الرباط – «القدس العربي»: أكد قرار جديد للأمم المتحدة أن متابعة الصحافي المغربي توفيق بوعشرين، مدير ومؤسس صحيفة أخبار اليوم، ومسار محاكمته، لا يمكن فصلهما عن الآراء السياسية والمقالات التي يكتبها، خصوصاً عن وزير الفلاحة والصيد البحري، الملياردير عزيز أخنوش رئيس التجمع الوطني للأحرار والوزير القوي في الحكومة.
وأوضح القرار، الذي صدر في 14 صفحة، أن بوعشرين سبق أن توبع بسبب ممارسته كصحافي لحقه الأساسي في حرية التعبير عن آرائه ونقل المعلومة، وأن متابعاته قضائياً كانت دائماً تتخذ طابع الحق العام لإخفاء استهدافها لحرية الصحافة، وهذا يمكن إثباته من خلال عدد من المتابعات السابقة لبوعشرين، والتي تم ذكرها في عدد من التقارير الدولية.
وقضت محكمة الاستئناف في الدار البيضاء بالحكم على توفيق بوعشرين بمدة تصل إلى 12 عاماً سجناً نافذاً وغرامة مالية قدرها 200 ألف درهم، كما قضت بـ«عدم مؤاخذته بجناية الاتجار بالبشر» في حق عدد من المشتكيات والمصرحات، حيث قالت نساء في شكايات قدمت تباعاً في شباط/ فبراير 2018 بأنهن تعرضن للاغتصاب والابتزاز من طرف بوعشرين .
وتوبع بوعشرين، الذي تم توقيفه باقتحام عشرات من رجال الأمن لمقر جريدته، يوم 25 شباط/ فبراير 2018، بتهمة «الاشتباه في ارتكابه جنايات الاتجار بالبشر باستغلال الحاجة والضعف واستعمال السلطة والنفوذ لغرض الاستغلال الجنسي عن طريق الاعتياد والتهديد بالتشهير، وارتكابه ضد شخصين مجتمعين، وهتك العرض بالعنف والاغتصاب ومحاولة الاغتصاب».
وبين قرار الأمم المتحدة الصادر عن «مجموعة العمل حول الاعتقال التعسفي بمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة» أن العلاقة بين متابعة بوعشرين بتهم الاغتصاب والاتجار بالبشر، وانتقاداته لأخنوش، تدل عليها عدة عناصر، لخصها التقرير في وجود عضو في ديوان وزيرة السياحة التي تنتمي إلى حزب أخنوش ضمن المشتكيات في هذه القضية، حيث إن شكاية عضو ديوان وزيرة السياحة ضد بوعشرين كتبت في الرباط ووضعت في الدارالبيضاء في اليوم نفسه، واستمعت إليها الشرطة في ظهر اليوم نفسه، وتساءل التقرير عن كيفية أن المشتكية انتقلت في نصف يوم من الرباط إلى مكتب النائب العام، ثم إلى مقر الفرقة الوطنية، وكيف أن المشتكية محط الجدل لا تشير إلى أي تاريخ محدد في شكايتها ولا تقدم أي تفصيل حول ملابسات ما ادعته من اعتداء على يد بوعشرين، كما أنها لا تتوفر على أي شهادة طبية أو دليل لدعم موقفها، كما هي الحال بالنسبة إلى كل الحالات المماثلة.
لا يوجد شهود في القضية
وقال القرار إن الاهتمام الفائق، الذي أحيطت به هذه الشكاية، التي تقدمت بها عضو ديوان وزيرة السياحة ووضع التحقيق بين يدي الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، يؤكد التعاطي الاستثنائي الذي تمتعت به، في ضرب لقرينة البراءة، التي كان يفترض أن يتمتع بها بوعشرين. ورغم الشكايات المقدمة ضده إلا أن النيابة العامة لا تملك أي دليل قاطع ضده في القضية المنسوبة إليه ولا يوجد شهود في القضية، لأن كل المشتكيات أصبحن مدعيات، ما يجعلهن بقوة القانون لا يملكن الحق في إدلاء الشهادة، وعدد ممن تم تقديمهن كمشتكيات نفين بشكل قاطع أن يكن قد وقعن ضحية لأي اعتداء على يده، وهو ما صرحن به أمام المحكمة، وفي التصريحات العامة والمتابعة التي تعرضت لها عفاف برناني بعد نفيها قول ما جاء في أحد محاضر الاستماع إليها.. يؤكد الضغوط التي تعرضت لها النساء اللائي رفضن تقديم شكايات ضد بوعشرين.
