واشنطن بوست: خيارات بايدن لـ”معاقبة” السعودية ضيقة وإدارته باتت تركز على التعاون بدلا من ذلك

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

لندن- “القدس العربي”: نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا لمراسلتها ميسي ريان تساءلت فيه عن تهديدات الرئيس جو بايدن للسعوديين بعد قرار أوبك + تخفيض مستويات انتاج النفط، وخلافا لرغبة الإدارة التي كانت تريد زيادة في المعدلات لتحقيق استقرار على أسواق النفط العالمية.

وترى الكاتبة أن “العقاب” لم يعد خطة للإدارة اليوم، فبعد أشهر من التعهدات الأمريكية بمعاقبة السعودية على خطوتها لخفض مستويات النفط، في تحد لأماني الولايات المتحدة، لم تعد إدارة بايدن تتحدث عن خطوات انتقامية، بل التركيز على العلاقات الأمنية الطويلة بين البلدين وخطوات الرياض لدعم أولويات واشنطن في اليمن وأوكرانيا.

ويشير المسؤولون الأمريكيون بدلا من ذلك إلى المعارضة في الكونغرس التي حاولت الحد من التعاون الدفاعي كنتيجة رئيسية لقرار كارتل أوبك+ خفض انتاج النفط في تشرين الأول/أكتوبر والذي رأت فيه الإدارة دعما لحرب روسيا في أوكرانيا وضربة لجهود الرئيس بايدن قبل انتخابات التجديد النصفي.

 ويؤكد هذا التغير في الموقف لغياب الخيارات المستساغة الموجودة لدى صناع السياسة الأمريكية وسط تنافس حاد مع روسيا والصين في منطقة الشرق الأوسط وأبعد منه.

لم تعد إدارة بايدن تتحدث عن خطوات انتقامية، بل التركيز على العلاقات الأمنية الطويلة بين البلدين وخطوات الرياض لدعم أولويات واشنطن

وقال مسؤول أمريكي إن إصرار أوبك + التي تترأسها السعودية على خفض معدلات الإنتاج بمليوني برميل في اليوم ترك أثرا سلبيا بعيد المدى على علاقات الولايات المتحدة مع السعودية، رغم أن المخاوف من زيادة أسعار النفط العالمي لم تحصل. وعلق المسؤول قائلا: “كان إعلان أوبك+ مترابطا مع العلاقة نفسها ومضمونها”، مضيفا “في الوقت نفسه، فهذه العلاقة مهمة، وعملنا معا لا يقدم كخدمة للسعودية، ولو نظرت إلى العملية الحقيقة التي تتعاون فيها الولايات المتحدة والسعودية، فهي تخدم المصالح الأمريكية”.

وتقول الصحيفة إن التطور الدراماتيكي في رد الإدارة يؤكد على أهمية المملكة للولايات المتحدة رغم التوترات العالية، ليس بسبب الثروة النفطية الهائلة وموقعها المهم في العالم الإسلامي، بل لأنها أهم دولة في المنطقة توازن التأثير الإيراني.

ومع ذلك تواجه الإدارة ضغوطا متواصلة من حلفائها الديمقراطيين الذين يشيرون لقرار أوبك+ كسبب يدعو للتساؤل حول موثوقية السعودية كحليف ويعبرون عن قلقهم من توثق علاقاتها مع الصين وسجلها الفقير في حقوق الإنسان والقمع وأفعال ولي عهدها محمد بن سلمان، الذي ربطته الحكومة الأمريكية بمقتل الصحافي جمال خاشقجي.

 ويقول السناتور الديمقراطي عن ولاية كونيكتيكت كريس ميرفي ” ظللنا نبيع السلاح لهم والنظر للجانب الآخر عندما تعلق الأمر بحقوق الإنسان، لأننا كنا نريد التأكد من وقوفهم معنا عندما تحصل أزمة نفط عالمي، ولم يكونوا هناك”. ويضيف “هذا يدعو للتساؤل عن سبب تعميق علاقاتنا معهم وفي ضوء أعمالهم البغيضة وعدم استعدادهم للوقوف معنا بدلا من روسيا؟”.

وترى الصحيفة أن قرار أوبك+ الذي جاء قبل انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر ووسط زيادة في معدلات التضخم وأسعار الوقود بشكل قاد للتوقعات أنها ستشكل مواقف الناخبين، مما استدعى موقفا حادا وموبخا من البيت الأبيض. وقال بايدن “ستكون هناك بعض التداعيات لما فعلوه”.

