فيما تتالت قرارات غلق الحدود، وشلت الحياة في أكثر من مكان ووضع ملايين البشر قيد الحجر الصحي، واصلت الطائرات وإلى ساعات قريبة تحليقها في سماء روما وباريس، ناقلة أعدادا من التونسيين إلى بلادهم. وبدا واضحا أن الرسميين في تونس وبدرجة اقل في المغرب والجزائر، لم يكونوا مرتاحين جدا إلى غلق مجالهم الجوي أمام الأوروبيين، رغم التحذيرات والدعوات المستمرة التي وجهت لهم بضرورة الإقدام على ذلك، تحوطا من فيروس كورونا.
ولكنّ للأزمة وجها آخر، فالمغاربة، على سبيل المثال، لم يكونوا بحاجة إلى خبير لغوي يشرح لهم مدلول العبارة التي استخدمها الرئيس الفرنسي في تغريدته، التي قال فيها قبل أيام: “أطلب من السلطات المغربية التأكد من القيام بكل ما هو ضروري في أقرب وقت ممكن”، لأن الصيغة كانت أفصح من كل شيء، فهي لم تدع مجالا للشك في أن ساكن الإليزيه، لم يكن مدركا أو مقتنعا بان هناك فرقا بين مخاطبة دولة مستقلة بشأن إجلاء الرعايا الفرنسيين منها والحديث إلى مقاطعة من مقاطعاته في ما وراء البحار حول الأمر نفسه. ولكن هل كان مثل ذلك الخطاب غريبا بالفعل؟ أم أنه كان فقط فرصة إضافية لاستكشاف واقع يتعدى علاقة المغرب بفرنسا، ليشمل علاقاتها بباقي الدول المغاربية بلا استثناء؟
هل المحنة الصحية العالمية ستكون فرصة لقلب العلاقة التقليدية المختلة بين المغاربيين والأوروبيين، رأسا على عقب وتصحيحها وتعديلها؟
إن الآلام والأحزان التي خلفها كورونا على امتداد العالم بأسره، بما فيه المنطقة المغاربية، قد تكون حجبت خدمة جليلة قدمها للمغاربيين، حين فتح أبصار كثير منهم على الخلل العضوي في علاقتهم بالضفة المقابلة. وما جرى هنا هو انه ومن بعد ما استهانوا بالوباء الكوني، وسخروا منه، وعبروا عن استخفافهم بقدرته على الوصول لهم، صاروا الآن ومع تواتر الإعلانات في الدول المغاربية كافة عن إجراءات وقرارات حكومية لتطويقه، والحد من انتشاره، يراجعون مواقفهم ويزدادون اقتناعا واعتقادا بأن الفيروس القاتل لم يكن ابدا مزحة ثقيلة أو كذبة أو حتى شأنا خارجيا لا يعينهم من قريب، أو من بعيد، مثلما توقع البعض منهم من قبل. لقد بات الجميع مجبرا كما هو الشأن في كل أرجاء الكوكب، أمام ما تكشف من حقائق ووقائع عن قدرته العجيبة على التنقل والانتشار السريع في مختلف الأوساط واختراق كل الحواجز والحدود، على أن يتخلى عن كثير من عاداته وتصرفاته وسلوكياته اليومية، ويتصرف بحذر شديد، وربما حتى بهوس واحتراس مبالغ. ورغم أن لا احد في تونس أو المغرب أو حتى موريتانيا، وهي الدول المغاربية الأكثر استقبالا للسياح الاوروبيين، صرح علنا بأنه لم يعد هناك مكان في تلك الدول للفرنسيين والإيطاليين والإسبان، وهم الجيران الذين تفشى فيهم الوباء بشكل كبير، فإن مثل تلك الدعوات الغريبة التي لم يكن أحد ـ أسابيع قليلة إلى الوراء ـ يتصور أو يتخيل يوما أن تصدر من تلك البلدان بالذات، صارت تتداول على نطاق شعبي واسع. فما فعله كورونا فاق التصور والخيال.. فمن كان بوسعه أن يظن أو حتى يخطر بباله انه سيأتي اليوم الذي يغلق فيه المغرب اجواءه بوجه الاوروبيين بالذات، وتأخذ فيه تونس قرارا محتشما بغلق مجالها البحري والجوي، ولو بشكل محدود، امام الفرنسيين، وتعلن فيه الجزائر لاحقا ايضا عن غلق مجالها الجوي بوجه الجميع؟ إن ذلك في حد ذاته انقلاب. ومع أن عدد الضحايا المعلن عنهم حتى الان في المنطقة المغاربية يظل محدودا مقارنة بمناطق اخرى في العالم، فقد استمر الفيروس في بث حالة من الخوف والذعر وإرباك الأسواق وتعطيل الأعمال، والكشف عن فئات اختارت المضاربة والتمعش في الأزمة، أو إظهار قدر مفرط من حب الذات، عملا بالمقولة الشهيرة “انا ومن بعدي الطوفان”.
