لندن- “القدس العربي”:
نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا لمراسليها ويليام كريستو، وأليكس هورتون، وميغ كيلي، قالوا فيه إن إسرائيل استخدمت الفسفور الأبيض الذي أمدّته بها الولايات المتحدة في هجوم على جنوب لبنان في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وأدى لإصابة تسعة مدنيين، في وقت تدعو منظمات حقوق الإنسان للتحقيق بذلك كجريمة حرب، بحسب تحقيق لواشنطن بوست قام على معاينة قطع القنابل التي وُجدت في قرية الظهيرة.
وعثر صحافي يعمل مع “واشنطن بوست” على بقايا ثلاثة قنابل مدفعية بحجم 155 ميلمترا أطلقت على القرية قرب الحدود مع إسرائيل، والتي حرقت أربعة بيوت على الأقل حسب شهادات السكان. وتخرج الطلقات أسافين مشبعة بالفسفور الأبيض يحترق على درجة حرارة عالية وتنبعث ومنه أدخنة من أجل إخفاء حركة القوات، حيث تسقط بطريقة عشوائية على مناطق واسعة وتلتصق محتوياته بالجلد مسببة حروقا مميتة ومشاكل في الجهاز التنفسي.
ويحظر استخدام الفسفور الأبيض بموجب القانون الدولي قرب المناطق المدنية.
وتتطابق رموز الإنتاج على القذائف مع تلك التي يصنفها الجيش الأمريكي للذخيرة المنتجة محليا، وتظهر أنها أنتجت في مخازن بولايتي لويزيانا وأركنساس في 1989 و1992. ويتطابق اللون الأخضر والعلامات على بقايا القنابل مثل “دبليو بي” مع طلقات الفسفور الأبيض، حسب الخبراء.
وقالت الصحيفة إن الطلقات الدخانية من نوع “أم 825” والتي تطلق من مدفعيات هاوتزر بحجم 155 ميلمترا، يمكن استخدامها في ساحات المعارك بما في ذلك تحذير القوات الصديقة وتحديد الأهداف وإنتاج دخان أبيض لإخفاء الجنود عن أعين العدو. ولكن الطلقات ليست مصممة للاستخدام كأسلحة حارقة.
وتقول الصحيفة إن الأسلحة هي جزء من المساعدات العسكرية بالمليارات التي تتدفق على إسرائيل كل عام، والتي غذت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
ومنذ نشر القصة، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، إنهم قلقون من استخدام الفسفور الأبيض، وسيطرحون أسئلة كثيرة لمعرفة المزيد.
وتزايد التوتر على جبهة الجنوب اللبناني، وأصبحت قرية الظهيرة التي يسكنها 2000 مواطن نقطة محورية في المواجهات الدائرة وتبادل إطلاق النار بين مقاتلي حزب الله وإسرائيل. وهي لا تبعد كثيرا عن برج رادار إسرائيلي على الجانب الآخر من الحدود.
وقُتل حوالي 94 لبنانيا منذ تزايد التوتر، وذلك بحسب بيانات أصدرتها وزارة الصحة اللبنانية في 5 كانون الأول/ ديسمبر، منهم 82 مقاتلا من حزب الله. وعلى الجانب الآخر، قُتل 11 إسرائيليا، معظمهم جنود.
وكشفت لقطات الفيديو التي تحققت منها منظمة أمنستي وراجعتها “واشنطن بوست” عن حلقات الفسفور الأبيض الدخانية التي سقطت على الظهيرة في 16 تشرين الأول/ أكتوبر. وقال السكان إن القوات الإسرائيلية استمرت بقصف بلدتهم بالفسفور الأبيض لساعات، حيث علقوا في بيوتهم ولم يستطيعوا مغادرتها إلا في الساعة السابعة صباحا من اليوم التالي. ويشير السكان إلى تلك الليلة بأنها “الليلة السوداء”. وغادر معظم السكان القرية تجنبا للقتال.
وقال المزارع عدي أبو ساري (29 عاما) إنه علق في بيته لمدة خمس ساعات خلال القصف، ولم يكن قادرا على التنفس بسبب الدخان، حيث عانى من مشاكل في التنفس لعدة أيام بعد الهجوم. وقال إن خدمات الطوارئ وضعت شيئا مبللا بالماء على الوجوه، وهو ما ساعد قليلا في التعافي، وأوضح: “لم أستطع رؤية إصبعي.. أصبحت القرية كلها بيضاء”.
ويشتعل الفسفور الأبيض عندما يتفاعل مع الأكسجين ويحترق على درجة حرارة تصل إلى 1500 درجة مما يؤدي للتسبب بجراح خطيرة. ويمكن للمواد الكيماوية التي تعلق بالجسم إحداث ضرر بالأعضاء الداخلية، وفق منظمة هيومان رايتس ووتش.
ولا يُعرف سبب استخدام إسرائيل الفسفور الأبيض، بسبب عدم الحاجة إليه في الليل لعدم وجود قوات على الجانب اللبناني. إلا أن السكان يرون أنه محاولة لطردهم من بلدتهم، والتحضير لعملية اجتياح في المستقبل. وقال الجيش الإسرائيلي في بيان إن الفسفور الأبيض استخدم لبناء سحابة دخانية وليس التسبب بحريق أو استهداف السكان. وقال إن استخدامه للفسفور الأبيض “يلتزم بالمتطلبات الدولية”.
ولدى القوات الإسرائيلية قنابل أكثر أمنا مثل “أم 150” التي يمكنها خلق سحابة دخان بدون الحاجة للفسفور الأبيض. وتحمل قنابل الفسفور الأبيض نفس الأرقام التي تظهر أنها منتجة في أمريكا، وهو ما تحققت منه هيومان رايتس ووتش وأمنستي، وهي تشبه قنابل الفسفور الأبيض التي عُثر عليها قرب دبابة إسرائيلية في سديروت عند حدود غزة في 9 تشرين الأول/ أكتوبر.
والولايات المتحدة مجبرة على متابعة طريقة استخدام الأسلحة التي تقدمها لشركائها وحلفائها الذين يتلقون المساعدة من أجل الالتزام بالقانون الإنساني الأمريكي. ويعتبر استخدامها مشروعا في عمليات عسكرية، ولكن ليس في المناطق المدنية نظرا لسرعة انتشارها بين السكان.