ووصف المستشارون الاقتصاديون والبارزون القرار بأنه يعبر عن “ضيق نظر”، وفي بيان لاذع المحوا إلى أنهم قد يحاولون تمرير “قانون لا لكارتل الدولة المنتجة والمصدرة للنفط” “نوبك”، وهو قانون يعني نزع الحصانة السيادية عن دول أوبك ويسمح للولايات المتحدة بمقاضاتها بناء على قوانين الاحتكار. ومررت نسخة من القانون في لجنة من لجان مجلس الشيوخ لكنها واجهت مقاومة من صناعة النفط ومن البيت الأبيض قبل قرار أوبك+ في تشرين الأول/أكتوبر. وقال كيفن بوك، مدير شركة الابحاث المستقلة “كليرفيو” إن الإشارة لـ”نوبك” يؤكد حالة الدهشة والغضب من الإدارة و “لم يلوح لهم فقط بكعب البندقية بل ونزع الأمان عن الزناد”.

 وكان الحادث، مثالا آخر عن التوتر في العلاقات بين البلدين، ففي الوقت الذي تبنى فيه دونالد ترامب المملكة وجعلها أول محطة له في زيارته الخارجية بعد انتخابه، ركز الديمقراطيون على سجلها في حقوق الإنسان. كما زادت من التمحيص لأول زيارة يقوم بها بايدن إلى السعودية الصيف الماضي، حيث كانت غير مريحة له بعدما تعهد في حملته الانتخابية بجعلها دولة “منبوذة” وكان نتاج الرحلة صورة للرئيس وهي يعطي ولي العهد قبضته بدلا من المصافحة. ولم تعلق السفارة السعودية على ما ورد في التقرير، فيما أكد المسؤولون الأمريكيون أن زيارة بايدن لم تكن من أجل النفط، لكنهم عادوا وتحدثوا عن التزام سعودي بعدم خفض معدلات انتاج النفط.

وهناك من رأى في الخطوة محاولة سعودية لمساعدة الجمهوريين في الانتخابات النصفية، ورأى آخرون أنها محاولة لمساعدة روسيا في وقت تقود فيه الولايات المتحدة حملة لقطع موارد النفط عن موسكو. وأكدت الحادثة على التوترات التي أصابت العلاقة في السنوات الأخيرة، من قرار باراك أوباما توقيع اتفاقية نووية مع إيران عام 2015 وسط معارضة من دول الخليج إلى جانب تمرير قانون يسمح لعائلات ضحايا 9/11 مقاضاة الحكومة السعودية أو مواطنين فيها. ولم تعد الولايات المتحدة التي زادت من انتاج النفط المحلي وحاولت فطم الاقتصاد الأمريكي عن الوقود الأحفوري بحاجة لنفط الخليج. وتحولت الصين إلى أكبر مستهلك للنفط السعودي. ولكن أسعار النفط ترتفع وتنخفض بحسب المسار الذي تحدده منظمة أوبك.

 وقال بوك إن النقاش السعودي هو أن تخفيض الإنتاج لمنع انهيار الأسعار وسط ضعف الطلب العالمي أمر منطقي، وأكد اجتماع آخر في كانون الأول/ديسمبر على الموقف نفسه. وتقول كارين يونغ، الخبيرة في شؤون الخليج بجامعة كولومبيا إن قرار أوبك، أكد أن المملكة زادت من الموقف الوطني وباتت تعبر عن ثقتها بالقدرة للحكم على سوق النفط و “يريدون مقاعد أخرى على الطاولة وبالتأكيد لا يستمعون للتلميحات أو يستجيبون للكزات” من البيت الأبيض و “ليست هذه هي الطريقة التي سيديرون بها عملهم”.

وتشير الصحيفة للخطوات التي اتخذتها السعودية لتخفيف القيود الاجتماعية ومحاولة جذب الاستثمارات الأجنبية ضمن جهود تنويع الاقتصاد. وبالمقابل فرضت عقوبات على النقاد وحاولت ملاحقتهم في الخارج.

