تسفي برئيل
مر أسبوعان على عملية اغتيال نسبت لإسرائيل بشأن تصفية الجنرال محمد رضا زاهدي، وتوتر قبل رد إيران في الذروة. حتى الآن تناولت السيناريوهات التهديد بهجوم بالصواريخ والمسيرات على إسرائيل مباشرة من أراضي إيران أو بواسطة مبعوثين: الحوثيين في اليمن أو حزب الله في لبنان أو المليشيات الشيعية في العراق، الذين سيهاجمون أهدافاً إسرائيلية أو أمريكية أو سيضربون سفارات ومؤسسات يهودية في العالم. في المقابل، تستعرض الولايات المتحدة العضلات بشكل مثير في الشرق الأوسط، بما في ذلك تحريك قوات بحرية قوية جداً، بالأساس تعهد رئاسي بالمحاربة إلى جانب إسرائيل إذا هاجمتها إيران. عاد الرئيس الأمريكي إلى مقولته في تشرين الأول “إياكم”، التي أصبحت مفهوماً استراتيجياً.
في الوقت نفسه، زادت الولايات المتحدة الجهود الدبلوماسية أمام إيران، وجندت السعودية والإمارات وتركيا وسلطنة عمان في محاولة لإقناع طهران بتقليص حجم الرد وتجنب التدهور إلى حرب إقليمية شاملة. احتجاز إيران أمس لسفينة ام.اس.سي.ارياس، التي هي بملكية جزئية لشركة زودياك التي يملكها أيال عوفر، على يد حرس الثورة الإيراني، طرحت التساؤل: هل سيقتصر رد إيران على ذلك أم يتعلق الأمر بخطوة أولى في سلسلة نشاطات تخطط لها طهران؟ التقدير المقبول هو أنه إزاء التوقعات الكبيرة لرد واسع – التي تستند لخطاب متشدد من رئيس الأركان الإيراني محمد باقري، الذي وعد بـ “ضربة كبيرة لإسرائيل”، وتعهد المرشد الأعلى علي خامنئي بمعاقبة إسرائيل، بدا احتجاز السفينة عملية هامشية، عملية لا يمكن اعتبارها “عقوبة شديدة” أو استعراض قوة، استهدف ليس فقط الانتقام، بل أيضاً ردع إسرائيل عن تنفيذ عمليات تصفية أخرى. ولكن هذا الاحتجاز قرب ميناء الفجيرة في الإمارات، على بعد 90 كم عن مضيق هرمز، هو رسالة مهمة قد تكون تداعياتها أوسع من الضرر المباشر الذي لحق بشركة السفن.
نشرت وسائل الإعلام الغربية أن إيران في محادثاتها مع المبعوثين الأمريكيين ودول المنطقة أوضحت بأن ردها سيكون محسوباً، أي أنه رد لن يؤدي إلى مواجهة واسعة أو حرب إقليمية. وكلما كانت التقارير صحيحة، فهي تعكس قواعد المواجهة التي تبنتها إيران في بداية الحرب في قطاع غزة، المساعدة والدعم والتمويل لـ “محور المقاومة”؛ وليس تدخلاً عسكرياً مباشراً. ولكن منذ اللحظة التي اعتبرت فيها إيران عملية اغتيال زاهدي في المبنى قرب السفارة الإيرانية في دمشق كمس بالأراضي الإيرانية وسيادة إيران، وليس السيادة السورية، فلا يمكنها نقل مسؤولية الرد إلى جهة أخرى. وحسب التحليلات الإيرانية، يكمن هنا فرق “رسمي” بين عملية الاغتيال الأمريكية لقائد “فيلق القدس” قاسم سليماني في كانون الثاني 2020 في بغداد، وعملية اغتيال زاهدي. لكنه فرق لم يمنع إيران من الرد على قتل سليماني بإطلاق الصواريخ البالستية على قاعدة عين الأسد في العراق، التي فيها قوات أمريكية. عشرات الجنود أصيبوا في حينه، لكن لا خسائر في الأرواح. هذا بالأساس لأن إيران أعلنت مسبقاً عن نية الهجوم وحددت مكانه. وفي حينه، نشر أن مجلس الأمن الوطني في طهران ناقش 13 سيناريو محتملاً للانتقام، وطلب خامنئي رداً شديداً. وفي إحياء ذكرى سليماني، يتعهد الزعيم الإيراني بالانتقام في كل سنة، أي أن هجوم الصواريخ في العراق كان رداً أولياً، وأن “الثأر الحقيقي” ينتظر في الدور منذ أربع سنوات.
