قد لا تكون مشكلة مسلسل «الحشاشين»، في تزييف التاريخ، فالحقيقة أن كثيراً من الدراما التاريخية، لا يعتد بها في التأريخ، وإن كان هذا عذر أقبح من ذنب! تزوير الدراما لم يمتد للعبث بالوقائع التاريخية فقط، ولكنه امتد للنصوص الأدبية أصل العمل الدرامي، ولهذا عندما سئل نجيب محفوظ عن مدى تعبير المسلسلات والأفلام المأخوذة من أعماله عنها، قال بتحفظه المعهود، إنه ليس مسؤولاً إلا عن روايته!
المشكلة في مسلسل «الحشاشين» هي عدم الوعي التاريخي بحقيقة الحركة، وكل ما هو سلبي لا يصلح للإسقاط على جماعة الإخوان المسلمين، باعتبار أن هنا «حسن» وهناك «حسن»، حسن الصباح، وحسن البنا، فيبدو أن مؤلف المسلسل الرمضاني، لم يقرأ عن «الحشاشين»، إلا معلومات طائشة عبر الانترنت، فوجد أن الاسم وحده يكفي في عملية «الردح الدرامي»، عندما تستمد الدراما وظيفتها من أداء نساء الحواري في الأفلام القديمة، حيث يبدأ الأمر بـ «التقليح»، أو الهمز واللمز، وينتهي بـ «فرش الملاية»، واستخدام حركة الأيدي والحواجب في العراك؛ يُرجع في هذا لأغنية «يا عوازل فلفلوا»!
ولأنها قراءة سطحية، فيبدو أن المؤلف أعجبه الاسم، فوجده يكفي ويزيد للقيام بمهمته، وباعتبار أن «الحشاشين» هو الامتداد لمسلسل «الاختيار»، ومن باب تنوع الأدوات في المواجهة مع الجماعة التي لا تزال تؤرق النظام الحاكم بعد عشر سنوات من اختفائها من المشهد وتمدده فيه!
ولو فكر القوم، وأمعنوا النظر، وكان لديهم العلم الكافي بهذه الحركة، والزمان الذي وجدت فيه، لوجدوا أنها لا تصلح في معركة «التلسين»، ضد جماعة الإخوان، ولا يكفي للإسقاط السياسي، أن هنا «حسن» وهناك «حسنين»؛ حسن البنا وحسن الهضيبي، وفي سجون عبد الناصر أجبر الإخوان على الهتاف: «حسن البنا وحسن التاني.. دول بيتاجروا في الأديان»!
فالحشاشون هم حلفاء النظام المصري، منذ حركة ضباط الجيش في 1952، فطائفة البهرة هي الامتداد للمذهب الإسماعيلي، الذي هو مذهب الحشاشين، وفي كل عام يلتقي سلطان البهرة برئيس الدولة ويتبرع لمصر بعشرة ملايين دولار، حدث هذا في عهد الرؤساء السابقين، عدا الرئيس محمد مرسي، وقد زاد العطاء لعبد الفتاح السيسي، بل إن سلالة طائفة الحشاشين هذه تولت قبل سنوات ترميم مساجد أهل البيت في مصر، على وعد بأنهم سيرممون القاهرة الفاطمية، مع أن الحشاشين أصلا خرجوا على هذه الدولة، لكنه «العك» الذي أنتجه الجهل بالتاريخ، وحري بمن لا يجيد قراءة التاريخ أن يخطئ في «الإسقاط السياسي»!
ونحن نعيش مرحلة غريبة الأطوار، عندما يعتصم أهل الحكم بالتاريخ لتكوين مرجعية بديلة عن الإخوان، مع جهلهم بالتاريخ، فيقعون في المحظور في كل مرة! فهم يعتصمون بفرعونية مصر، وكأن أزمة فرعون لم تكن مع نبي الله موسى، لكنها كانت مع المرشد العام لجماعة الإخوان، وكأن فرعون كان مما يفخر به مع كفره، مع أنه خائب فالأنهار تجري من تحته ولم يفكر في تعلم العوم، فغرق ومن كفر معه، وقبل الغرق قرر أن يكون إمعة، فلم يستقبل مصيره بشجاعة، حيث أعلن أنه أمن برب موسى وهارون!
فإذا كشفت لهم هذا العبث قالوا إن فشل فرعون واحد لا يعني فشل الفرعونية، مع أن التاريخ لم يعرف هذه الفرعونية، فهي من أساطير الأولين!
ولم يقتصر الجهل على التاريخ القديم، ولكن امتد ليشمل التاريخ الحديث، ونقلنا عن أحدهم في مرحلة الخلاف مع أردوغان قوله إن السلطان سليم الأول، ويرمز له أردوغان، قتل طومان باي، ويرمز له السيسي، لكن في هذه المرة سيحدث العكس، أخذاً بالثأر، ولم يكن الكاتب اللوزعي يعرف أن «طومان باي» مملوكي، فهل يقصد ما يقول، وهل يشرفهم هذا النسب؟!
وإذا كان الحزب الوطني الحاكم، كان يختار الهلال والجمل رمزاً انتخابيا له، فإن تجمع أحزاب السلطة على قوائم حزب «مستقبل وطن» حدد مرجعيته باختيار كليوباترا، ثم نشر صورة نفرتيتي، لأن الأمر اختلط عليهم، وظنا منهم أن كليوباترا هذه ترمز لمصر القديمة، والرموز الإسلامية شأن اخواني، فوقعوا في شر أعمالهم، فالمذكورة كانت مقدونية وافدة محتلة، وليست مصرية، ولم تكن في سلوكها فوق مستوى الشبهات!
