لندن-“القدس العربي”:
في 12 آذار (مارس) 2018 دعا السفير السعودي في واشنطن مجموعة من “اللوبيات” المؤثرة في واشنطن لاجتماع مهم في مقر السفارة بواشنطن. وكان موضوع الاجتماع هو التحضير لزيارة ولي العهد محمد بن سلمان وهي الأولى له بعد أربعة أشهر من توطيده معالم حكمه.
وجلس السفير خالد بن سلمان على رأس طاولة طويلة في قاعة الاجتماعات وخلفه برنامج ولي العهد. وكان من بين الحاضرين، السناتور السابق عن ولاية مينسوتا نورم كولمان ومارك أس لامبكين، المستشار المخضرم في الكابيتال هيل والذي عمل مع فريق ترامب الإنتقالي والمخطط الاستراتيجي الديمقراطي الفريد إي موتور.
وكان الاجتماع مهماً خاصة أن الكونغرس وبعد ثمانية أيام كان سيناقش طرقاً لإخراج الولايات المتحدة من الحرب التي وصفتها الأمم المتحدة بـ”أسوأ كارثة إنسانية في العالم” وتم هزيمة المشروع وبعد ساعات من ترحيب البيت الأبيض بالأمير محمد.
وتعلق صحيفة “واشنطن بوست” في تقرير لها عن طرق السعودية في التأثير على القرار الأمريكي أن النصر المزدوج في الكونغرس والبيت الأبيض يلخص الدور الذي قامت به آلة التأثير السعودي المتقنة لتشكيل السياسة والمفاهيم بواشنطن وعلى مدى عقود. وواجهت المملكة نقادها من خلال ضخ الملايين من الدولارات إلى شركات العلاقات العامة والشركات القانونية ومراكز الأبحاث وصفقات الأسلحة الضخمة التي وقعتها مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة.
امتحان
وتعلق الصحيفة أن قوة آلة التأثير الأمريكية تعيش امتحاناً وسط الشجب الدولي لمقتل صحافي “واشنطن بوست” جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول التي دخلها يوم 2 (تشرين الأول) (أكتوبر) ولم يخرج منها. وبعد النفي المستمر اعترفت الحكومة السعودية الأسبوع الماضي بمقتله.
وتقول الصحيفة إن السعودية بالإضافة للملايين التي أنفقتها في واشنطن، تمتعت بعلاقات دافئة مع الرئيس نفسه الذي أدار عمليات تجارية مع مواطنين سعوديين فيما طور صهره جارد كوشنر صداقة مع ولي العهد محمد بن سلمان. وقامت العلاقة على الصلات الطويلة بين الإدارات الأمريكية المتعاقبة والعائلة السعودية الحاكمة. وقامت الحكومة بحملات قوية لتحسين صورتها وبناء صلات مع قادة الرأي. وزار المسؤولون الكبار والمؤثرون في الحكومة السعودية واشنطن لمقابلة الصحافيين وصناع الرأي. وزار الجنرال أحمد عسيري، نائب مدير المخابرات المعزول بسبب مقتل خاشقجي، واشنطن مرات عدة والتقى بالصحافيين والمحليين في مراكز الأبحاث. وأقام السفير السعودي مأدبة عشاء وأحياناً احتفالات مثل المناسبة الباذخة في قاعة أندرو ويلسون على شرف زيارة ولي العهد هذا العام للولايات المتحدة. وأرسلت جماعات اللوبي إلى الكونغرس للتأكد من حضور النواب في لجنة الشؤون الخارجية الحفلة. وعرض المسؤولون السعوديون بداية هذا العام تذاكر لحضور “سوبر بول” (مباراة كرة السلة النهائية) وعرضوا توفير