يصف المتابعون أحداث الجزائر والسودان بأنها موجة جديدة من موجات الربيع العربي، موجة جديدة تضرب البلدان التي نجت من موجة الربيع العربي الأولى التي اندلعت عام 2011. وبينما عم الفرح شوارع العاصمتين الجزائر والخرطوم والعديد من المدن التي شهدت مظاهرات مساندة للحراك الجماهري المنتفض ضد نظامي الحكم في البلدين، نجد هناك ريبة وشكا، وربما، نوعا من التخوف ومحاولة قراءة مستقبل ما يحدث من ثورات جديدة عبر مطابقتها بسيناريوهات ما حدث في بلدان مجاورة لبلدان الموجة الجديدة من الحراك العربي.
النظامان في السودان والجزائر جمعتهما عدة نقاط مشتركة، إذ أن البلدين يحكمهما نظامان عسكريان، أو نظم أفرزتها العسكرتارية، وحولتها إلى نظم شمولية، أبرز سماتها تمسك رأس النظام فيها بكرسي الحكم لمدد رئاسة غير محدودة، حاكمان عجوزان الأول مشلول ويتحرك على كرسي مدولب، وهو في الثانية والثمانين من العمر، واراد الترشح لولاية خامسة. ونظام يحكمه جنرال جاء الى سدة الحكم عبر انقلاب عسكري على الشرعية، وبنى سطوته ونفوذه عبر دعم التيارات الاسلامية الانتهازية، التي دعمت حكومة الانقلاب على مدى ثلاثين عاما، ورأس النظام، جنرال تطارده أحكام ومذكرات قبض صادرة من المحكمة الدولية، بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، ولكنه مع كل ذلك وهو في الخامسة والسبعين من العمر بقي متمسكا بكرسي الحكم حتى آخر لحظة.
الأنظمة الشمولية باتت واضحة للعيان كونها تسوق وجودها عبر فرض قبضة حديدية على المجتمع، واعدة بتقديم خطط تنموية، وتطالب الشارع بتحمل المصاعب انتظارا لمستقبل أفضل لن يأتي، ليتحول الامر بمرور الوقت الى تماهي الدولة بالنظام بشخص الرئيس الذي يبدأ بتسويق الأمر عبر أحجية (أنا أو الفوضى)، كما ترسم بطانة الديكتاتور الأمر ليبدو انه رجل محصن غير قابل للمحاسبة والمسألة، وأن الأمن القومي مرتبط بوجوده على سدة الحكم. وفي لحظة حاسمة يطاح بكل هذا الهذر، وتظهر الحقيقة عارية أمام أعين كل الذين كانوا يعتقدون بأن للنظام قبضة حديدية ويكتشفون مدى هشاشة الديكتاتور الذي يتحول للعب دور المسكنة، وهو في معتقله يعاني ذل النبذ في أرذل عمره.
لكن هل كان الأمر متوقعا؟ ومتى ابتدأ المراقبون يتوقعون حدوث موجة حراك عربي جديد؟ هنا يمكننا الاشارة الى تقرير صحيفة «فايننشال تايمز» قبل عام، إذ نشرت الصحيفة البريطانية تقريرها في مارس/ آذار 2018 ذكرت فيه، أن الشرق الأوسط سيشهد موجة جديدة من ثورات الربيع العربي، لكن «الربيع» هذه المرة سيكون «غاضبا وعنيفا» يأكل الأخضر واليابس. وطرحت الصحيفة توقعاتها بعد سرد دقيق يصف أحداث المنطقة العربية، وما تمر به من أزمات تتمثل بحالات الفقر والجوع والبطالة التي طالت العديد من دول الشرق الأوسط. وبنت الصحيفة قراءتها على معطيات اقتصادية وسياسية واجتماعية، تعاني منها بلدان العالم العربي، أبرزها ما يعرف بالقنبلة السكانية، إذ تشهد المنطقة واحداً من أسرع معدلات النمو السكاني، مصحوبا بسياسات اقتصادية كارثية، مثقلة بأعلى معدل بطالة في قطاع الشباب في العالم. إذ أنَّ 30% تقريباً من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15- 24 عاماً عاطلون عن العمل، في حين تتطلَّع حكومات دولهم التي تعاني أزمة مالية لإصلاح نظم الدعم المكلّفة، دون ان تستطيع توفير خروج آمن من عنق الزجاجة، الذي تمر به مجتمعاتها، فلا تجد، الأنظمة أمامها، إلا زيادة قبضتها الأمنية، عبر سياسات قمع الحريات والتقييد المفرط للتعبير عن الرأي، حتى تصل الحالة الى نقطة الانفجار. وقد أشار تقرير «فايننشال تايمز» في وصفه الحراك المقبل المتوقع بأنه: «انعكاس لنوبات الاضطراب وخيبة الأمل التي يشعر بها كثيرون في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، إذ يلومون قادتهم على تجاهل مطالبهم بأنظمةٍ أكثر إنصافاً توفر الوظائف والحريات الاجتماعية والازدهار».
