لندن- “القدس العربي”: نشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقالا لديفيد إغناطيوس قال فيه إن الهجوم على غزة سيكون صعباً، وقارَنَه بحروب المدن في بيروت، أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، والفلوجة، التي هاجمها المارينز الأمريكي مرتين عام 2004.
وبحسب نورمان روت، المسؤول السابق في “سي آي إيه” للعمليات ضد إيران، “ستكون من أصعب العمليات العسكرية في العقود الأخيرة، وتتفوق على التحديات التي واجهناها في العراق”، مضيفاً أن “غزة هي منطقة حضرية ومزدحمة وضخمة، وفيها أعداد كبيرة من البنايات المتعددة الطوابق، والتي يجب تنظيفها من الأسلحة و”الإرهابيين” الذين لا يرتدون زياً عسكرياً، وعلينا تحضير أنفسنا لضحايا مدنيين، ومن الجيش”.
وقال إن عملية غزة تمثل تحديين مؤلمين رأيناهما في هذا النزاع. الأول، على إسرائيل استعادة الردع ضد أعدائها، في غزة والضفة الغربية ولبنان وإيران، بعد الهجوم المدمر والمفاجئ، يوم السبت. وفي الوقت نفسه عليها التقليل من أعداد الضحايا المدنيين، وحماية أرواح الرهائن. وقد تبدو هذه وكأنها مهمة مستحيلة رهيبة. ولا يمكننا معرفة الطريقة التي سينظم فيها القادة الإسرائيليون هجومهم، إلا أن التعليقات العامة تقترح منح أولوية لأمن إسرائيل وليس الأفراد، أي تعليم الطرف الآخر الدرس وتغيير الواقع، كما قال قائد وحدة المظليين، يوم الثلاثاء، الجنرال دان غولدفس.
وتساءل مسؤول أمريكي سابق: “ما هي المفاجأة الأخرى التي سيفعلونها؟”، في إشارة لحركة “حماس”، و”أن يقوموا بتخطيط هذا جيداً، ولمدة طويلة، فهذا يعني أن هناك خطوة أخرى لهذا”، فـ “حماس” كانت تتوقع هجوماً إسرائيلياً على غزة، رداً على الهجوم الفظيع، فما هي الدفاعات التي حضّروها؟
وبحسب مسؤول غربي، فقد قدمت المخابرات الأردنية والمصرية تحذيرات قاتمة، وتحدث عملاؤهم في داخل غزة عن تحضير “حماس” قنابل بدائية وأسلحة مضادة للدبابات ودفاعات أخرى على طول الطرق القادمة للقطاع، حسب هذا المصدر.
وتعتبر حروب الشوارع من أكثر أنواع النزاع بشاعة، وبمصاعب تربك حتى أكثر الجيوش مهنية. وقال إغناطيوس إن تجربته في تغطية حصار بيروت، عام 1982، وحصار المارينز للفلوجة، في 2004، يقدمان تحذيرات حية بشأن الطريقة التي ستهاجم فيها إسرائيل غزة.
وكان حصار بيروت مثالاً عن الكيفية التي تتغير فيها خطة الحرب وتنحرف عن مسارها. فقد اندفع الجيش الإسرائيلي إلى لبنان في 6 حزيران/يونيو 1982، وكان مصمماً على طرد منظمة التحرير من مراكزها في بيروت الغربية. وبدلاً من الهروب، كما توقع المخططون العسكريون الإسرائيليون، صمد المقاتلون، حيث حاصرت القوات الإسرائيلية بيروت لمدة شهرين، وقصفتْها بالمدافع ومن الجو. وكما كتب في حينه، فقد كانت مشكلة إسرائيل في الرسائل المتناقضة، فمن جهة كانت تريد تخويف الفلسطينيين ودفعهم للهروب، وكذا تطمين الرأي العام، إلا أن عناد المقاتلين الفلسطينيين استمر، وزادت الانتقادات العالمية للحصار، وهو ما دفع الولايات المتحدة للتدخل، وعقد صفقة سمحت لياسر عرفات والمقاتلين بمغادرة بيروت. وبعد خروجهم قامت الميليشيات المسيحية بارتكاب مجزرة صبرا وشاتيلا قرب المواقع الإسرائيلية، ما أدى إلى تشويه صورة إسرائيل. وتحول المقاتلون الشيعة الذين حلوا محل المقاتلين الفلسطينيين إلى “حزب الله”. وأخبر عسكريون إسرائيليون الكاتب لاحقاً بأن الغزو كان خطأ، ولم يوفر الأمن لإسرائيل.
وتقدم مدينة الفلوجة مثالاً آخر عن حروب المدن، وكان يسكنها 300.000 نسمة، وكانت مركزاً للمقاومة السنية ضد الاحتلال الأمريكي، عام 2003. وضد نصيحة القادة المحليين للمارينز أمر المسؤولون الأمريكيون باجتياح المدينة، في نيسان/أبريل 2004، لينسحب المارينز بعد أسابيع من تكبدهم خسائر فادحة. وأصبحت الفلوجة أكثر تمرداً، وهاجمها المارينز مرة ثانية، في تشرين الثاني/نوفمبر 2004، في معركة تعتبر الأكثر دموية في حرب العراق، وقتل 95 من جنود المارينز، وجرح 560 آخرين.
وتعتبر غزة أعقد من الفلوجة، فلديها عدد سكان أعلى بخمسة أضعاف، ومجمعات سكنية معقدة، وأنفاق تحتها. وربما حاولت إسرائيل قتل قيادات “حماس”، وكان هذا هو الهدف في 2009، إلا أن رأس القيادة نما من جديد وسريعاً.
ولدى الإسرائيليين التفوق التكنولوجي هذه المرة، ولم يكن متوفراً في 1982 و 2004. ويمكنهم استخدام الروبوت والمسيّرات لاستكشاف البنايات والعثور على المدافعين عن “حماس” وقتلهم.
والذين اختطفوا الإسرائيليين سجّلوا العملية على الفيديو، ومن السهل استهدافهم. ويمكن أن تسهم التكنولوجيا في العثور على الرهائن وإنقاذهم، وربما سيكون صعباً. ويقول مسؤول غربي بناء على مصادر استخباراتية عربية إن بعض الرهائن سلموا لعصابات، وليس لمقاتلي “حماس”، وسيكون العثور على مخابئهم صعباً.
ويتساءل الكاتب بعد الهجوم على غزة، ماذا بعد؟ وهل تريد إسرائيل السيطرة على هذا الجيب الفقير والجائع، والذي يشبه مخيم لاجئين، حتى بعد 75 عاماً على نشوئها؟ ويقول ” ربما استطاعت الدول العربية في مرحلة ما بعد التطبيع مع السعودية جلب استقرار وازدهار وحكومة تخفف من الموت والبؤس في المكان”.