طائرات مستأجرة لحمل المشاركين في مناسبة إعلامية لنجوم مثل جيك تابر من “سي أن أن” و”بريت بائير” من “فوكس نيوز” وذلك حسب تابر والمتحدث باسم “فوكس نيوز”. وكلاهما قال إنه رفض العرض. ولم تستجب السفارة لمطالب متعددة من الصحيفة كي تعلق على ما ورد في التقرير. وأشارت الصحيفة الى أن عدداً من أصحاب ” اللوبيات” في واشنطن قالوا إنهم لن يقبلوا المال السعودي، ولا يعرف إن كانت هذه مرحلة هدوء قبل عودة الأمور لطبيعتها. وقال السناتور الجمهوري عن أوتاما مايك لي إن “حسن النية التي تمتعت بها السعودية في واشنطن كانت إما بسبب جهود اللوبي أو لأنها حليف مهم، وهو أمر تجب مراقبته”. ويقول لي إن الكونغرس تخلى عن مسؤولياته الدستورية من خلال دعم الحرب في اليمن بدون إعلان الحرب. ويقول كولمان، الذي يعد عميد جماعات اللوبي السعودية في واشنطن والشخصية المؤثرة في الحزب الجمهوري إن المصالح القومية على المحك لو لم تستمر الشراكة الأمريكية -السعودية. وقال: “العلاقة مع السعودية مهمة جداً وشراكتها في مواجهة التهديد الإيراني حيوية للأمن الأمريكي وأمن المنطقة بما في ذلك أمن إسرائيل”.
شركات اللوبي
ولاحظت الصحيفة أن السعودية تنفق بشكل واسع على شركات اللوبي وتقوية العلاقة مع أمريكا. فقد تراجع الإنفاق من 14.3 مليون دولار في عام 2015 إلى 7.7 مليون دولار عام 2016 ليزيد مرة أخرى إلى 27.3 مليون دولار العام الماضي. ومنذ عام 2016 سجل أكثر من 200 شخص أنفسهم كعملاء نيابة عن المصالح السعودية، وذلك حسب أوراق اللوبي في “مركز السياسة المرتجعة”. ومن بين الجماعات التي حصلت على الأموال السعودية أهم شركات العلاقات العامة مثل ماكيون غروب التي يديرها هوارد ماكيون، الرئيس السابق للجنة القوات المسلحة في مجلس النواب. و”بي جي أر” التي أنشأها الجمهوري البارز إد روجرز وهيلي بربور. وكذا “غلوفر بارك غروب” والتي أنشأها المخطط الاستراتيجي جوي لوك هارت و”كارتر إيسكو” التي كانت تعرف بمجموعة “بوديستا”، وأسهم كل من روجرز وإيسكو بمقالات رأي في صحيفة “واشنطن بوست”. وأعلنت الشركتان الاسبوع الماضي أنهما لن تمثلا السعودية. وقالت لهما الصحيفة إنهما لا يستطيعان مواصلة الكتابة والدفاع عن السعودية في الوقت نفسه. وبشكل منفصل تدفقت اموال الإمارات العربية المتحدة، حليفة السعودية إلى مراكز الأبحاث في واشنطن بما فيها المركز للدراسات الاستراتيجية والدولية ومعهد “بروكينغز” ومعهد الشرق الأوسط. وأعلنت المراكز الثلاثة أنها ستنهي أو ستعيد النظر في المنح السعودية.
وقال السناتور الديمقراطي عن ولاية كونيكتيكت كريس ميرفي “واحد من الأمور البديهية التي تم ترويجها في واشنطن وهي أن الولايات المتحدة والسعودية لديهما علاقة خاصة غير قابلة للكسر”. وأضاف السناتور الناقد للحرب في اليمن: “وكل شخص ذكي يعرف السياسة الخارجية يأتي لمكتبك ويخبرك بهذا. وظهر أن كثيراً منهم يحصلون على المال الخليجي”.