ويحاول بعض المراقبين وصف ما يجري في السودان والجزائر من زاوية أخرى على أنه نوع من حلقة مفرغة ضمن صراعات المنطقة، وبالتالي فإنها لن تؤول إلا إلى ما آلت له الأوضاع في مصر وتونس، بل ربما دمرت الاحتجاجات الجديدة، بحسب رأي المتشائمين، بلدانها كما فعلت احتجاجات ليبيا وسوريا واليمن. وفي إشارة إلى تعقد موجات الحراك الجديد، أشار عدد من الخبراء الى الدور الذي يلعبه الصراع الخليجي وانعكاساته على ما يجري في شمال إفريقيا.
الأنظمة الشمولية باتت واضحة للعيان كونها تسوق وجودها عبر فرض قبضة حديدية على المجتمع
ويضيف بعض المحللين إلى ما يحدث في الخرطوم والجزائر وأحداث ليبيا والتصعيد العسكري فيها ضمن القراءة نفسها، اذ اعتبروا هجوم قوات الجنرال خليفة حفتر، المدعوم سعوديا، الذي يسيطر على حوالي 80% من أراضي ليبيا وحقولها النفطية، والذي يحاول إطاحة حكومة فايز السراج في طرابلس المدعومة قطريا بأنها جولة اخرى من الصراع الخليجي. مع فرحة إطاحة ديكتاتورين التصقا بكرسي الحكم لعشرات السنين، يبقى توقع المستقبل غامضا ومشوشا، فالسودانيون اليوم يتذكرون المشير عبد الرحمن سوار الذهب، الجنرال الذي أطاح نظام نميري في إبريل/نيسان 1985 ووعد بتسليم الحكم لحكومة مدنية منتخبة ديمقراطيا في غضون عام واحد، وقد وفى بوعده وسلم الحكم إلى الصادق المهدي رئيس الحكومة المنتخبة، وبذلك يكون سوار الذهب قد مثل حالة نادرة تمثلت بجنرال لا يتمسك بكرسي الحكم ويسلمه لحكومة مدنية بعد انتهاء مدة الحكومة الانتقالية. فالشارع السوداني اليوم يتذكر سوار الذهب ويهتف باسمه في حراك أطاح رئيس المجلس العسكري الانتقالي في السودان عوض بن عوف، الذي أعلن تنازله عن منصبه هو ونائبه كمال عبد المعروف، للفريق الركن عبد الفتاح البرهان، ليكون ثاني رئيس للمجلس العسكري بعد الإطاحة بالرئيس المعزول عمر البشير في غضون يوم واحد فقط.
