من أول نقطة دم على الأرض، ما زال همس الدم يتواصل مع إيريك دورتشميد في سرد تاريخي لبدايات ثورات مدفوعة بحماس لم تصل إلى بر الأفضل في تاريخ الثورات، التي استعرضها إيريك دورتشميد في كتابه «همس الدم» الصادر عن «دار المدى» ترجمة أحمد الزبيدي، الذي يروي فيه قصص الثورات والفوضى، والمجد والموت.
أول ثوري في الحياة لم يكن هو الآخر الذي محا الفساد والظلم، واستبدله بالخير والفضيلة، وتأمين الأفضل لحياة الناس الذين انهكتهم الثورات، وبعضها سبب الدمار والفناء لمدن وبلاد. إذ دخل إيريك دورتشميد الكثير من الأرشيف، ليقدم لنا عدة حكايا ثورية انتهت أغلبها، إن لم أقل كلها في الماضي لتتجدد في الحاضر بشكل توارثي، وهي مؤرشفة في كتب التاريخ التي تحمل في طياتها همس الدماء من عصر إلى عصر، وكأن الإنسان الذي يعيش على هذه الأرض لا بد له من تقديم الكثير على المذابح الثورية، للبحث عن العدل والإطمئنان والشجاعة، وأسبابها في الغالب هي الثروات التي تصبح في ما بعد مطمعا للكثيرين الذين يبحثون عن المال والسلطة. فيصابون بالجشع والديكتاتورية وما إلى ذلك، كما حدث في فرنسا أيام الملكة انطوانيت، وكما حدث أيام نابليون بونابرت، وأيضا مع الرئيس كارانزا الذي وضع توقيعه الذي أهلكه على المادة 27 من الدستور المكسيكي الجديد، وقد جعله هذا في مواجهة مع الأمريكيين قبل أن يلاقي حتفه وتستمر الثورات. فهل يهيمن التأريخ على منطق همس الدم أم أننا نسيء لروح معرفة بداية الثورات، وفهم مصطلحات ثورية أعاقت أغلب الدراسات التي تم تقديمها تاريخيا أو روائياً؟
تثير الثورة الاهتمام الفردي والجماعي للكتّاب، وأهل الصحافة والإعلام، وحتى المؤرخين الذين يبحثون عن الوثائق في الكتب القديمة، وفي الأرشيف الذي نأخذ منه ما يجعلنا نرتوي منه عندما نبحث عما يؤكد اتجاهتنا الكتابية تاريخيا. تماما كما فعل كاتب «همس الدم» مثيرا بذلك زوبعة من الأحداث التي تنقّل من خلالها من مكان إلى مكان، ومن شخصيات إلى شخصيات، بغض النظر إن تم ظلمها أو لم يتم، فقد روى في همس الدم الكثير من الأحداث التي بنى حولها حتى الأساطير والشخصيات العظيمة بعيداً عن كنهها. فما هي الفترة الفاصلة التي تحدث عنها مطولا، وما معنى تساؤلاته عن ماذا لو أعلنوا الحرب، ولم يستجب لها أحد؟ وهو السؤال الجوهري الذي طرحه كارل سانديبرغ في دول عديدة تناحرت وأخذت فيها الثورات عدة أشكال. فماذا عن وهم الحقيقة في الانقياد وراء كلمات ثورية هي عبارة عن همس الدم فعلياً؟ وما هو أكتوبر الأحمر، ولماذا أغلب المعاني في كتاب «همس الدم» تتخذ صفة لون الدم وجريانه الذي يشكل تتابعا لثورات بدأت في باريس، وتواصلت متنقلة من بلد الى بلد مع بونابرت وغيره، دون إغفال التناحر بين الطبقات الاجتماعية التي تُشكل الشرارة الأولى في الثورات المتعددة، وما بين نابليون وهتلر شعرة معاوية عند إيريك دورتشميد. إذ اهتم بالفترات الفاصلة بين الثورات، أو كما قيل عنها قصص الجنون الإنساني وصولا إلى أسواق المال والأسهم التي تُشكل نوعا من الثورات تُفيد في تغذية الغرب «لأجل إطعام الفرن النهم للصناعة الحديثة». فما هي البلدان في كتاب «همس الدم» التي دمرتها الحروب الإقليمية؟ وما معنى الحروب الدينية التي اتخذت معنى ثوريا مختلفا في المغزى الذي توارى خلفه إيريك دورتشميد؟ ومن هم الذين وجدوا شكلياً في الحكم وتسبب وجودهم في ثورات تشبه ثورات فرنسا؟
كاتبة لبنانية