تحديد التواريخ
ونص القرار أن دفاع بوعشرين قدم طلباً للمحكمة لتحديد التواريخ والساعات التي سجلت فيها الفيديوهات المنسوبة إلى موكله، مؤكداً أن الصحافي بوعشرين كان خلال التواريخ المحددة في أماكن بعيدة عن مكان تصوير الفيديوهات المنسوبة إليه، وهو الطلب الذي اعتمد فيه دفاعه على معطيات تحديد جغرافي، والتي تمكن من تحديدها عبر رقم هاتفه المحمول، كما أن الفرقة الوطنية والنيابة العامة قدمتا كشفاً لاتصالات بوعشرين لا يتضمن تفاصيل أماكن وجوده، فيما أشار إلى أن الكشف الأصلي يمكنه أن يثبت براءته من الفيديوهات المنسوبة إليه، حسب ما يقوله دفاعه.
ووجهت الأمم المتحدة في قرارها دعوة للسلطات المغربية لإطلاق سراح بوعشرين فورًا، وتقديم تعويض له، وتوفير ضمانات له لعدم تعريضه مجدداً لمحاكمة مماثلة، طبقاً للقانون الدولي، بعد أن خلصت أن حرمان بوعشرين من الحرية يناقض مقتضيات القانون الدولي المرتبط بالحقوق المدنية والسياسية، مطالبة الحكومة المغربية بملاءمة وضع بوعشرين بالمقتضيات القانونية الدولية.
وطالبت في القرار الذي صادقت عليه مجموعة العمل الأممية واعتمدته، السلطات المغربية بإطلاق تحقيق معمق ومستقل في ظروف وملابسات حرمان بوعشرين من حريته، واتخاذ الإجراءات اللازمة في حق المسؤولين في خرق حقوق بوعشرين، كما طالبت الحكومة بنشر القرار الأممي على أوسع نطاق وإحاطة الأمم المتحدة علماً بكل الإجراءات التي سيتم اتخاذها في ملف بوعشرين مستقبلاً. وقالت إن حق بوعشرين في المحاكمة العادلة والمستقلة تم انتهاكه، حيث تم تسجيل عدد من المخالفات التي تنتهك القواعد القانونية للمحاكمة الجنائية. وأكد القرار أنه لم يكن هناك أي تلبس في قضية بوعشرين ما يضع اعتقاله في تنافي مع المقتضيات القانونية، كما أن التقرير يذكر- باعتراف الادعاء في وقت لاحق من مسار المحاكمة- بأن «التلبس» كان خطأ مطبعياً، وهو الإقرار الذي يرى الفريق الأممي أنه كاف لاستعادة بوعشرين لحريته، «غير أن بوعشرين لا زال محروماً من الحرية ولفترة غير محددة رغم غياب الأساس القانوني لهذا الحرمان من الحرية».