وقالت الصحيفة إن أكبر مستفيد من المال السعودي هو معهد الشرق الأوسط والذي يقدم نفسه على أنه “مصدر غير متحيز للمعلومات والتحليلات لهذه المنطقة الحيوية”. ويدير المنظمة ريتشارد إي كلارك الذي تولى مناصب في الأمن القومي خلال إدارات رونالد ريغان وجورج هيربرت بوش وبيل كلينتون. وحصل المركز في الفترة ما بين 2016- 2017 على 1.25- 4 ملايين دولار كتمويل من المصالح السعودية. وفي عام 2016 حصل المعهد على 20 مليون دولار من الإمارات كي يقوم بتجهيزه مقره من جديد.
وقد دعمت أبو ظبي مزاعم السعودية بشأن مقتل خاشقجي. وحصلت شركة مايكل بتروزيلو “كيو أورفيس ام أس أل غروب ” على 3.6 مليون دولار من السعوديين كأجور لوبي ما بين 2016- 2017 وكان عضوا في مجلس إدارة المعهد كما أن جاك مور، مدير شركة تابعة للسعودية في أمريكا الشمالية عضو في مجلس إدارته. ولم يرد أي منهما على طلب من الصحيفة للتعليق. وقال سكوت زوك، المتحدث باسم المعهد أن المؤسسة تؤكد للمتبرعين أنه مستقل. وقال “لا نقبل أي تبرع من حكومة أو فرد وشركة أو مؤسسة تحاول تقييد حريتنا الأكاديمية”.
قانون جاستا
وزادت شركات اللوبي عملها بعد نكسة قانون جاستا الذي سمح لعائلات ضحايا 9/11 تقديم الحكومة السعودية أو أي من مسؤوليها للمحاكم بتهمة دعم الإرهاب. واستخدم الرئيس باراك أوباما الفيتو ومع ذلك مرر القانون بغالبية رغم تحذير الإدارة من تعرض المصالح والجنود الأمريكيين للخطر. وواصلت السعودية جهودها ضد القانون حيث حاولت تعديله وأحضرت المحاربين القدماء إلى واشنطن للقول إن القانون سيعرضهم لقضايا قانونية مماثلة. وقالت تيري سترادا التي قتل زوجها في الهجمات إن “السعوديين قذرين في قتالهم”. وقالت إن “المحاربين القدماء جاءوا إلى واشنطن واستخدموا نفس اللغة التي استخدمها السعوديون. وعلينا ان نواجه الأمر، لقد فكروا أن الناس الذين يستطيعون الحديث ضد عائلات 9/11 هم المحاربين القدماء”.
ولم يكن المحاربون القدماء أو بعضهم على علم بأن المصالح السعودية هي التي تدعم زياراتهم إلى واشنطن حسب شكوى قدمتها العام الماضي عائلات ضحايا هجمات 9/11. ونزل المحاربون القدماء في فندق ترامب الدولي والذي يملكه الرئيس ودفعت المملكة في النهاية الفاتورة 270.000 دولار حسب سجلات اللوبي.
وبحسب رسالة الكترونية كانت ضمن الدعوة “كانت رحلة رائعة ومثل عطلة خمسة نجوم”.
جارد ومحمد
ووصف ترامب الذي كان مرشحا رئاسيا في حينه الفيتو الذي قام به أوباما بالعار وأنه أدنى لحظة في رئاسته. ولكنه كان وصهره يقيمان علاقات قوية مع السعوديين. وفي البداية قدمهما توم باراك، صديق ترامب والذي له علاقات تجارية مع الشرق الأوسط ولديه صلات شخصية مع المسؤولين البارزين في السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة. ورفض باراك التعليق على ما ورد في التقرير.
