هل يتجه النزاع المغربي الإسباني إلى التدويل؟

حجم الخط
45

إن كان جزء من الأوروبيين على الأقل يقف مع الإسبان ظالمين أو مظلومين، فمن يمكنه إذن أن يدعم الطرف الآخر في النزاع معهم، أي المغرب؟ حتى الآن ما تدل عليه المواقف والبيانات الرسمية، أن منظمات أو هيئات إقليمية كالبرلمان العربي ومجلس التعاون الخليجي والأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي، هي من تصطف إلى جانب الرباط.
ويبدو ذلك في سياق الرد على قرار البرلمان الأوروبي عملا متوازنا ومعقولا. لكن من يمكنه المضي بعيدا في دعم الموقف المغربي، والمخاطرة بوضع علاقاته مع إسبانيا ومن ورائها أوروبا على كف عفريت؟ حتى إن بدا الأمر للوهلة الأولى صعبا وغير مؤكد، فإن الثابت أن المغرب لا يعدم الأصدقاء الذين قد يقفون معه في مرحلة ما، لا التزاما بما تفرضه عليهم صداقته من واجب، بل حرصا بالدرجة الأولى على الحفاظ على مصالحهم في المنطقة، وعدم ترك المجال لخصومهم للتصرف هناك بانفراد.
وبغض النظر عما إذا كان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد تحدث الاثنين الماضي مع رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز على هامش قمة الناتو في بروكسل حول ذلك الملف، أم لا، فإن طريقة التحرك الأمريكي في الخلاف بين الجارتين تبقى محددا مهما لطبيعة المواقف، وردود الأفعال الإقليمية والدولية المقبلة حوله. غير أن ذلك لا يعني أن التطورات التي ستحصل في غضون الأسابيع المقبلة ستسير حتما وبالضرورة في اتجاه واحد، ولن تكون مفتوحة على أكثر من احتمال. ولعل تصوير صحيفة محلية مغربية، الأسبوع الماضي، للأزمة على أنها تجمّع «قارة في مواجهة دولة» في إشارة إلى بيان البرلمان الأوروبي الخميس الماضي قد يبدو في خضم ذلك المعطى، إما نوعا من اللعن المتسرع للمستقبل، أو على العكس شكلا من أشكال التهوين، وسوء التقدير للأبعاد الواسعة التي قد يأخذها المشكل. فمن يستطيع الجزم بأن الخلاف الذي بدأ ثنائيا ثم صار أوروبيا سيبقى بعدها بالضرورة ضمن تلك الأطر الإقليمية، التي تسعى مدريد لحصرها فيه؟ ومن يضمن أنه لن يكون له على المدى القصير، أو البعيد طابع دولي أوسع من ذلك؟ ثم من يستطيع أن يؤكد من الآن أن ذلك النزاع لن يفرز بالنهاية حلفين متقابلين أحدهما يؤيد المغرب، والآخر يدعم الإسبان، ضمن رؤيتين مختلفتين للمصالح، وتصورين متناقضين تماما لما يفترض أن تكون عليه التوازنات في المستقبل، بين جنوب أوروبا وشمال افريقيا؟ إن إعادة الأمور إلى نصابها، وإرجاع العلاقات الإسبانية المغربية إلى سالف وضعها، سيُسقط بلا شك جانبا كبيرا من تلك التساؤلات، لكن هل سيكون من البساطة والسهولة أن يحصل ذلك؟ وكيف سيتم الأمر؟ ومن سيدفع بالأخير ثمن أي تسوية مرتقبة قد تنزع فتيل أزمة دولية قد تنشب بين لحظة وأخرى في الشمال الافريقي؟

طريقة التحرك الأمريكي في الخلاف بين إسبانيا والمغرب تبقى محددا مهما لطبيعة المواقف، وردود الأفعال الإقليمية والدولية المقبلة