وأدان كذلك «غياب الوضوح في مدة المحاكمة التي تعرض لها بوعشرين، حيث إن الادعاء قال في شهر آذار/ مارس من العام 2018 أنه يملك ما يكفي من الأدلة، غير أن مسار المحاكمة الذي ضم أكثر من 40 جلسة، والتي تلاها تعليق المحاكمة، يجعل توقيف بوعشرين مندرجاً في خانة الاعتقال التعسفي، لأن الشرط الثاني المنصوص عليه في المادة 73 من القانون الجنائي لم يكتمل، وأن الأدلة المفترضة التي تقدمها السلطات المغربية، وهي الأشرطة، هي أدلة تم جمعها بطريقة غير قانونية، ما يعني أنها تمثل «صناعة للأدلة»، والاعتماد على أدلة غير قانونية دليل على أن حق بوعشرين في مسار عادل للمحاكمة مغتصب، لذا فإن «التصرّف المناسب في هذه الحالة هو الإفراج الفوري والآني عن بوعشرين، ومنحه الحق في الحصول على تعويض، بما في ذلك التعويض المادي، مع ضمان عدم تكرار مثل هذه الحالات، وفقاً للقانون الدولي، داعياً الحكومة إلى «ضمان إجراء تحقيق شامل ومستقل في ظروف الحرمان التعسفي من الحرية الذي يعاني منه بوعشرين، واتخاذ التدابير المناسبة ضده»، وأن «فريق العمل أحال قضية بوعشرين على المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير من أجل اتخاذ التدبير اللازمة في هذه القضية».
الحكومة: التقارير الأممية ليست ملزمة
وراسل الفريق في وقت سابق الحكومة المغربية بشأن قضية بوعشرين، وقال إن الحكومة ردتْ بتفنيد جميع الادعاءات، باستثناء الاعتقال، واستمرار الاحتجاز والجرائم المزعومة ضد بوعشرين.
وسارعت السلطات المغربية بالرد على قرار الأمم المتحدة بتصريحات للمستشار القانوني للبعثة الدائمة للمغرب لدى الأمم المتحدة في جنيف أكد فيها أنه ليس من صلاحيات فريق العمل مراقبة مدى التزام الدول باحترام الاجراءات القانونية وأن «تقارير الفريق ذات طابع استشاري وليست ملزمة البتة»، كما أن «فريق العمل ليس طرف معاهدة، وليس من اختصاصه وبأي حال أن يقيم وبشكل رسمي مدى احترام الدول لتعهداتها الدولية المصادق عليها في اتفاقيات ومعاهدات دولية، إذ تبقى آراؤه وملاحظاته غير ملزمة».
محاولة للتأثير على القضاء
وعاب المستشار على فريق العمل «المعالجة الجاهزة للملفات التي تعطي فيها الأولوية وبشكل مبالغ فيه لادعاءات (ضحايا الاعتقال التعسفي)، بل ويتدخل حتى في الحالات التي ما زالت معروضة أمام القضاء، وما يعنيه ذلك من محاولة التأثير سلباً على مجريات المحاكمة العادلة، بالإضافة إلى انتهاك صارخ لمبدأ حماية حقوق الدفاع، وعدم التعامل بإيجابية حيال طلبات الدول المعنية والساعية إلى مراجعة قناعاته وآرائه بخصوص القضايا المعالجة من قبله، وذلك حتى ولو كانت طلبات تلك الدول مدعمة بحجج وقرائن دامغة».
وأكّد المستشار القانوني لبعثة المغرب في جنيف أن «التقارير المغلوطة لفريق العمل يتم استغلالها من طرف بعض الجهات بغية تغليط الرأي العام الوطني والتأثير كذلك على مجرى المحاكمات والضغط على سلطات البلدان المستهدفة»، وأن «نشر مثل هذه التقارير على البوابة الإلكترونية لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان يتم استغلاله من بعض الجهات للتأثير على المسار العادي والطبيعي للدعاوى المعروضة على القضاء، وهو ما يعتبر عرقلة صريحة للعدالة، كما تستعمل من قبل بعض الأوساط كمطية لتأليب الرأي العام ضد الدول المستهدفة».
الأمر يتعلق بتقرير لهيئة استشارية / مجموعة عمل تابعة للأمم المتحدة وليس هنالك قرار لهذه المنظمة لأن القرار يكون ملزما للطرف الذي وجه إليه بخلاف هذا التقرير الذي صدر بشأنه موقف شبه رسمي من الدولة المغربية يفند مضمونه.