وترى الكاتبة أن الخلافات بشأن النفط متشابكة مع موقف الإدارة من مقتل جمال خاشقجي، ففي الوقت الذي تقول فيه إنها عملت ما يكفي لمعاقبة المتورطين، وحظرت سفر الأشخاص الذي يشتبه بعلاقتهم بالجريمة من دخول أمريكا، وأفرجت عن تقرير سري إلا أن النقاد لها يرون أنها لم تعاقب ولي العهد. وأصدرت محكمة سعودية إدانات ضد خمسة أشخاص لكنها برأت ساحة ولي العهد.

وفي الوقت الذي طالب فيه مشرعون غاضبون بقطع العلاقات العسكرية بعد قرار أوبك+ إلا أن إدارة بايدن التزمت بمراجعة العلاقة والبحث في الخيارات المتوفرة. وعندما سئل جون كيربي المتحدث باسم البيت الأبيض في الأسبوع الماضي عن العقوبات أجاب “لم نقل إننا سنقوم بواجب بيتي ونعود إليكم بعد أسابيع” و”قلنا إننا سنواصل النظر في العلاقة”.

ومع ذلك يعترف المسؤولون أن قرار أوبك+ كان زلزالا بدرجة حاول فيها كل طرف إعادة ترتيب العلاقة.

وفي الأسابيع التي تبعت القرار في تشرين الأول/أكتوبر حلقت الإدارة مقاتلات بعد تقارير عن هجوم إيراني محتوم على السعودية.

 وفي تشرين الثاني/نوفمبر أكدت وزارة الخارجية أن محمد بن سلمان مسؤول في الحكومة السعودية ويتمتع بحصانة من المقاضاة أمام المحاكم الأمريكية، حيث يواجه دعاوى من خطيبة خاشقجي ومنظمة حقوقية.

في نوفمبر أكدت وزارة الخارجية أن محمد بن سلمان مسؤول في الحكومة السعودية ويتمتع بحصانة من المقاضاة أمام المحاكم الأمريكية

 وأشار المسؤولون الأمريكيون إلى جهود الرياض بتسوية الحرب في اليمن التي شنتها عام 2015 وإلى التعهد السعودي بـ 400 مليون دولار كمساعدات إنسانية لأوكرانيا إضافة لجهود تبادل الأسرى بين موسكو وكييف.
ورغم التوترات فإن البنتاغون ترى في وجودها العسكري في السعودية مهم لمواجهة إيران. ويشير المسؤولون إلى وجود 70.000 أمريكي يعيشون ويعملون في المملكة. ويقولون إن زيارة الرئيس الصيني، شي جينبنغ لا تعني تحولا في الولاء السعودي.

لكن بعض الديمقراطيين لا يزالون غير مقتنعين، فبعد قرار تشرين الأول/أكتوبر دعا رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، السناتور عن ولاية نيوجرسي بوب ميننديز إلى تجميد دائم للتعاون الأمني مع السعودية وصفقات الأسلحة وأبعد من المستويات الدنيا. ويشير المسؤولون إلى تصريحات المشرعين المؤثرين وحقيقة عدم تمرير الكونغرس صفقات أسلحة جديدة بعد إعلان تشرين الأول/أكتوبر. وليس من الواضح ما ستتركه تصريحات ميننديز الذي يعارض مثل إدارة بايدن بيع الأسلحة الهجومية مثل الذخيرة الموجهة بدقة إلى السعودية بسبب حرب اليمن وسجلها باستهداف المدنيين.

 وفي بيان هذا الشهر عبر ميننديز عن عدم رضاه مما حدث بعد تشرين الأول/أكتوبر حيث وعدت إدارة بايدن بمشاورة الكونغرس حول طبيعة العلاقة مع المملكة ” لم تحدث المشاورة” و “لا نتوقع من الإدارة الوفاء بوعدها”.

ويقول جيرالد فييرستين، الزميل بمعهد الشرق الأوسط وسفير واشنطن باليمن سابقا إن حادث خفض مستويات انتاج النفط يلخص غياب الخيارات لدى إدارة بايدن لمعاقبة الرياض بطريقة لا تؤثر على اولويات أمريكا بالمنطقة. والخيار الوحيد كما يقول هو تخفيف الاعتماد على الوقود الأحفوري وبخاصة القادم من الشرق الأوسط “لو أردت أن تظهر للسعوديين بانك ستواصل البحث عما هو أفصل للمصلحة الأمريكية، عليك التحرك سريعا نحو استقلالية الطاقة” و “إن كنت تريد التخلص من السعوديين؟ أظهر لهم اننا لا نريد النفط”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية