أخطر ما يواجه المسلمين شيعة وسنة في العالم العربي اليوم هو ذلك التقاطع المخيف بين هدف إسرائيل الإستراتيجي في تغذية الفرقة الشيعية السنية لتمزيق وحدة المسلمين، وبين هدف إيران التوسعي في الوطن العربي والذي يعتمد تلك الفتنة البغيضة كجسر عبور وحيد لأحلام إيران التوسعية فبالنظر الى ما يحدث في العراق اليوم من قتل يومي لمئات الأبرياء والمستمر منذ سقوط بغداد بيد الأمريكان، ندرك بأن هدف الجيش الأمريكي من بث روح الطائفية الهدامة في العراق قد تحقق بالفعل، ثم جاء دور إيران لتعزيز تلك الفرقة وذلك الانقسام وفق رغباتها ومصالحها ولتقوم بإنشاء ميليشيا طائفية تضرب بسيفها وتنفذ سياساتها تماما كما فعلت في اليمن ولبنان، في حين لم يسجل في هذا البلد العربي الكبير خلاف سني شيعي واحد منذ عصر الملكية وحتى سقوط بغداد، وكيف ذلك وسنة العراق وشيعته هم أولاد عمومة وينتمون في كثير من الأحيان إلى قبيلة واحدة تربط بينهم روابط الدم والنسب والعيش المشترك الكريم ولمئات السنين. إن إيران دولة براغماتية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، فهي لا تهتم ابدا بتمزق النسيج الإجتماعي في البلدان العربية كنتيجة لسياساتها وأطماعها، كل ما يهمها هو تحقيق ذلك الحلم الإمبراطوري والذي تستخدم من أجله المذهب الشيعي غير آبهة بالآثار الخطيرة التي ستنجم عن ذلك لعالمنا العربي، فإيران لم تنظر الى تمزق النسيج الإجتماعي في لبنان عندما زجت بحزب الله لقتال الشعب السوري، بل إنها لم تنظر إلى حجم الأحقاد الذي يمكن أن ينجم عن ذلك بين الشعب السوري واللبناني، المهم لديها هو الإبقاء على نظام الأسد والذي يمثل أحد الجسور المهمة لتوسعها الإمبراطوري، ونتيجة لذلك سقط ‘حزب الله’ اللبناني من قلوب الناس وضمائرهم كحركة مقاومة اسلامية كشرت عن أنيابها الطائفية البغيضة وعن ولائها المطلق لإيران لا للعرب والمسلمين وباتت تقتل الأطفال في سوريا بدل أن تحرر الأرض والإنسان. إن القوى الغربية وعلى رأسها أمريكا قد غضت الطرف عن تمدد إيران في الوطن العربي لأن ذلك يحقق برأي ساسة الغرب هدفين إستراتيجيين، الأول هو تمزيق الممزق وتقسيم المقسم من الوطن العربي، وأما الثاني فهو الإبقاء على ابتزاز دول المال في الخليج العربي، ولقد خيرت إيران مؤخرا من قبل الغرب خلال أزمة سوريا والتي تحتلها إيران فعليا، بين مشروعها التمددي في الوطن العربي وبين مشروعها النووي فاختارت المشروع الأول والذي سيفشله ثوار سوريا إن شاء الله، وهي تخوض اليوم مفاوضات شاقة بالتزامن مع ملفها النووي للبقاء في سوريا بأي ثمن حتى ولو ضحت برأس النظام، وهكذا غض الطرف عن احتلال إيران لسوريا تماما كما غض الطرف سابقا عن احتلالها للعراق. إن رهان الشيعة العرب على إيران اليوم هو لا شك رهان خاسر، فمستقبل أطفالنا مرهون بوحدتنا الإسلامية شيعة وسنة وبتسامحنا وتعايشنا المشترك، وإن التعصب والتفرد ونكران الآخر هو أخطر ما يهدد وجودنا ومستقبل أجيالنا. إن الكراهية التي تزرعها إيران بسياساتها بيننا نحن العرب المسلمين لن تفيد غير إيران وأعداء هذه الأمة. إن على حكماء الشيعة والسنة اليوم مسؤولية كبيرة في وأد هذه الفتنة الخطيرة التي يحترق بها اليوم أطفال سوريا والعراق، ولكنها إن استمرت فستحرق البيت العربي كله فهل كتب على العرب المسلمين شيعة وسنة أن يتجرعوا سموم الماضي وأحقاده، تلك التي تدمر حاضرهم ومستقبل أجيالهم، هل كتب عليهم أن يعيشوا واطفالهم تلك الترهات البغيضة وهم الذين يجمعهم دين واحد وكتاب واحد ونبي واحد وقبلة واحدة. قصي أبو قويدر ـ الامارات
شكرًا للكاتب على هذه المقال القيمة والحيادية والتي حثت الناس على الوحدة ونبض الطائفية المقيتة والحزبية