لكن السؤال الذي فرض نفسه في المغرب الكبير في خضم ذلك هو، فيما اذا كانت المحنة الصحية العالمية ستكون بالفعل فرصة لقلب العلاقة التقليدية المختلة بين المغاربيين والأوروبيين رأسا على عقب وتصحيحها وتعديلها؟ وربما حمد كثير من التونسيين والجزائريين والمغاربة الله، على أن الوباء لم يظهر أولا في دولهم، بل جاءهم وافدا من أرض طالما وصفت بأرض الحضارة، ولعلهم استحضروا أيضا ذلك السؤال العنصري الذي طرحه أحد الايطاليين على مذيعة في إحدى القنوات التلفزيونية المحلية، في سياق الحديث عن كورونا لما استفسرها عن سر عدم اصابة المغاربة والجزائريين المقيمين في ايطاليا بالوباء، واستغربوا كيف أن المحنة والشدة غذت العنصرية وقوتها على الطرف الشمالي من المتوسط، بدلا من أن تخمدها في هذا الظرف على الأقل. ولكن ألن يكون ذلك كله مفيدا للمغاربيين في دفعهم نحو تغيير بوصلتهم وتوجيهها قليلا خارج القارة العجوز؟ ثم ألن يجبرهم على المدى الطويل ربما، على التعويل على أنفسهم بدل الاطمئنان إلى دعم وصداقة الأوروبيين الوهمية لهم؟ ربما سيكون من الصعب أن يظلوا بعد مرور الازمة وجلائها على الحال الذي كانوا عليه قبل ظهورها. فمثلما سيجبر الحرفي البسيط في تونس، وسائق التاكسي في مراكش، والبدوي في إدرار الموريتانية، وكثير ممن كانوا يتعاملون بشكل واسع مع الزوار والوافدين الاوروبيين على أن يجدوا بدائل اخرى لتحصيل أرزاقهم، لن يكون بوسع الحكومات، وقد رأت عجز الجيران الشماليين عن مد يد المساعدة لها في محنة الوباء، أن تقف مكتوفة الايدي منتظرة إغاثة ونجدة لن تصلها، على الأقل وقت الحاجة، فهي ستضطر حتما إلى التعويل على قدراتها الذاتية، حتى إن كانت بسيطة أو قليلة أو محدودة، وقد تلجأ أيضا إلى البحث عن فرص أخرى خارج محيطها التقليدي. لكن كم سيكون صعبا على الأنظمة المغاربية أن تتخلص وبشكل كامل ونهائي من الدوران في الفلك الأوروبي، أو تخرج بالكامل عن طوع أوروبا وسيطرتها، وتفك الارتباط الظالم وغير المتكافئ بين اقتصاداتها واقتصاد القارة. ومع ذلك فيسكون مهما أن تكون الأزمة الصحية الكونية، قد نجحت، ولو نسبيا، في كسر الحاجز النفسي القديم بين الضفتين، وكشفت للمغاربيين مدى ابتعادهم وعزلتهم عما كان البعض منهم يتوهم، انها امتداده الطبيعي والاستراتيجي الدائم. فحتى لوانتقل الوباء من اوروبا إلى المغرب الكبير، ولم يحصل العكس فإنه لم يكن هناك بد من ظهور الشرخ بين الطرفين لسبب أو لآخر. ومع أن هناك من قد ينتصب للقول إن في ذلك قدرا من الشطط المبالغ، وان حليمة ستعود حتما إلى عادتها القديمة، ولن يتغير شيء بعد جلاء كورونا، إلا انه سيكون من غير المتوقع ايضا أن تراوح العلاقة مكانها القديم. غير أن المغاربيين سيكونون مطالبين بتغيير انفسهم، قبل تعديل علاقاتهم. فمثلما فرض عليهم الفيروس سلوكات غير مألوفة فسيكون عليهم الآن أن يدركوا أن اهتزاز صورة أوروبا في أعينهم، يجعلهم مجبرين على انتهاج سياسات وخيارات وخطط بديلة للمستقبل. فهل يملكون الجرأة والارادة لفعل ذلك؟ هذا ما نأمله منهم على اي حال.
