لندن – “القدس العربي”:
نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا أعده مايكل كرانيش قال فيه إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يتعرض للهجوم بسبب تعليقات عن المحاربين القدماء، لديه تاريخ بالاستخفاف من الجيش.
ففي عام 1990 عندما وضع ترامب برنامجه كمرشح لحزب الإصلاح أطلق تعليقا لم يعد أحد يتذكره عن الشخص الذي رآه منافسا له وهو الجمهوري جون ماكين. ويعتبر الأخير بطل حرب حيث نجا من التعذيب والأسر في حرب فيتنام. وعندما سأل المذيع التلفزيوني ترامب في “سي بي أس” عن المؤهلات التي ستجعله قائدا للقوات المسلحة قال: “هل الأسر يجعلك بطلا؟ لا أعرف، لست متأكدا”.
وقبل ذلك تفاخر ترامب في مقابلة صباحية على الراديو كيف استطاع تجنب الخدمة في الجيش والذهاب إلى فيتنام وعلق أن أحد مقدمي البرنامج “عمل جيدا” عندما قال إن لديه آلاما في الظهر لكي يعفى من الخدمة.
تفاخر ترامب في مقابلة صباحية على الراديو كيف استطاع تجنب الخدمة في الجيش والذهاب إلى فيتنام
ولدى ترامب تاريخ طويل في التقليل من شأن الخدمة العسكرية ومن المحاربين القدماء، قبل أن تتحول تعليقاته لموضوع في انتخابات 2020 وقبل أن يصدم الأمريكيين عام 2015 عندما قال إن جون ماكين “ليس بطلا” و”أحب الناس الذين لا يتعرضون للأسر”. وتعود معظم تعليقاته المسجلة على التلفزة وأشرطة الراديو والتي أرفقت عادة بنكات ساخرة إلى أيامه عندما كان مواطنا عاديا ورجل أعمال. ولكنه نفسه الذي تجنب الخدمة العسكرية عندما تعلل بوجود نتوء عظمي في قدمه وسخر من الجيش ومحاربيه القدماء الذين جرحوا وأسروا بل وقارن مخاوفه من الأمراض الجنسية المعدية بتجربة الجندية. وقال عام 1993: “لو كنت شابا في تلك الفترة ولو شعرت بتأنيب الضمير لأنك لم تذهب إلى فيتنام، فلدينا فيتنامنا وهي لعبة المواعدة”. وتعطي تصريحات ترامب صورة متناقضة بين رجل يزعم أنه يحرص على الجيش ويدعمه أكثر من أي شخص آخر وفي الوقت نفسه يشوه سمعة الجنود المقعدين. وهو نفسه الذي يعفو عن جنود قوات النخبة “نيفي سيل” صدرت عليهم أحكام ضبط رغم معارضة البنتاغون.
ويفسر هذا التناقض أنه ولد في عائلة لم تحترم يوما الجيش وقيمه كما تقول ابنة أخيه ماري ترامب، الخبيرة النفسية التي أصدرت كتابا ناقدا له.
مع أن ترامب قضى معظم سنوات شبابه في الجيش. والآن يقوم هو ومساعدوه بنفي ما ورد في تقرير لمجلة “ذا أتلانتك” الذي نقل عنه قوله كلاما يشوه سمعة الجنود بمن فيهم الذين سقطوا ووصفهم بـ “الخاسرين”. وفي الحقيقة اعترف ترامب بأنه يواجه مشكلة لمخاطبة الجيش لأنه تجنب الخدمة العسكرية. وفي عام 2015 أخبر “واشنطن بوست” بأنه “شعر بالذنب” لهروبه من الخدمة العسكرية: “حصلت على الكثير من التأجيل” و”حصلت على تأجيل قصير بسبب قدمي، ثم جاء رقم الحظ، وحصلت على 356 يوما (من 365 يوما) ولن تحصل على رقم حظ مثل هذا”.
وللتعويض عن ذنبه قال ترامب إنه أنفق مبالغ ضخمة لبناء نصب تذكاري لفيتنام ودعم مسيرة الذكرى. وفي عام 1985 دفع مليون دولار لبناء النصب و200.000 دولار للمسيرة. وفي افتتاح النصب التزم ترامب بالتقاليد عندما قال: “كنت معارضا شديدا لفيتنام” و”لكنني أعترف أن من ذهب للقتال هم أمريكيون عظام” واعترف بالجنود المفقودين وقرأ برقية من رونالد ريغان التي قال فيها إنه يريد “معرفة العدد الكامل للمفقودين من رفاقكم في السلاح”. وهي تعليقات تتناقض مع نقده اللاحق عن أسرى الحرب وتعليقاته الخاصة والتي نشرتها “واشنطن بوست” الأسبوع الماضي التي قال فيها إنه لا يفهم لماذا تنفق الحكومة الكثير من المال للبحث عن الجنود المفقودين والذين لم يحاربوا بشدة وأسروا. وأخبر ترامب مساعدين له في البيت الأبيض أن هؤلاء “خاسرون” لأنهم لم يبحثوا عن طرق لتجنب الحرب. ويقول مؤرخو الحرب إنه لم يحدث أن يقوم القائد الأعلى للجيش بإصدار تعليقات يهاجم فيها الجنود الذين قاتلوا فيما وراء البحار. ويقول أندرو باسفيتش، المحارب السابق في فيتنام ومؤلف كتاب “عصر الوهم: كيف ضيعت أمريكا انتصارها في الحرب الباردة”: “ربما ظن، بطريقة غريبة، أنه يقوم بتعبئة ما يطلق عليها قاعدته”. ويضيف: “أعتقد أن هذا تفسير واحد لفوزه في انتخابات 2016 لأنه انتقد السياسة العسكرية لمرحلة ما بعد 9/11 باعتبارها تهورا وهناك قلة من النخبة السياسية الرئيسية كانت مستعدة لعمل هذا”. وقال باسفيتش إنه قد لا يصوت لترامب وربما دعم مرشحا ثالثا: “منذ رئاسته لم يوقف الحروب اللانهائية، وأتساءل لو نظرنا للسبب، فهذه طريقة أخرى لنقده الحروب الحمقاء”.
أرسله والده وهو في سن الـ 13 إلى الأكاديمية العسكرية في نيويورك من أجل تعليمه الانضباط. وربما تركت هذه التجربة أثرها على ترامب حيث تم وضعه في كلية عسكرية وعرض لانضباط وحياة قاسية وكانت سببا في قلة احترامه للرموز العسكرية
وتعود مواقفه من الحرب لطفولته في مبنى “جامايكا إستيتس” بكوينز/نيويورك حيث سمع عائلته تنتقد من ينضمون إلى الجيش بدلا من الدخول في التجارة. وانتقد ترامب ووالده فريد ترامب بشدة قرار الابن فرد جونيور الانضمام للحرس الجوي الوطني حسب ابنته ماري ترامب. وقالت: “تعرض والدي للسخرية المستمرة بسبب اختياراته في حياته العمل واستخف والده وشقيقه دونالد ترامب لخدمته البلد”. وعلقت بأنها لا تفهم أبدا كيف أصبح عمها قائدا أعلى للقوات المسلحة.
ومع ذلك قرر فرد ترامب إرسال دونالد الذي كان في سن الـ 13 إلى الأكاديمية العسكرية في نيويورك من أجل تعليمه الانضباط. وربما تركت هذه التجربة أثرها على ترامب حيث تم وضعه في كلية عسكرية وعرض لانضباط وحياة قاسية وكانت سببا في قلة احترامه للرموز العسكرية. وبحسب صديق له كان يسكن قريبا من بيته: “عليك أن تعرف أن هذه السنوات التأسيسية هي التي شكلت رأيه بالجيش”. ولكن ترامب كتب في “فن الصفقة” عن تجربته في الأكاديمية التي غيرت سلوكه العدواني وحولته إلى إنجاز. وتحدث كيف كان مدربه يوبخه بشدة لو خرج عن القواعد. واعترف أنه لم يكن مجتهدا. وعند تخرجه عام 1964 كان معظم زملائه يتطوعون للحرب في فيتنام. لكنه استخدم سلسلة من التأجيلات لدخول الجامعة. وبعد تخرجه من جامعة بنسلفانيا عام 1968 واجه منظور الخدمة العسكرية وكان عليه الانضمام في عام 1969، ثم حصل على إعفاء طبي، فيما وصفته حملته بأنه “نتوء عظمي في قدمه”. وقالت بنات الطبيب المتخصص بالقدم إن الإعفاء جاء خدمة لوالد ترامب الذي كان يملك الشقة التي يسكن فيها الطبيب، حسبما نقلت عنه صحيفة “نيويورك تايمز”. ثم شارك ترامب في قرعة للخدمة حيث حصل على رقم أكد أنه لن يستدعى أبدا للخدمة العسكرية.
وبعد سنوات هنأ ترامب نفسه أنه لم يخدم في فيتنام. وشارك عام 1995 ببرنامج هوارد ستيرن الإذاعي: “خلال حرب فيتنام، كنت محظوظا وحصلت على أعلى رقم في القرعة”. ورد ستيرن أن واحدا من موظفيه، أشار إليه بجاكي “أقنع طبيبه بأن ركبته ليست جيدة” ورد ترامب: “حسنا، هذا عمل جيد، جاكي”. وتسربت كراهية الجيش إلى عائلته، فعندما عبر ابنه دون عن رغبة بدخول الجيش قال له ترامب وزوجته في ذلك الحين إيفانا: “سنتبرأ منك في ثانية”. وفي الوقت الذي قرر فيه ترشيح نفسه عام 1999 ممثلا لحزب الإصلاح غير ما قاله قبل 14 عاما.
وفي ذلك الوقت كان المرشح الجمهوري جون ماكين قد نشر كتابه عن تجربته في فيتنام “إيمان والدي” وقال إنه وضع بلاده فوق مصالحه الشخصية. وظهر ترامب في برنامج “ستون دقيقة” على شبكة سي بي أس ليتحدث عن كتاب حملته “أمريكا التي نستحق”. وسئل عن منافسه ماكين، وعلق مقدم البرنامج دان راذر أن ماكين قاد طائرته بتميز. ورد ترامب أنه لا يعرف كيف أصبح ماكين بطلا بعد سقوط طائرته وأسره. وقال مارك سولتر الذي شارك بكتاب ماكين إنه لا يتذكر تعليق ترامب، كما ولم يذكر ماكين أي شيء عنه. وعندما حضر ترامب لانتخابات الرئاسة عام 2016 طلب من محاميه مايكل كوهين التحضير للأسئلة حول عدم خدمته العسكرية. ونصحه كوهين بتقديم الشهادة الطبية، لكنه لم يقدم شيئا ولم تكن هناك عملية لمعالجة النتوء في قدمه.
وأخبر كوهين المشرعين في الكونغرس أن ترامب رد: “هل تعتقد أنني أحمق ولم أكن أريد الذهاب لفيتنام”. وغضب ترامب عندما شاهد مؤتمر الديمقراطيين وشهادة خيزر خان والد الجندي هوميان خان الذي قتل في العراق عام 2004 وعلق: “لم يضح بشيء” وقارن تضحيات الجندي بما فعله كرجل أعمال وتهجم على المسلمين. وسخرت النخبة من ترامب الذي افتعل شجارا مع عائلة جندي قتيل. ولكنه فاز بالانتخابات ملوحا بأنه سيعيد بناء الجيش. ورغم زيادة النفقات على المؤسسة العسكرية إلا أن علاقته بها تهشمت بسبب قراراته المتعجلة مثل دعوته لسحب القوات من سوريا وتراجعه عن قراره. واتهمه وزير الدفاع السابق جيمس ماتيس بأنه الرئيس الذي لا يريد توحيد الأمريكيين ولا يتظاهر بهذا.