كما عين البرلمان الجزائري عبد القادر بن صالح رئيسا مؤقتا للبلاد لمدة 90 يوما بعد إثبات حالة شغور منصب الرئيس وفقا للدستور. لكن المظاهرات الجزائرية بقيت محتدمة في شوارع العاصمة رفضا لتولي بن صالح مسؤولية الحكومة المؤقتة، إذ نزل آلاف الطلاب إلى شوارع الجزائر مطالبين برحيل «النظام»، ومرددين بالفرنسية «بن صالح ارحل»، و»ليرحل النظام». وقد جاء حراك الجزائريين الذين يتظاهرون بمئات الآلاف منذ أكثر من شهر كل يوم جمعة في كل أنحاء البلاد، رفضا لتولي شخصيات مرتبطة بعبد العزيز بوتفليقة قيادة المرحلة الانتقالية. وهنا يثار التساؤل؛ ما الذي سيفعله بن صالح في مواجهة الغضب الشعبي، هل سيأخذ علما بالمعارضة القوية ويستقيل ويترك المكان لشخصية أخرى أقل إثارة للجدل لقيادة الفترة الانتقالية القصيرة؟ أم سيبقى في مكانه باسم احترام الدستور؟ وهل جريان الامور بهذا المجرى سيرسم مستقبلا مغايرا لموجة الربيع العربي الاولى؟ هذا ما تتمناه الشعوب العربية للجزائر والسودان لتكونا نموذجا جديدا مشرفا يتجاوز هفوات حركات التغيير السابقة في المنطقة.
كاتب عراقي
في غياب المؤسساتية و عدم وجود أحزاب تمارس العمل المنظم المنهجي القائم على نظرية إجتماعية نابعة من التربة المحلية في البلاد العربية و مع سيطرة للغيبيات و إنتشار الجهل ، ليس هناك إحتمال لربيع عربي .
.
بلادنا مخترقة و الذئاب حولها ، و قد أثبت غزو العراق و ليبيا و التدخل الأعمى بالشأن السوري الذي حوّل ثورة نبيلة إلى مسالخ بشرية ذلك …….لذا هناك مبرر لليد القوية العادلة
و أعاننا الله أن نستطيع تدبير أمرنا جميعاً بعقلانية ، فصدقاً القرود كان ممكناً لها أن تصنع أفضل مما صنعنا خلال السبعين سنة الأخيرة ، ليس فقط تبددت الثروات و لكن فقدنا قوة بشرية كان لها أن تعمّر الأرض و تُزهيها.
هل يجب تدمير البلاد قبل ان يرحل هؤلاء الطغاة الفاشلون؟ هل قدرنا الاسد او نحرق البلد مهما كان الاسد او الضبع؟ لماذا لا يبدأ الاصلاح من الداخل و بشكل سلمي؟
ماذا لو قدم البشير استقالته او اقترح مرحلة انتقالية معقولة قبل شهر واحد من خلعه و اهانته؟ ام انه لم يكن يملك امره اولا و آخرا؟
قلناها اكثر من مره ان اغلب هؤلاء الرؤساء هم طرابيش او خشب مسندة لا تملك امرها صنعها اصحاب المصالح محليا و خارجيا؟ و لكن يبقى السؤال ما الذي يمنع ان يبدأ الاصلاح من الداخل؟؟
الاجندة الغربية بعد موجة الربيع العربى الاولى فى 2011 تنص على تولى العسكر شئون الحكم فى البلدان العربية فضلاعن اقرار بالتطبيع مع العدو الصهيونى من قبل دول الخليج للابقاء فى سدة الحكم … ومناهضة اى حراك شعبى يسعى للحرية والعدل والكرامة وتمويل الثورات المضادة لؤد هذا الحراك .
شكراً أخي صادق الطائي. أسعدني كثيراً قراة المقال وخاصة الجملة الأخيرة منه, و إن شاء الله.
لماذا العنوان (هل هو ربيع عربي جديد؟) والتحليل كله تشكيك في تشكيك؟، في أي حزب وأي مسؤول عسكري شارك بالسلطة؟!
إذا كان حتى الأحزاب الإسلامية انتهازية؟!
فهل كل ديمقراطي/ديكتاتوري/بيروقراطي هو انتهازي عند مثقف دولة الحداثة، أم ماذا؟!