لندن – “القدس العربي”:
قالت كلير باركر، مديرة مكتب “واشنطن بوست” في القاهرة إن إعادة انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي كانت الجزء السهل، إلا أن مصر تقف على حافة الانهيار.
ورأت الكاتبة أن فوز السيسي بولاية ثالثة كانت نتائجه محددة مع أن أنصاره اعتبروا نتائج الجولة الانتخابية هذا الشهر تفويضا واضحا للرئيس لمواصلة الحكم بالقبضة الحديدية ولست سنوات أخرى، وحتى مع معاناة البلد من اقتصاد على حافية الانهيار والحرب الدائرة على الجانب الآخر من الحدود. وبحسب لجنة الانتخابات فقد فاز السيسي، قائد الجيش السابق الذي قاد انقلابا عام 2013، بنسبة 90% من الأصوات، أما بقية المرشحين غير المعروفين فقد حصلوا على نسبة 10% موزعة بينهم.
وشارك في الاقتراع نسبة أقل من 67% وتظل أفضل حسب مدير لجنة الانتخابات من المشاركة في 2014 و2018 و”غير مسبوقة” في التاريخ المصري. وفاز السيسي بجولتين انتخابيتين كل واحدة لمدة أربعة أعوام، وتم تعديل الدستور عام 2019 وجرى السماح له بالبقاء في الحكم حتى عام 2030، لكنه يحكم بلدا يعاني من الدين واقتصاد متداع وحرب وحشية في غزة بدون نهاية سهلة بالأفق.
اعتبر أنصار السيسي نتائج الجولة الانتخابية هذا الشهر تفويضا واضحا للرئيس لمواصلة الحكم بالقبضة الحديدية
ولم يستطع النائب السابق أحمد الطنطاوي المشاركة في الانتخابات بعدما منع أنصاره من الحصول على توكيلات تسمح له بالدخول في السباق. وكان المنافس الحقيقي للسيسي حيث اعتقل أفراد عائله والناشطين في حملته وتم التحرش بهم. ووجهت له في الشهر الماضي تهما تقول منظمات حقوقية إنها ذات طابع سياسي. ولم تعط المؤسسات الإعلامية المرتبطة بالدولة أي وقت للمرشحين الثلاثة ضد الرئيس وركزت على إنجازاته. وبالنسبة للسيسي وأنصاره فقد كان الأمر استعراضا، وانتشرت اللافتات التي تحمل صوره مع عبارة “كلنا معك” و”محبوب المصريين”، حيث وضعت فوق متاهة من الطرق السريعة، ووضعت لافتات حملته في معظم الشوارع الرئيسية.
وفي مركز اقتراع بحي الطبقة العاملة، السيدة زينب، وسط القاهرة قام متطوعون يرتدون قمصانا عليها صورة الرئيس بإرشاد الناخبين لصناديق الاقتراع. وفي ساحة التحرير، مركز ثورة 2011، سار الشبان والشابات في شارع واسع خلف يافطات “السيسي للرئاسة”، ووصف عدد من المصريين المشاركة بالانتخابات بالواجب المدني.
وقالت رشا عاشور، 40 عاما، خبيرة التغذية “يجب أن أدلي برأيي”، وقالت عاشور التي تعيش في حي البساتين “نريد أن يكون البلد أحسن ونحاول دعمه ليكون أفضل”، وهذا يعني التصويت للسيسي. وصوت وليد، 58 عاما، رجل الأعمال في القاهرة وأصر على نزاهة وحرية الانتخابات. وقال “لم يغش أحد وصوتنا لخيارنا، رئيسنا” و”قام بعمل جيد وحمى البلد”، حيث تحدث مع الصحيفة بشرط الكشف عن هويته بشكل كامل.
وتقول الصحيفة إن الكثير من المصريين بقوا في بيوتهم، فهم غاضبون من تراجع مستويات الحياة ويشعرون بالعجز لإحداث التغيير. وفي بولاق الدكرور، وهو حي يعيش فيه أصحاب الدخل المتدني وفيه أزقة غير معبدة وتستخدم فيه العربات التي تجرها الحمير، قال رجل عمره 26 عاما وبدون عمل وكان يستند على جدار محل حدادة، إنه لن يصوت هو وأصدقاؤه. وقال “دمر السيسي [البلد] وجعله أسوأ” و”لا أحد يصوت” و”من يذهبون، يذهبون للمال ولا أعرف ماذا أعطوهم”. وشاهد صحافيون مجموعة من النساء تجمعت داخل منطقة انتخابية وتساءلن عن كيفية صرف كوبونات.
وقالت مدرسة عمرها 40 عاما من حلوان، قرب القاهرة إنها لم تكن تخطط للتصويت لكن مديرها أجبر الأساتذة في المدرسة الحكومية على ركوب حافلة لمراكز الاقتراع، وبعد أن أدلت بصوتها أعطاها مسؤول مع آخرين صوتوا 200 جنيه مصري أي ما يعادل 6 دولارات. وقالت المدرسة إن المتخلفين عن التصويت في المدرسة أخبروا أنه سيبلغ عنهم إلى وزارة التربية وسيحرمون من إجازة مدفوعة الأجر وخصم ثلاثة أيام من رواتبهم. وقالت “هذه انتخابات بالقوة”.