ليس من الهين أبداً على الإدارة الأمريكية الحالية أن تلعب دور الحكم، أو الوسيط مثلما فعلته إدارة الرئيس الأسبق بوش، قبل ما يقرب من عشرين عاما من الآن، حين قامت بتطويق الأزمة التي نشبت بين الجارتين بسبب ما عرف حينها بقضية صخرة ليلى المغربية، لما فرضت على الجانبين تسوية قبلت بمقتضاها مدريد أن تسحب قواتها وتنزل علمها من المنطقة، مقابل تعهد الرباط بابقائها خالية من أي مظهر من مظاهر السيادة المغربية عليها. ومن الغريب حقا أن يذهب البعض حد تصور أن مكالمة هاتفية بين وزيري خارجية أمريكا وإسبانيا، أو لقاءً قصيراً وعابراً بين بايدن وسانشيز سيكونان كافيين لقلع الأزمة من جذورها، أو أن يتوهم آخرون أن كتابة السطر الأخير للأزمة ستتم فقط حين يفرض الرئيس الأمريكي على رئيس الوزراء الإسباني تسوية يذعن بمقتضاها بشكل كامل وغير مشروط للمطالب المغربية. إن انتظار شيء من ذلك سيكون تجاهلا كبيرا لتشعب الملف، ولحرص الإسبان وجزء من الأوروبيين، على الأقل، على أن لا يخرج من بين أيديهم، وأن يظل محصورا في أبعاده الإقليمية، بما يدعم سيطرة الاتحاد الأوروبي واستمرار نفوذه على منطقة يراها حيوية واستراتيجية بالنسبة له. فضلا عن أن غياب تهديد قوي يمكن أن يدفع الأمريكيين لإقحام أنفسهم هناك بشكل مباشر، يجعل ذلك الأمر بلا معنى. ولأجل ذلك فإنه سيكون من غير المتوقع أن تنزل واشنطن بثقلها لدعم بلد عربي أو مغاربي، مهما كان مستوى علاقاتها معه، على حساب بلد أوروبي أو أطلسي مهما كانت درجة اختلافها معه حول بعض القضايا والمسائل. وأقصى ما قد تفعله بالمقابل، أنها قد تسهل جلوس الطرفين إلى طاولة الحوار، وتعرض عليهما حزمة من الأفكار، أو خطوطا عريضة، أو حتى ورقة عمل تكون منطلقا للمسار التفاوضي بينهما. لكن هل سيكون مسك العصا من الوسط مجديا؟ أم أنه من الضروري أن يستعيد الأمريكيون دور الشرطي، الذي يفرض النظام في منطقة تبدو الآن هادئة، لكن لا أحد يضمن أن تستمر كذلك، إن تفاقمت الأزمة، ولم تطوق في الوقت المناسب وبالشكل الملائم.
إن الوعي بأن صمت قوى دولية أخرى لا يعني بالضرورة أنها لا تهتم بما يجري في ذلك الجزء من العالم، يفتح المجال أمام الحسابات، فالروس والصينيون لن يكتفوا بمتابعة أطوار الخلاف المغربي الإسباني، إن خرج عن حد معين. ولعل البعض سيرى فقط في البيان الذي صدر الاثنين الماضي مثلا عن جمعية الصداقة الصينية المغربية، وعبرت فيه عن «تضامنها الكامل واللامشروط مع المغرب في دفاعه عن وحدته الترابية، ومن أجل استرجاع مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين» نوعا من الجعجعة الفارغة، لكن تأمل فقرة فيه أشارت إلى أن «الشركات الصينية والفاعلين الاقتصاديين والماليين الصينيين مستعدون للانخراط في مسلسل التنمية في إقليم المملكة من طنجة إلى الكويرة» قد يعطي انطباعا معاكسا، بل قد يشير إلى أن الطموحات الصينية في المنطقة ربما تدفع بكين في حال وصول الأزمة إلى منعرج آخر، لأن تدخل بطريقة ما على الخط، حتى إن كانت عدة عوامل كعلاقتها هي والروس بالجارة الشرقية، أي الجزائر، تجعل من تلك الفرضية مستبعدة وترجح بقاءها على الحياد. واللافت هنا هو أن الجيران الأقربين للرباط، لا يزالون منكفئين ومترددين وعاجزين، لاعتبارات شتى، حتى عن إصدار بيان رمزي للتضامن معها، في مواجهة دولة أوروبية تواصل احتلال جزء من ترابها. وربما عكس الحرج الذي شعرت به وزيرة الخارجية الليبية الجمعة الماضي، وهي تؤكد في ختام كلمتها في مؤتمر صحافي مع نظيرها المغربي، على تمسك ليبيا بالدعوة لقمة مغاربية، نوعا ما ذلك. لكن كيف سيتصرفون إن توسعت الأزمة وتم تدويلها؟ وفي صف من سيقفون؟ ما تدركه الرباط جيدا هو أنهم لن يكونوا، وللأسف الشديد، ومثلما هو مفترض ضمن حلقة الأصدقاء. وهذا قد يكون في حد ذاته أقسى ما تخرج به من أزمتها مع الإسبان.