كاتب وصحافي من تونس
في كل مرة يفوتني فيها مقالك اشعر بالحسرة قيمته عالية فيه اعتزاز ثقافي وتذكير للاسد الذي يظن نفسه ارنبا عبر ايحاءات الوهم انه اسد فعلا ..قد ترى كلامي مبالغا فيه لكنني شدييييييدة الشغف بالمغاربة وتراثهم وحضارتهم وعظمة تاريخهم … ان اول خطوات التغيير يكمن في تغيير الانظمة السياسية التي استهلكت الفيمة الاقتصادية والجيوسياسية والحضارية الكاسحة للمغرب لصالح الجيران الشماليين ان هذا يحتاج الى ثورة ثقافية وتراكم استراتيجي عكسي مدروس بدقة من حكومات منتخبة حقا وليس اصناما بقيت تعبد بعجرها وبجرها ( بورقيبة نموذجا ) ولا خيالات مءاتة تحكم من الدار الاخرة ( بوتفليقة رحمه الله رغم كل شيء ) نموذجا ولا حكومات ظل عسكرية تعمل كمندوب سامي للمحتل القديم ( الجزائر نموذجا ) ولا حكما ملكيا يتجاهل القوة الكاسجة للشعب المغربي على حكومات اعمال وخبراء ( مع انني اجد المغرب ملكية معتدلة ) ..يتبع لطفا
انا مشرقية اخي نزار … ولطالما سألت صديقا مغاربيا كان عرفني على عظمة بلادكم التي كانت تثير شغفي جدا لدرجة انني اراها بلاد الحوريات وعوالم السحر الكاسح .. ما هذا ؟!! ماذا تفعلون في اوروبا ؟!! هل جننتم ؟!! لو كنت مغربية لسجدت على التراب وبقيت هكذا الى يوم يبعثون كيف تتحملون الحياة هناك لا شيء بالنسبة لعظمة وجمال بلادكم انتم شعزب منفتحة ثقافيا مع حفاظ نادر على اصالة هائلة العراقة انتم مزيج من حضارات الدنيا لديكم ثروات ومساحات وانسان مميز حتى لو لم بكن لديكم ثروات السياحة وحدها والخدمات العلاجية والاعشاب والسردين والفوسفات والنفط ( ليبيا المسكينة التي حكمها المعتوه دهرا ) قال لي انها لقمة العيش ! قلت له لو ان لي غرفة في ريف المغرب تدر علي طعامي وقدموا لي اوروبا على طبق من فضة لما غادرت !
المحبة غادة
يا سيدتي غادة: لك مني جميل الشكر والامتنان على تعليقاتك الرائعة حول المغاربة والمغاربيين.
ولك مني فائق التقدير والاحترام ..وأنا والله أكتب من قلبي ورأيي ليس مجاملة بل حصيلة انبهاري بتراثكم وعظمة بلادكم حرسها الله
بغض النظر يا استاذ نزار عن الطبيعة النحوية لجملة الرئيس الفرنسي التي يصر بعض أتباع المدرسة الثكنية. ..وهي لاعلاقة لها بمدرسة البصرة والكوفة المشهورتين في هذا المجال. ..على أنها فعل أمر. …بينما يرى أهل المنطق أنها من صيغ الطلب والترجي. ..!!! فإن التوجه المغربي سواء بالنسبة إلى إسبانيا أو فرنسا ارتكز على المبادرة السيادية التي تتطلب الاستعجال والبراغماتية في التنفيذ. …ولذلك أغلقت الحدود مع إسبانيا بمجرد ظهور البوادر الأولى للوباء. ..واتبعت بإيقاف كل الأنشطة الرياضية والاجتماعية والثقافية. …؛ كما ظهر نوع من التكافل القوي في جمع المبالغ المطلوبة لصندوق الدعم. ..وقيام شباب بتوفير المؤن الضرورية للفقراء والمسنين المعوزين. ..دون أن ينفي ذلك قيام المسطحين والمتهافتين. ..بحملات تسوق وتخزين غير مسبوقة. ..وكأننا مقبلون على السفر الى المريخ. …؛ أي قيم تعلو عند البعض. ..وسلوكيات تنزل عند البعض الآخر. ..وهذا قدرنا في مجتمعاتنا مع الأسف. .وشكرا.