الكثير من المصريين بقوا في بيوتهم، فهم غاضبون من تراجع مستويات الحياة ويشعرون بالعجز لإحداث التغيير
وقال ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات بأنه لا توجد أدلة عن دفع مال أو سلع مقابل التصويت وأي ممارسة تعتبر جريمة حسب القانون المصري. وقال حازم بدوي، من لجنة الانتخابات الوطنية “لا توجد انتهاكات في العملية الانتخابية”. وبالنسبة للكثيرين ممن قابلتهم الصحيفة، فاستعدادهم للمشاركة في التصويت نابع ليس من حبهم للرئيس ولكن من المخاوف التي نشأت بعد هجمات حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر. وأقلقتهم تصريحات المتطرفين من المسؤولين الإسرائيليين وحملة القصف الإسرائيلي التي شردت ملايين الفلسطينيين ودفعتهم باتجاه الحدود المصرية، وسط مخاوف من تهجيرهم إلى سيناء.
وفي السيدة زينب قال عادل توفيق إن حرب غزة عززت الرأي بأن القائد العسكري هو الأفضل للبلد. وقال صاحب المحل إن شعبية السيسي تأثرت بسبب زيادة الأسعار ولكنها عادت بعد غزة. وقال “نحن أفضل لو قارنا أنفسنا بالسودان وليبيا وفلسطين واليمن”. وظلت فكرة الأمن والاستقرار أساسا لحكمه منذ انقلابه عام 2013 ضد الرئيس المنتخب محمد مرسي. وقامر السيسي أن السكان والقوى الأجنبية لن تتحرك طالما ظلت مصر هادئة حتى في ظل القمع وسجن المعارضين ونفي دعاة حقوق الإنسان والحد من مساحة الحرية وحتى إدارة الاقتصاد بطريقة سيئة. وأعادت غزة الفكرة إلى الأمام وعززت من شعبيته.
وقالت نهى بكر، أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن المشاركة العالية في الانتخابات تعكس مخاوف المصريين وغضب الشباب تجاه المجتمع الدولي. وإذا كان الفوز سهلا، فهناك سلسلة من التحديات التي تواجه الرئيس مثل إبقاء مصر خارج الحرب في غزة والحفاظ على معاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل وتخفيف حدة الغضب الشعبي تجاه معاناة الفلسطينيين. وهناك الاقتصاد الذي يعتمد بشكل كبير على الاستيراد والسياحة ولكنه في أدنى حالاته. واقترضت الحكومة بشكل ضخم لتمويل مشاريعها العملاقة واستفاد الجيش من المشاريع في ظل السيسي. وتكلف العاصمة الإدارية 58 مليار دولار.
ويقول السكان إن شبكة الشوارع خففت من الاختناقات في القاهرة لكن الدين الخارجي تضاعف إلى 165 مليار دولار، وواجهت مصر في العام الماضي دفع 42 مليار دولار للمقرضين، وربما كانت الدولة الثانية في العالم التي تتخلف عن سداد الديون بعد أوكرانيا حسب بلومبيرغ.
ويقول تيموتي كالداس، الخبير في معهد التحرير بواشنطن “من الناحية الأساسية، فقد كانت كل رئاسة السيسي سلسلة من الأزمات الاقتصادية المستشرية، وليس فقط المعاناة الاقتصادية ولكن الإهانة أيضا” و”في الوقت الذي يحدث فيه كل هذا، يراقب المصريون النظام وهو يثري نفسه”، وبلغ حجم التضخم 34.6% أما التضخم في المواد الغذائية فهو الضعف. ووسط تراجع العملة يخزن المصريون الدولار أو يبيعونه في السوق السوداء، وتضاعفت أسعار السلع.
ومع وجود برنامج لمساعدة الفقراء إلا أن الطبقة المتوسطة تأثرت. وفي محادثات الناس في القاهرة والبرامج الحوارية فسعر البصل وأزمة السكر هما حديث الناس. وينتظر الكثيرون تخفيض قيمة العملة المصرية حسب شروط صندوق النقد الدولي. وقالت ربة بيت في بولاق الدكرور “ينتظر الناس هذا بعد فوزه، وتضاعفت الأسعار”، وكانت تطبخ الدجاج أو اللحم لأطفالها مرتين في الأسبوع، ولم يعد هذا متوفرا وينام بعض جيرانها جوعى. وقالت “يقول إنه يعتني بالمرأة” أي السيسي الذي يتجنب الكثير من المصريين ذكر اسمه و”لكن النساء هنا يشعرن بالضغط ولا أعتقد أن الأمور ستتحسن”.