وكأني بالبهرة الذين يعيشون في مصر، وبسلطانهم السخي مع القوم، وهو يشاهد مسلسل «الحشاشين»، ويرى الطعنة من الحليف، وقد لا يدرك أن الحليف بالعمل قد ذبح نفسه بغير سكين!
إنها الحماقة التي أعيت من يداويها!
فتاوى القهاوي:
كانت المذيعة الراحلة سامية الأتربي تقدم برنامجاً على إحدى قنوات التلفزيون المصري اسمه «حكاوى القهاوي»، لا يزال يعرض حتى الآن على قناة «ماسبيرو زمان»، وهو واحد من برامج التسلية، يساعده في رسالته موضوعاته وضيوفه، وكذلك شخصية مذيعته، الهادئة في غير افتعال، والوقورة في غير تصنع، والبسيطة في غير تكلف!
وعندما تشاهد سامية الأتربي، وسلوى حجازي، وغيرهن من مذيعات الأيام الخالية ستقف على المهزلة التي نحياها، وهذا الصخب في البرامج التلفزيونية الذي تنتجه بهيمة الأنعام، وهذا ليس موضوعنا!
فقد أوحى لي «حكاوى القهاوي» بفكرة برنامج يليق بالفتاوى التي تتبناها «الشركة المتحدة» عبر قنواتها التلفزيونية في الشهر الفضيل، وهو «فتاوى القهاوي».. والتي أشرنا اليها هنا يوم السبت الماضي!
وفي الأسبوع الماضي كنا أمام رشقة جديدة من هذا النوع من الفتاوى، وقد تصدر المشهد مفتي مصر السابق علي جمعة، ضيف برنامج «ما يطلبه المستمعون من الفتاوى الشعبية»!
ولعل أهم هذه الفتاوى عندما تحول جمعة في احدى القنوات صدى لغيره، فالشيخ محمد أبو بكر أفتى عبر قناة «النهار» بأن الزوج لن يدخل الجنة إلا برضا زوجته (رواه المجلس القومي للمرأة وصححه علي جمعة)!
وبعد أسبوع من فتوى أبو بكر، كانت فتوى علي جمعة (مصحح الحديث) بأن الرجال لن يدخلوا الجنة إلا برضى النساء. هكذا بالمطلق؛ الرجال والنساء، وإذ أفتى جمعة من قبل بأنه وارد أن يلغي الله النار، فلم نعرف مصير الرجال الذين لم ترض عنهم النساء؟!
وعلى ذكر «فتاوى القهاوي»، فقد أفتى علي جمعة في برنامجه على القناة الأولى المصرية أن الجنة ليست حكراً على المسلمين، وكان صداه هو الشيخ كريمة، فقال المعنى نفسه على قناة «صدى البلد»!
والإثارة المطلوبة لن تكتمل إلا باستضافة أحد القساوسة لسؤاله هل سيدخل المسلمون الملكوت؟ وقد شاهدت قسيساً في فيديو يقول إن الإنجيليين لن يدخلوا الملكوت!
لماذا يحجب الرأي الكنسي، ونحن نعيش أزهى عصور الوحدة الوطنية؟
تطوير ماسبيرو: متى تنتهي المهمة؟
ذكرنا برنامج «نور الدين»، الذي تنتجه «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية»، بالتكليف القديم للشركة، الذي تم بالإسناد المباشر، وهو تطوير ماسبيرو، إذاعة وتلفزيون!
فالبرنامج يبث على القناة الأولى المصرية، وهل مفهوم التطوير أن تنتج الشركة البرامج، كما تنتج المسلسلات، وتعرضها على القنوات الرسمية، في مهمة غامضة المعالم، غير محددة المدة، غير معلوم قيمتها المالية، إلا إذا كانت التطوير هو لتمكين الشركة من وضع يدها على المبنى ومقدراته وميزانيته، وهنا نسأل عن معنى وجود الهيئة الوطنية للإعلام، ما دامت الشركة تتصرف في المبنى تصرف المالك في ما يملك.. هل يمكن لأحد أن يخبرنا عن ملامح هذا التطوير غير البرنامج التعس ليوسف الحسيني، والأكثر تعاسة للمفتي السابق؟
كلمني عن التطوير لو سمحت!
أرض – جو: نعلم أنه تم وضع اليد على قناة «الناس» التي كانت اختصاصاً سلفياً منذ نشأتها وقبل الانقلاب العسكري، ومع ذلك نجح دعاة بأعينهم في غزوها للمنازل، وبعد الثورة كان البرنامج المحتفى به لدى قطاع كبير من الإسلاميين هو الذي يقدمه الشيخ خالد عبد الله، لكني نسيت القناة، وبينما أقوم بجولة بين القنوات وجدتها أمامي فتركتها لثلاث ساعات لعلي أجد على النار هدي!
لقد وفروا لها البدائل من علي جمعة، وأسامة الأزهري، إلى معز مسعود.. ومع ذلك فشلت! فلماذا نجحت من قبل وفشلت الآن؟
٭ صحافي من مصر