كاتب وصحافي من تونس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول بنت الريف الحرة:

    اذا لم تتوقفوا عن مهاجمة الجزائر فأنني سوف اقوم بنشر الكتاب الكامل لقصائد الشاعر حمو ولد سيدي يبقى (في طبعته الورقيو وعلى النت وpdf) , في الايام القادمة

  2. يقول الكروي داود النرويج:

    ” لكن تأمل فقرة فيه أشارت إلى أن «الشركات الصينية والفاعلين الاقتصاديين والماليين الصينيين مستعدون للانخراط في مسلسل التنمية في إقليم المملكة من طنجة إلى الكويرة» ” إهـ
    1- الكويرة تحت سلطة موريتانيا!
    2- الصين لن تغامر بعلاقاتها مع الجزائر!!
    3- موقف الصين من قضية الصحراء الغربية ثابت!!!
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  3. يقول ماغون:

    الإتحاد الأوروبي جاثم على أرض المغرب في بقعة أولى إسمها سبتة وفي بقعة ثانية تسمى مليلية وقوة إسبانيا تستمد من أوروبا في حين أن المغرب شذ عن الإتحاد المغاربي بعد أن جعل من الصحراء الغربية نقطة خلاف في اتحاد مغاربي كان يمكن أن تصد إسبانيا ومن ورائها الإتحاد الأوروبي.

  4. يقول متتبع:

    المغرب يعول على شعبه وقبل كل شئ على الله وعلى الأحرار وهم في كل مكان حولنا وحثى داخل الجزائر التي يحقد نظامها بشكل مرضي على المغرب ، أوروبا تعرف قيمة مضيق جبل طارق ولن تجعل الأمور تصل إلى حد كارتي ولحد الساعة لم تصرح ولو دولة أوروبية واحدة خارج الإتحاد الأوربي بتضامنها مع إسبانيا وهم يعرفون كذالك أن هناك قوى كبرى تتمنى موقع قدم في هذا المضيق المهم ولهذا فإسبانيا لا تملك خيارات كثيرة فالعالم كله لن يصدق أن المدينتين امحتلتين إسبانيتين وأي هيجان للشعب المغربي ودخوله لهما بالقوة لن تتطيع إسبانيا إيقافه لأن الجيوش لا تنتصر على الشعوب وستجد إسبانيا نفسها وحيدة فالناتو لا يوفر لها الحماية للمدينتين المحتلتين لأنهما ومنذ قرون محل نزاع … متتبع

  5. يقول متتبع:

    هل أسبانيا أقوى من الولايات المتحدة التي قطع المغرب اتصالاته معها و أوقف المناورات المشتركة بل زار ملك المغرب حينها الصين و روسيا و تركيا باعتا بدالك رسالة إلى الولايات المتحدة، فهل أسبانيا أقوى من فرنسا حينما قطع المغرب اتصالاته معها لمدة سنة حتى اعتدرت و وشحت الحموشي حيت كان سبب الازمة؟ المغرب لا يخسر شيئا حتى و لو قطع علاقاته مع أسبانيا التي هي اليوم أضعف من اي وقت مضى

  6. يقول حسن:

    نحن لا ننتظر الدعم من جيراننا بل كل ما نطلبه هو ان يكفينا الله شرهم لن ننسى لهم تصامنهم مع اسبانبا سواء خلال ازمة صخرة ليلى او خلال الازمة الحالية والتي كان لهم “شرف” اشعال فتبلها ولكن تلك الايام يداولها الله بين الناس سنخرج ان شاء الله اقوياء من هذه الازمة وسياتي الدور على باقي ثيران المنطقة

  7. يقول احويكر احويكر:

    تدويل مسألة سبتة ومليلية سيكون بلا شك امتحانا لا للدول المجاورة فقط ولكن أساسا للعالم العربي والإسلامي وعدم الانحياز والاتحاد الإفريقي ديبلوماسيا واقتصدايا وإعلاميا، وانخراط الإعلام العربي مسؤولية وعلى الإعلاميين الملتزمين بمناصرة القضايا العربية الانخراط في هذا المشروع وعلى الأقل التعريف بالقضية ووصف سبتة ومليلية إعلاميا بكونهما محتلتين، وفي هذا السياق أحيي الأستاذ نزار بولحية والقدس العربي ونتمنى أن تلتحق بهما الجزيرة وكل المنابر العربية خاصة الناطقة باللغات الأوربية.

  8. يقول المرابط:

    الازمة المغربية الإسبانية ليست وليدة الصدفة ، هي مرحلة من صراع جيوستراتيجي ذو بعد اقتصادي محض ، ولا يمكن فصلها عن البريكست أو الصراع التركي الاروبي ، أو الملف الليبي والاطماع الاروبية ، وقبلها الروسية … ، القاسم المشترك هي ان هذه الازمات تطوق الاتحاد الاروبي ، إشارة العاهل المغربي ان المملكة ليست محمية لاحد كان ايذانا من المغرب لتلقي عروض تحالف مبنية على علاقات محددة تتخد من مغربية الصحراء محددات حاسمة فيها ..يتبع

  9. يقول المرابط:

    الازمة مع الاتحاد الاروبي بدأت قبيل إيقاف التعاون القضائي مع فرنسا …. والمرحلة الاحقة اتسمت بلقاسم الأدوار بين دول الاتحاد على المغرب الا ان التنسيق كان واضحا ، مع ملاحظة مهمة ان الاتحاد كان يقع في تناقضات أثناء موازناته بين مصالحه الاقتصادية ومتطلباته الجيوستراتيجية ، وهو ما شجع تحالفات المغرب الخارجية متسلحا بكونه منصة أفريقية فريدة ومنفردة ، وموقع جغرافي على احد اهم معابر التجارة الدولية ، ومن الخطأ اعتبار أمريكا خارج السياق ، بل هي طرف أصيل في الازمة إلى جانب المغرب ، وهو ما يستوعبه الاتحاد جيدا ، ولعل اسثناء سفراء المانيا وإسبانيا من حضور عرض النموذج التنموي الجديد خير مثال .. كل القوى الاقتصادية الدولية ترى في أضعاف الاتحاد الاروبي فرصة جيدة ، والمغرب يحافظ على مصالحه في إطار لعبة التوازنات التي يتقنها ، ولا عجب فهو اخر دولة تستعمر في أفريقيا واول دولة تستقل.. سنكتب السطر الاخير ولدينا من الأقلام ما يكفي ولو غاب القلم الأمريكي

    1. يقول ابن الوليد. ألمانيا.:

      ارفع لك القبعة .. فين كنتي مخبي يا اخي (اين كنت مختفيا) ..
      .
      كنت اعرف أن هناك اقلام من العيار الثقيل تقرأ فقط .. و تضعني شخصيا في جيبها الصغير ..
      .
      يا ايتها الاقلام .. ان لم تهبو اليوم فمتى .. القضية تحتاج قاماتكم ..
      .
      شكرا سي المرابط. انا متابع لتعليقاتك اخي.

    2. يقول أسامة حميد -الصحراء المغربية:

      تحليل قوي وعميق من كاتب يبدو واسع الاطلاع وعلى دراية وإلمام بالموضوع . شكراً سي المرابط.

  10. يقول المراكشي:

    الأسد يقاتل وحيدا .

1 2 3 4

إشترك في قائمتنا البريدية