ففي أيار (مايو) 2016 قدم باراك كوشنر إلى السفير الإماراتي المؤثر في واشنطن يوسف العتيبة، حسب شخص يعرف بالعلاقة. وتحدث باراك مع ترامب بشأن لقاء القادة الإقليميين بمن فيهم أمير قطر مشيرا لما يمثله ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من وعود. وبعد أشهر من وصول ترامب إلى البيت الأبيض التقى كوشنر بن سلمان شخصيا في البيت الأبيض حيث تناولا العشاء في غرفة المآدب. وارتبط الشخصان حيث واصلا العلاقة من خلال المكالمات الهاتفية بشكل أثارت قلق المسؤولين في الاستخبارات حول الدبلوماسية الحرة التي يمارسها كوشنر. وفي نفس الوقت حاول فيه منافسي بن سلمان الحصول على مدخل لإدارة ترامب حيث دفعت وزارة الداخلية التي كان يقودها الأمير محمد بن نايف مبلغ 5.4 مليون دولار إلى شركة يديرها مستشار لترامب ويملك شركة خمر في أوريغان، روبرت ستريك حسب السجلات العامة. وبعد شهر تم ترفيع بن سلمان لمنصب ولي العهد وتم وقف العقد “نظرا لتغيير النظام السعودي” حسب أوراق اللوبي التي قدمها. ورفض ستريك التعليق. وبعد أشهر من الغداء في البيت الأبيض أقنع كوشنر صهره بأن تكون السعودية هي المحطة الأولى لزيارته الخارجية. ورفض البيت الأبيض التعليق باستثناء الإشارة إلى مقابلة ترامب مع الصحيفة يوم السبت والتي قلل خلالها من علاقة كوشنر مع بن سلمان “جارد لا يقوم بالتجارة مع السعودية، وهما شخصان ولا يعرفه جارد كثيرا ويحبان بعضهما البعض، على ما أعتقد”. ولم يكن ولي العهد الشخص الوحيد الذي زار واشنطن بل الجنرال أحمد عسيري الذي عزل بسبب خاشقجي والذي أخبر الصحافيين ان إدارة ترامب تعهدت بزيادة الدعم الاستخباراتي والتشارك في التعاون الدفاعي. وبعد أيام كتب عسيري مقال رأي في موقع “فوكس نيوز” وأثنى فيه على التعاون الأمريكي – السعودي في مكافحة الإرهاب. وأرسل المقال إلى مكتب النائب الجمهوري عن كاليفورنيا إدوارد رويس، رئيس لجنة الشؤون الخارجية. وأثنى رويس على “دعم عسيري للتشارك في المعلومات” ولاحظ أن “العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية مركزية لمحاربة الإرهاب”. والتقى عسيري الصحافيين واستضافه المركز للدراسات الاستراتيجية والدولية. لمناقشة حقوق الإنسان في اليمن حسب المركز. وتشير الصحيفة إلى اجتماع آذار (مارس) مع قرب زيارة ولي العهد وتصويت الكونغرس على اليمن انشغلت الآلة السعودية. وقدمت السفارة برنامج ولي العهد والشخصيات التي يجب أن يقابلها بن سلمان. ووصف كولمان اللقاء بالروتيني فيما أكد موتور ولامبكين حضورهما كممثلين عن شركتهما بروانيستين هيت فاربر شريك. وخلال الأسابيع السبعة التي سبقت زيارة بن سلمان تم الإتصال بـ 759 من نواب الكونغرس نيابة عن الحكومة السعودية. وكانت الأخيرة تواجه سناتورات مؤثرين مثل ميرفي ولي وسناتور فيرمونت بيرني ساندرز. وفي 20 آذار (مارس) فشل مشروع القرار بالحصول على 55 صوتا وحصل على 44. وفي نفس اليوم بدأ بن سلمان زيارته التي التقى فيها مع النخبة الأمريكية من مؤسس مايكروسوفت إلى اوبرا وينفري. واستقبل معهد الشرق الأوسط بن سلمان بمقالة كتبها فهد ناظر والذي دعا فيه الولايات المتحدة والغرب ملاحظة التغيرات الاجتماعية التي تحدث في السعودية ودعم ولي العهد. وناظر هو كاتب عمود في “عرب نيوز” ومستشار للسفارة في واشنطن”والأراء التي عبر عنها لا تعبر إلا عن كاتبها”.