بيروت ـ «القدس العربي»: منذ الأيام الأولى لطوفان الأقصى بحثت فاطمة صلاح جمعة عن مشاركة في المواجهة القائمة في جنوب لبنان وقطاع غزّة. هي التي وجدت دوراً في تصوير جنازات الشهداء في جبل عامل، وكل أشكال الحياة سألت «بعد هول ما رأيناه في غزّة ما الذي يعقب الرؤية؟» تؤكد أنها لا تملك إجابة، وتضيف: «أعلم أن الذي يقتصر عمله على فعل الرؤية دون سواها، لا بد أن يعميه المشهد». فهل من هذا المنطلق أنجزت معرضاً للصور التي وثّقتها عدستها، وعدسة حسن علي فنيش في جنازات الشهداء، ومعايشة أهل الجنوب لمنازلهم وحقولهم؟
في ملتقى السفير كان معرض «هنا الآن» المشترك بين فاطمة جمعة وحسن فنيش، والذي شكّل توثيقاً بصرياً «للحرب في جبل عامل». بمرافقة صوت هدير الطائرات الحربية المعادية، وسقوط القذائف كان التجوال في معرض الصور. حزن يقطر من الوجوه، ونساء متشحات بالأسود. ناس مقبلون على المدافن بشوق في الأعياد. وآخرون مقبلون على الأرض بشوق لترابها. وعائلة قررت التقاط صورة للذكرى فوق ركام منزلها في «عيتا الشعب». وطفل يبتسم على ركام منزل العائلة.
صور ذات مرجعية، تحمل اسم الشهيد واسم بلدته. المشترك بين تلك الصور هو ذاك الإقبال الكثيف على المشاركة في تشييع الشهداء، وبعضهم ينتمي لقرى تقع على الشريط الحدودي مباشرة.
سألنا فاطمة جمعة عن الحوافز التي دفعتها مع زوجها حسن فنيش لتوثيق الجنازات وعرضها للجمهور في ملتقى السفير؟ تقول: تشكل الصورة تعبيراً وتوثيقاً للحرب.. ليس مكانها الأدراج، بل يجب عرضها للناس. بدأت الحرب ووجدت نفسي مع حسن فنيش نجوب القرى ونصور. كانت ردّة فعل طبيعية من قبلنا ودون تخطيط. حسن معماري، وأنا صانعة أفلام. نحن متفرغان لتوثيق هذه الحرب بما فيها من مقاومة وحزن وحداد. نشعر بالأمان خلال تواجدنا في القرى وخاصة أثناء التشييع. ونحن مستمران في هذه المهمة التي أخترناها. نقصد كافة القرى وبخاصة الحدودية لتصوير جنازة شهيد.
وتخلص للقول: لأول مرة في التاريخ نشهد إبادة جماعية على الهواء مباشرة. إنها مواجهة، ولكل منا دوره الذي يجب أن يطلع به مهما كان حجمه.
زواج فاطمة جمعة وحسن فنيش كان في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. تزامن تعتبره جمعة تاريخ نصر. نسألها: لو كنت حامل هل كنت ستجوبين قرى الجنوب لتصوير جنازات الشهداء؟ جوابها: لا أدري.
إنجاز جديد في عالم الصورة، فيما الهدف والحدث الذي أدّى لهذا الفعل ما يزال مستمراً. هو توثيق مُكثّف ومركز لحقيقة تشهدها أرض الجنوب «الآن هنا». صور تُظهر الصبر والقوة والصمود. وتنقل نبض جنوب باحث عن الحياة التي يطمح إليها بعيداً عن التهويل الصهيوني وأطماعه.
مجموعة صور بعين محترفة، وعزيمة مؤمنة بالأرض والوطن، شكلت مع الفيلم التسجيلي وثيقة للتاريخ، مهداة لأمهات الشهداء.