‘في نهاية الاسبوع أعطى جون كيري مقابلة علنية لمراسل فلسطيني ومراسل اسرائيلي. استمعت لكل اقواله، بل وعدت وقرأتها. وقد ذكرني بواعظ مسيحي يصف لرعيته جنة عدن التي تنتظرهم وتنتظر كل المنطقة في حالة تحقيق اتفاق سلام ويهدد بعضهم بانهم سيصلون الى جهنم متلظية في حالة عدم تحقيق اتفاق. لماذا لبعضهم فقط؟ لانه هدد فقط قطيعنا في دولة اسرائيل: ستندلع ‘انتفاضة ثالثة’، ستكون فوضى؛ ستزداد عزلة اسرائيل في الساحة الدولية؛ وبشكل عام، كل العالم العربي سيتجه نحو العنف ضد اسرائيل. وفي نفس الوقت امتنع عن كل تهديد بالجحيم على رعايته الفلسطينية. ‘في الماضي ايضا اكثرت مصادر امريكية رفيعة المستوى اخرى من تهديد اسرائيل بتوقعات الكارثة كهذه أو كتلك، اذا لم تتصرف مثلما يريد ‘العم سام’. وقد تميز في ذلك كيسنجر، ولكن حسب افضل ذاكرتي لم ترد الاقوال علنا بل وفي اسرائيل. قيلت في الاحاديث المغلقة، في غمرة الجدالات، او في التسريبات لوسائل الاعلام. صحيح في الماضي عندما كان وزير خارجية امريكي يلقي كلمة على الملأ، كان العالم يستمع اليه كأقوال النبي عاموس: ‘الاسد زأر فمن لا يخاف؟’ وفي السنوات الاخيرة تحول الزئير الى عويل؛ والواقع أن هذا هو حال كيري عشية الثورة في سوريا بالغ في الثناء على الاسد وهو الذي كان أيضا من صب النار والرصاص على ذات مجرم الحرب الذي يميت بالغاز شعبه، وفي الغداة اعطاه اذنا غير محدود بالزمن لمواصلة اماتة شعبه بالطائرات وباقي ادوات القتل ولكن مع ذلك، لماذا لم يوازن بعض الشيء ‘تهديداته’ ولم يكلف نفسه الوعد للفلسطينيين ببعض النار من الجحيم المتوقعة لهم ايضا؟ إذن ها هي اربع ملاحظات حول جوهر الامر: الاولى، عندما يتنبأ كيري، كآخر المحللين الصغار بـ ‘انتفاضة ثالثة’، فماذا يقصد؟ لا أدري ما يوجد له في الرأس، واذا كان على الاطلاق قدم لنفسه الحساب عما هو متوقع. الواضح هو أنه جاء ليهدد بعنف فلسطيني قاسٍ، يتجاوز الزجاجات الحارقة، السكاكين وباقي أنواع العنف ‘البارد’ الموجود الان. برأيي، التفسير المنطقي هو أنه يعترف بذلك أن العنف هو جزء بنيوي في الدي.ان.ايه للفلسطينيين بشكل خاص والعرب بشكل عام. فهو ينظر حوله ويرى العنف يعربد تقريبا في كل قطعة طيبة في الشرق الاوسط. ‘ومن هنا الى الملاحظة الثانية. كيري يقبل هذا كفرضية أساس ويوافق على أنه عندما لا يحقق الفلسطينيون ما يريدون فانهم يتوجهون الى العنف. هذا هو النهج الغربي العنصري والمتعالي الذي لا يهمه على الاطلاق حين يقتل العربي عربيا ولا حين يقتل يهوديا. ولكن الويل لليهودي اذا ما قتل عربيا. في اقواله هذه يشجع كيري فقط الفلسطينيين على تصليب مواقفهم في المفاوضات وعلى الاكثار من العنف. ‘ والملاحظة الثالثة. مشوق أنه في اثناء المقابلة تناول كيري قطاع غزة كـ ‘دولة’ عنف بحد ذاتها، تشبه لبنان، وغير مرتبطة على الاطلاق برؤيا السلام لديه. كيف سيربطها بالاتفاق؟ ولا كلمة. وملاحظة أخيرة تتعلق بنا. الانطباع الناشىء من المقابلة هو أن كيري يتعامل معنا كما يتعامل مع ‘الاطفال’ الهنود الذين ينبغي تعليمهم ما هو خير لهم وما هو شر لهم، ويعرف أنه دوما سيجد يهودا يصفقون له. لباب مشكلتنا هو أننا لا يمكننا أن نصرخ في وجهه: انصرف! نحن متعلقون اكثر مما ينبغي بالولايات المتحدة ونحتاج لها، وحذار ان ننسى ان كيري أيضا لا يمثل، حاليا، كل الولايات المتحدة.