لندن- “القدس العربي”:علقت الكاتبة في صحيفة “واشنطن بوست” رقية ديالو على نتائج الانتخابات الرئاسية الفرنسية بأن فوز إيمانويل ماكرون بولاية ثانية لن يغير من واقع أن منافسته مارين لوبان أصبحت جزءا مما يسمى التيار الرئيس في السياسة الفرنسية ويجب “أن نخاف جميعا”.
وأضافت أن على ماكرون عدم الفخر بهزيمته مرشحة اليمين المتطرف التي حققت منذ ترشحها للرئاسة عام 2012 تأثيرا مهما بحيث أصبح اليمين المتطرف قوة لا يمكن لأحد إنكارها في السياسة الفرنسية. وبدلا من احتفال ماكرون وأنصاره بهزيمة لوبان، فعليهم التدقيق بالطريقة التي أصبح فيها موقفها الكاره جزءا من السياسة الرسمية الفرنسية. وعليك ألا تفاجأ من أن لوبان استطاعت في هذه الحملة زيادة صورتها وبناء موقف جديد يبيض أجندتها الخطيرة. فعلى مدى السنوات الماضية تحولت الملصقات عن ربطها بوالدها العنصري المزمن، جان ماري لوبان والزعيم السابق للجبهة الوطنية إلى التركيز على اسمها الأول، مارين وتصويرها بوجه بريء وباسم.
واستخدمت في أثناء الحملة الرئاسية حسابها على إنستغرام لإظهار حبها للقطط وشاركت في مناسبات غنت فيها أغاني قديمة، وقدمت نفسها على أنها شخص عادي لا يشترك مع أسلوب حياة النخبة. ووصفت نفسها بأم وحيدة “مثل عدد من الفرنسيين”، بل ووصفت ملكة جمال فرنسا السابقة ديلفين ويسبيسر لوبان بأنها “أم الفرنسيين”. وفي نفس الوقت ناقشت عدة مؤسسات إعلامية فرنسية فيما إن كانت لوبان من اليمين المتطرف. والسؤال الصادم هو أن الكثير من الفرنسيين لم يعودوا ينظرون إليها كتهديد.
وفي الحقيقة، فقد انتصرت لوبان في لعبة “نزع الشيطنة”. لكن لا شك في أنها لم تغير مواقفها، فكزعيمة للتجمع الوطني، الحزب الذي أنشأه متعاونون مع النازية والفاشية، حصلت على دعم أكثر الجماعات العنصرية والعنيفة في هامش اليمين المتطرف، بمن فيهم فاشيون ومعادون للنازية. كما وتظهر تصريحاتها السابقة بوضوح أنها جاءت من الجانب الأكثر تطرفا بالمشهد السياسي. وكنائبة في البرلمان، قدمت في العام الماضي مشروع قانون “المواطنة، الهوية والهجرة” مقترحة فيه عقد استفتاء لتقديم الأولوية في التعامل للمواطنين الفرنسيين على المهاجرين (مهما عاشوا في فرنسا)، ويشمل هذا مجالات الإسكان والخدمات الاجتماعية والوظائف. ويعني التشريع تجريد الفرنسيين من المواطنة بالولادة (وهي مبدأ جوهري في المواطنة الفرنسية)، وكذا تسهيل عمليات الترحيل ووقف لم شمل العائلات، بشكل يخرق القانون الدولي الذي يوفر الحماية لحياة العائلة. كما وسيحرم الفرنسيون من أصحاب الجنسية المزدوجة من الحصول على الوظائف العامة والخدمات.
وسياسات كهذه تعتبر خرقا لمبادئ الثورة الفرنسية عام 1789 والتي أكدت على المساواة والحقوق في “إعلان حقوق البشر والمواطنة”، وهو اليوم جزء من ديباجة الدستور الفرنسي. وخططت لوبان لإخراج فرنسا جزئيا من الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان. وليست لوبان مدافعة عن حقوق المرأة، ولم يذكر اسم المرأة في أي من المبادئ الرئيسية الـ 22 من برنامجها، باستثناء سطر عام عن الرجال والنساء. ولا يحتوي برنامجها على خطط لوقف العنف ضد المرأة أو تقوية المساواة بين الجنسين في أماكن العمل. وتحدثت باستخفاف عما وصفته الإجهاض “المريح” ملمحة إلى أن العدالة الإنجابية ترف. كما ووصفت حجاب المرأة المسلمة بأنه تعبير عن “أيديولوجية خطيرة مثل النازية”. كما ويدفع برنامج حزبها نحو دولة بوليسية، حيث يمنح أفراد الشرطة حق “الدفاع عن النفس المفترض” لو ارتكبوا عملا عنيفا. ويمكنهم تقديم شكوى ضد أي مواطن يتهمونه بمهاجمتهم، دون الكشف عن هويتهم، مما يجعل الدفاع عن المتهم أمرا مستحيلا.
ولسوء الحظ تأخر ماكرون في توصيف التجمع الوطني بـ “العنصري”، ولم يتحرك إلا بعدما اقترحت استطلاعات الرأي زيادة تهديده. وربما كان الشجب مفيدا العام الماضي عندما اتهم وزير داخليته جيرار درمانين لوبان بأنها “متساهلة جدا” مع الإسلام. وفي الحقيقة ساهمت حكومة ماكرون بتحييد لوبان وجعلها جزءا من التيار الرئيس وعبر وضع كل الجهود والطاقة في قتال حركات “اليقظة” (ووكيزم) والتحالف الإسلامي- اليساري بدلا من معالجة صعود اليمين المتطرف. وساعد خطابه المتشدد من الهجرة والإسلام والسياسات الأمنية لوبان لكي تبدو معتدلة مقارنة به.
وعبرت منظمات حقوق الإنسان عن قلقها من القوانين التي تم تشريعها خلال السنوات الخمس الماضية وأنها تهدد الحرية، وما قامت به حكومته من قمع للحركات الاجتماعية التي خلفت آلاف الجرحى بين المحتجين والملاحقة غير المسبوقة للمسلمين والتي وصلت ذروتها بإغلاق 718 مؤسسة إسلامية. وأصبحت التصريحات المعادية للإسلام التي أطلقها المسؤولون في حكومته إلى جانب الرئيس الذي قال إن الحجاب يجعل الناس “غير آمنين” و”ليس متناسبا مع المدنية التي تعبر عن بلدنا” جزءا من المشهد السياسي الفرنسي الآن. وقالت إن الفوز بالانتخابات بعد إثارة الرأي العام وتغذيته بالخطاب الداعي للكراهية وتغيير القوانين التي قيدت الحريات المدنية ليس انتصارا. ونجح اليمين المتطرف في تطبيع أيديولوجيته، وهو ما يقلق الجميع.