خارج عتبة المواجهة
ما دامت إيران قررت التمسك برد لن يشعل حرباً إقليمية، فإن احتجاز السفينة يخدم هدفين في هذه الأثناء: فمن جهة تكتيكية، لا يتوقع أن تستدعي العملية رداً إسرائيلياً عسكرياً ضد إيران؛ ولن تضع إيران في مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة. في الوقت نفسه، تردد تحذيرات زعماء إيرانيين من الماضي غير البعيد بأن المس بإيران سيجعلها تضرب الملاحة في مضيق هرمز. آخر مرة سمع فيها هذا التهديد كان في آب 2023 على لسان قائد حرس الثورة حسين سلامي، الذي حذر من أن أي ضرب أمريكي لناقلات نفط إيرانية مخالفة للعقوبات سيستدعي الرد في هذه المنطقة. سيطرة إيران على سفينة مدنية قرب مضيق هرمز والخليج الفارسي، الذي يعمل فيه تحالف بحري برئاسة الجيش الأمريكي، قد تعتبر تجسيداً لهذا التهديد، وحتى الآن البقاء خارج عتبة المواجهة.
يبدو أنها عملية تشبه هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، لكن الأخيرين يقولون بأنهم يعملون ضد السفن التي تبحر إلى إسرائيل في إطار إسهامهم في محور المقاومة وكمساعدة لحماس بهدف إجبار إسرائيل على الموافقة على وقف إطلاق النار. وهكذا تمكنت إيران من طرح نفسها بأنها مسؤولة عن نشاطات الحوثيين، أو عن أي مكون آخر في “المحور” مثل المليشيات الشيعية أو حزب الله، ولكن عندما تكون هي نفسها التي تمس بحرية الملاحة قرب مضيق هرمز، فإنها بذلك تفتح ساحة مستقلة ومنفصلة عن “محور المقاومة”. ساحة غير مرتبطة بذاتها مع الحرب في غزة، وبالأساس حجم التهديد الذي تمثله أكبر بكثير من تهديد الحوثيين.
المس بحرية الملاحة في الخليج الفارسي يهدد عدة دول مثل السعودية والإمارات وقطر وسلطنة عمان والكويت، التي لها علاقات جيدة، وحتى وثيقة، مع إيران. هنا تكمن الرافعة السياسية التي يمكن لطهران استخدامها ضد الولايات المتحدة. وتحاول الولايات المتحدة استخدام دول الخليج كرافعة للتأثير على إيران. إضافة إلى ذلك، وإزاء الأضرار الاقتصادية الصعبة التي تسبب بها الحوثيون للاقتصاد العالمي، تصعب المبالغة بحجم الأضرار التي يمكن لعملية إيرانية معادية في الخليج الفارسي أن تلحقها بالاقتصاد العالمي. من ناحية نظرية، قد تحول إيران بذلك نية انتقامها من إسرائيل إلى أداة سياسية دون أن تضطر لإطلاق صاروخ واحد ضدها أو المخاطرة بمواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة.
عن هذه الاحتمالية نشرت في الأسبوع الماضي صحيفة “الأخبار” اللبنانية، المقربة من حزب الله، اقتباساً لأقوال دبلوماسي إيراني رفيع. “إيران عرضت الاقتراح التالي: إذا تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، ولم تهاجم إسرائيل رفح، فستكون إيران مستعدة لتقليص التوتر وخفض التصعيد وعدم تنفيذ أي عملية في هذا الوقت ضد إسرائيل”. ولكن المصدر أشار، حسب التقرير، إلى أن “إيران لم تحصل على أي رد على هذا الاقتراح”. يبدو أنه إذا كان هناك وبحق مثل هذا الاقتراح، فقد عرضه وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان أثناء زيارته لسلطنة عمان في الأسبوع الماضي، كجزء من نقل الرسائل للولايات المتحدة.
هذه التقارير لا يمكن أن تشكل أساساً لإلغاء التهديد بهجوم إيران على إسرائيل، لكن فيها ما قد يدل على وجود خط دبلوماسي كثيف، إيراني – عربي – أمريكي، الذي إلى جانب الخطابات المتشددة، يحاول التوصل إلى حل يمنع مواجهة عسكرية مباشرة بين إسرائيل وإيران.
هآرتس 14/4/2024
*