“شرق أوسط جديد” – لا تعبير مناسباً أكثر من هذا لوصف معان تاريخية ودراماتيكية للخطوة التي تقودها إدارة بايدن للتطبيع بين إسرائيل والسعودية، إذا ما خرج فعلاً إلى حيز التنفيذ.
بعد ثلاث سنوات من اتفاقات إبراهيم التي فتحت أمام الإسرائيليين عالماً جديداً من الفرص في الإمارات والبحرين والمغرب، بات ممكناً فجأة تخيل إمكانية زيارة أرض عرش الإسلام ورؤية مباريات رونالدو وبنزيمة هناك. لكن الحديث لا يدور عن هذا فقط، فالآثار الجغرافية السياسية لتطبيع إسرائيلي – سعودي ستكون ملموسة في كل أرجاء الشرق الأوسط وبعيداً عنه أيضاً.
لقد سبق للرئيس بايدن أن سجل نجاحات مهمة في الساحة الدولية منذ دخل البيت الأبيض قبل سنتين ونصف، عندما أعاد الولايات المتحدة إلى مكانها كرأس حربة لدول الغرب، بخاصة منذ الاجتياح الروسي لأوكرانيا في شباط 2022. لكن إذا تم التوقيع على اتفاق التطبيع الدراماتيكي، سيثبت الرئيس الأمريكي مكانته كأحد الرؤساء الأهم والأكثر تأثيراً في التاريخ الأمريكي والعالمي، وسيفوز بورقة مهمة جداً. وذلك حين تكون انتخابات 2024 خلف الزاوية، في ظل تساؤلات حول أهليته الصحية والعقلية ليتولى المنصب لأربع سنوات أخرى، خصوصاً في ضوء التحقيقات التي يديرها الجمهوريون ضده وضد ابنه هانتر.
يعرف بايدن أن بانتظاره معارضة عميقة للغاية داخل قاعدته الديمقراطية – التقدمية. وقد سبق أن اضطر لابتلاع ريقه وتجاوز كرامته حين وصل إلى السعودية السنة الماضية بعد أن وصف المملكة في حملة انتخابات 2020 بأنها “دولة منبوذة” بسبب قتل الصحافي خاشقجي. الكثير من الديمقراطيين في تلة الكابيتول بينهم أيضاً أعضاء كونغرس وشيوخ مؤثرون، سيطالبون بتغيير جوهري حول وضع حقوق الإنسان في المملكة قبل الموافقة على الاستجابة. وحتى بشكل جزئي، لمطالب الرياض: تعهد أمريكي للدفاع عن المملكة مثلما في المادة 5 من ميثاق الناتو، وموافقة على تطوير برنامج نووي مدني، وإذن بشراء وسائل قتالية متطورة للغاية من الولايات المتحدة.
لهذا السبب، فإن مطالباتها من إسرائيل بخصوص الموضوع الفلسطيني – مثل تعهد رسمي بالامتناع عن ضم الضفة الغربية، وتجميد المستوطنات – تعد وسيلة لتخفيف حدة الاعتراض الديمقراطي. إذا استجاب لها رئيس الوزراء نتنياهو – وهي “إذا” كبيرة جداً – فلن يكون المعنى فقط جر حل الدولتين إلى الطاولة، بل أيضاً خروج “الصهيونية الدينية” و”قوة يهودية” من الائتلاف، والموت النهائي للإصلاح القضائي. يدور الحديث عن ضرب عصافير بحجر واحد. تسوية تطبيع كهذه ستبعد السعودية أيضاً عن الصين، وتساعد في جهود احتواء إيران، وتضمن ضخ النفط من السعودية إلى الولايات المتحدة، وهي أهداف حتى الجمهوريون معنيون بتحقيقها.
بايدن نفسه قال في نهاية الأسبوع إن هناك تقدماً في الاتصالات، بعد أن عاد مستشاره للأمن القومي جاك سوليفان من المحادثات في السعودية. لكن واضح للجميع أن الطريق لا تزال طويلة إلى هناك، وأنه لا توجد ضمانة لأنها مسألة أيام وحتى أشهر. وذلك في ضوء التعقيد الهائل لتفاصيل الاتفاق المطروح والآثار السياسية داخل الولايات المتحدة، وفي إسرائيل أيضاً.
حاييم ايسروبيتس
معاريف 1/8/2023