لمن تحكي زابورك ياأستاذ بولحية وانت تقرأ فيما تقرأ من تعليقات يشهد فيها الضحية على حكمة جلاده ورحمته وعطفه على ابناء وطنه رغم ما يذيقهم من مرارة العيش وسوء الحال والمآل وحتى ما هو يفوق الأوبئة والأمراض ، لكن مع ذلك تقرأ وتسمع ما لايصدقه عقل ولايقبله منطق ،،لكن لكي تبني شعب متحررا ، عليك أن تبدأ بتحرير العقول قبل تحرير الأجساد ..
يا اخ نزار العلاقات والدوران في فلك اوروبا لم يكن قط اختيارا شعبيا ولكن فرضه الاستعمار الغربي لشعوبنا واذرعه بعد خروجه لكن كن على يقين ان العالم بعد كورونا لن يكون كقبلها وان الدول المغاربية ستكون لها كلمتها ولو بعد حين وان موجات الهجرة ستعكس يوما وليس بالبعيد وسنتحكم في سياساتهم.
أوطاننا أجمل ما خلق الله ..لكن من يحكمها حفنة من أقذر ما خلق الله ومن خلق الله عن سوريا المذبوحة أحدثكم التي لو كان يحكمها شعبها فعلا لما وجدت سوريا واحدا في فرنسا او المانيا او السويد
فرغم أن هذه الظاهرة أنزلت جوا من أجواء الرعب كالتي نجدها في روايات الكاتب الأمريكي “ستيفن كينغ”، وأختص منها روايته “الصمود”، “طهي صتاند” (ظهرت 1975)، التي تحكي عن ڤيروس خطير يتسرب من إحدى المختبرات وينتشر بين الناس، والدول تغلق حدودها، فلا شك أن لها إيجابيات بدأ يظهر ملامح بعضها وأخرى ستظهر مع الوقت..
منها في الحالة المغربية، والأشياء لن تكون مختلفه في مجتمعاتنا المغاربية والعربية الأخرى :
1) التضامن الكبير الذي بدأ يأخذ مكانه داخل المجتمع؛
2) صندوق التضامن فاق في يوم واحد الرقم الذي حدد له، إذ وصل إلى مليار وثلاثمائة مليون دولار؛
3) أظهر وطنية رجال أعمال وأثرياء البلد المعروفين.. فدفعوا بسخاء.. وأذكر منهم عثمان بن جلون أوعزيز أخنوش (وزير الفلاحة)، كل واحد 100 مليون دولار… حفيظ العلمي (وزير الصناعة) 20 مليون دولار، وآخرين كثيرين…
4) سينتج عن الرقم 3) تصالح بين المجتمع وأثريائه، وتلاحم بين فئات المجتمع… وإذا عرفنا أن بعض الوزراء ك حفيظ العلمي لا يأخذ راتبه كوزيرمن دائما بل يدفع من جيبه لبعض معاونيه المقربين، فنفهم من أي طينة هم كثير من رجال الأعمال في هذا البلد..
(2)
ونقول لكاتبنا المحترم، سيمُرّ الكابوس، ومفاهيم كثيرة ستتغير، وأشياء كثيرة ستندفع بقوة، وبروح جديدة… ومرحبا بأختنا غادة الشاويش الفلسطينية المغاربية.. وممتنون لك بمجهوداتك لإصلاح ذات البين..
رواية Stephen King “الصمود”؛The stand”؛ “Le Fléau”؛ وهي فيلم كذلك، لكن قرائة الرواية أحسن..
لي كل الشرف والفرح بان اكون فلسطينية مغاربية اخي عنانو وسيبقى المغرب كبيرا كتاريخه عظيما كابنائه صهارة الدنيا بحضارته العريقة حرسه الله واهله